أزمة الخليج.. صراعات السياسة تحاصر "حرمة الحج"
٢٩ أغسطس ٢٠١٧يمثل الحج الرحلة التي يتمنى ملايين المسلمين حول العالم القيام بها ولو مرة واحدة في العمر، لأداء ركن من أركان الإسلام وإشباع رغبة روحانية مرتبطة بالشعائر المقدسة، لكن موسم الحج هذا العام يأتي في خضم أزمات سياسية وخلافات ألقت بظلالها على الركن الخامس من أركان الإسلام، إذ تأتي شعائر الحج في خضم أزمة دبلوماسية كبيرة في الخليج كما أنها تشهد عودة الحجاج الإيرانيين بعد غيابهم العام الماضي، عقب حادثتي سقوط الرافعة والتدافع عام 2015، حيث راح ضحيتهما أكثر من ألفي شخص ووصف بأنه الكارثة الأكبر في تاريخ مواسم الحج.
ومع حلول موسم الحج، تفاقم الخلاف السعودي القطري، إذ أعربت قطر عن مخاوفها من إمكانية تعرض الحجاج القطريين للمضايقات في السعودية، التي منعت الطائرات القطرية من الهبوط في مطاراتها ثم عادت وقالت إنها مستعدة لنقل الحجاج القطريين على متن طائراتها لأداء الحج، خطوة رأت فيها قطر محاولة من الرياض لتسجيل نقاط على حسابها، كما يقول الدكتور علي العبسي المحلل السياسي والاقتصادي في حوار مع DW عربية.
ويوضح العبسي أن الطرفين ضخما من الخلاف وقاما بتوظيفه لتحقيق مصالح سياسية، مشيراً إلى أن الرياض حاولت تصحيح قرارها "غير المنطقي" بمنع دخول الحجاج مباشرة من قطر للسعودية، من خلال هذه المبادرة. على الجانب الآخر اعترضت قطر على فكرة قصر نقل الحجاج على متن الخطوط الجوية السعودية.
وتواصل الخلاف بعد أن قالت السعودية إن قطر رفضت السماح للطائرات السعودية بالهبوط لنقل الحجاج، الأمر الذي نفته قطر وقالت إن السبب هو خطأ في الإجراءات، إذ أن السعودية تقدمت بطلب لجهة غير مختصة بالأمر.
منصة لتبادل الاتهامات على تويتر
هذه النقطة تحديداً حولت مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما موقع "تويتر" لمنصة لتبادل الاتهامات وإطلاق الهاشتاغات التي لا تخلو من تحميل أي من الطرفين المسؤولية كاملة عن تصاعد حدة الخلاف، فمن ناحية تؤكد الأطراف المؤيدة للجانب السعودي، على أن "قطر تمنع مواطنيها من الحج" مع الترويج لقرار الملك سلمان بفتح الحدود وإرسال طائرات لنقل الحجاج القطريين والتأكيد على أن قطر تمنع الطائرات السعودية من الهبوط لنقل الحجاج.
على الجانب الآخر، ركزت الأطراف المؤيدة لقطر على أن المبادرة السعودية تهدف في الأساس لتلميع الموقف السعودي والاستغلال السياسي المحتمل لتواجد الحجاج القطريين في السعودية وتسييس موسم الحج بشكل عام.
بين التدويل والفوائد الاقتصادية
تسببت تصريحات منسوبة لقطر في بداية الأزمة الخليجية بشأن تدويل الحج، في تصعيد حدة الخلاف، إذ اعتبرت الرياض أن مثل هذا الطلب يمثل إعلان حرب ضد السعودية. ورغم أن قطر نفت صدور مثل هذا التصريح من أي من مسؤوليها، إلا أن الأمر أعاد فكرة تدويل الحج لساحات النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن سبق وطرحت الفكرة من قبل "خصوم تقليديين" للسعودية على رأسهم إيران.
ويرى العبسي أن حساسية هذه النقطة بالتحديد تعود لطرحها في السابق من قبل إيران ورئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وهو ما تسبب في حساسية الموضوع، كما يقول الدكتور العبسي، الذي يشير في الوقت نفسه إلى "عدم وجود بديل واقعي يمكنه أن يحل محل السعودية في إدارة شؤون الحج".
من ناحية أخرى تشير البيانات إلى أن نحو مليوني حاج من مختلف أنحاء العالم يؤدون مناسك الحج هذا العام، وهي قوة اقتصادية ضخمة تؤثر على قطاعات كاملة في السعودية، بين الإسكان والمواصلات وقطاعات التجارة والتوظيف، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الريال السعودي خلال موسم الحج. ففي عام 2012 على سبيل المثال، قدرت إيرادات الحج والعمرة بأكثر من 16 مليار دولار، مقارنة بنحو 4ر8 مليار دولار لعام 2014، وفقاً لتقديرات الغرفة التجارية الصناعية بمكة.
ورغم ضخامة الأرقام، إلا أن العبسي يوضح أنه "يجب في هذا السياق عدم إغفال ما يتم إنفاقه على البنية التحتية اللازمة لخدمة نحو مليوني حاج، علاوة على أن العائد المالي للحج يضخ في الاقتصاد المحلي في مكة والمدينة المنورة وجدة، ما يقلل من أهمية البعد الاقتصادي للأزمة الخليجية فيما يتعلق بموسم الحج تحديداً".
وبعد شهور من تبادل الاتهامات ، يرى العبسي أن الأزمة الخليجية وصلت للذروة ولا مجال للتصعيد، إذ يسير منحنى الخلاف حالياً في اتجاه التهدئة حتى وإن استمر الأمر لفترة طويلة، لكنه لن يكون بنفس الحدة التي بدأت بها الأزمة والتي وصل الأمر فيها للحديث عن إمكانية تدخلات عسكرية والاستعانة بأطراف خارجية.