آوفباو: صعود وانهيار دار نشر ألمانية
٢١ يوليو ٢٠٠٧تنتمي دار النشر "آوفباو" اليوم إلى كبرى دور النشر الألمانية بموظفيها البالغ عددهم الستين، رغم أنها مازالت بعيدة عن المؤسسات الكبرى مثل راندوم هاوس. واليوم تقف دار النشر هذه أمام وضعية صعبة، قد تضع حدا لمسيرتها الثقافية الغنية بالإنجازات، التي تعتبر خير مرآة للتحولات الإيديولوجية والسياسية والاجتماعية التي عرفتها ألمانيا الخارجة من كارثة الحرب العالمية الثانية.
الشاعر يوهانس بيشر أسس دار النشر في أغسطس 1945 في برلين بالوكالة عن "الاتحاد الثقافي من أجل التجديد الديمقراطي لألمانيا". فبعد سقوط النازية أراد المرء أن يقدم توجيها روحيا للألمان عن طريق إعادة نشر الكتب الكلاسيكية، مثل كتب غوته وهاينريش هاينه وكلايست ومؤلفات الكتاب الألمان الذين هربوا من ألمانيا أيام الحكم النازي، حتى أن دار النشر باعت في سنواتها الخمس الأولى ستة فاصلة خمسة مليون كتاب.
ألمانيا الشرقية وعبث السياسي بالثقافي
لم تقدم دار آوفباو على نشر الأدب الألماني الكلاسيكي فقط لكنها انفتحت على الأدب العالمي ونشرت ترجمات لكلاسيكيات القرن التاسع عشر وللأدب العالمي في القرن العشرين. ومثلت سنة 1956 قمة تلك الإنجازات وحدثا ثقافيا كبيرا في ألمانيا الديمقراطية بترجمة أعمال كل من جان بول سارتر وارنست همنغواي، لكن سياسة الدار ستعرف تحولا دراماتيكيا بعد التمرد الشعبي الذي عرفته المجر، إذ سيتم سجن رئيس الدار فالتر يانكا وزميله فولفغانغ هاريش ومحاكمتهم علنيا بتهمة تكوين مجموعة معادية للدولة والحكم عليهم بالسجن. ومع بدء ما اصطلح عليه "الإصلاح الستاليني" اختفت كتب مهمة من برنامج الدار، خصوصا تلك التي تنتمي إلى الأدب الأوروبي والأمريكي، وأيضا مؤلفات كتاب ألمان مثل فرانز كافكا وهوغو فون هوفمانستال، وابتداء من سنوات الستينات ازداد تدخل الدولة في سياسة الدار وفرضها لرقابة سياسية ـ إيديولوجية على مضامين الكتب التي تصدرها.
آوفباو: من عبث الدولة إلى لعنة السوق
نجحت دار آوفباو أحيانا في تجاوز رقابة الدولة ونشرت نصوصا نقدية مهمة، وخصوصا تلك القادمة من ألمانيا الشرقية نفسها، مثل كتب كريستا فولف أو إيفا ستريتماتر، وحتى نهاية الجمهورية الشرقية نشرت الدار أربعة ألاف وخمسمائة كتاب جديد، وعديد هم الكتاب الألمان من ألمانيا الغربية الذين وجدوا طريقهم إلى القارئ الألماني في شرق ألمانيا بفضل هذه الدار والعكس صحيح أيضا. واستطاعت الدار أن تحافظ على استمرارها بعد الوحدة الألمانية التي مثلت للعديد من دور النشر في ألمانيا الشرقية نقطة النهاية، لكنها اضطرت إلى التخلي عن ثلثي موظفيها، كما استطاعت أن تتأقلم مع ميكانيزمات السوق الجديدة عن طريق اعتماد إدارة عصرية وتأسيس دار شعبية تابعة لها والانفتاح على أدب الأطفال والكتب المسموعة، لكن تقارير صحفية، نشرتها مجلة "شبيغل" الأسبوعية تشير إلى أن هذه الدار ورغم انجازتها تعيش مشاكل مادية كبيرة ما يهدد فعلا ببيعها ووضع حد لمسارها الثقافي الحافل.