هل حان موعد إطلاق "ممرات الحبوب" من الموانئ الأوكرانية؟
٩ يونيو ٢٠٢٢صوامع الغلال الأوكرانية ممتلئة وقد نفدت تقريبا قدرتها على التخزين. ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، فإن أكثر من 20 مليون طن من الحبوب التي كانت مخصصة بالفعل للسوق العالمية لا تزال عالقة في أوكرانيا.
في وقت السلم، كانت أوكرانيا ترسل أكثر من 50 في المائة من صادراتها عبر أكبر ميناء لها على البحر الأسود في أوديسا. لكن منذ نشوب الحرب العدوانية الروسية عليها في نهاية فبراير/ شباط الماضي، توقفت رافعات التحميل في الميناء. ومنذ ذلك الحين، منع الحصار المفروض من قبل أسطول البحر الأسود الروسي أي واردات وصادرات. بالإضافة إلى ذلك، يهدد عدد غير معلوم بالضبط من الألغام البحرية السفن على الساحل الأوكراني. والشيء الوحيد المعلوم هو أن كل من رومانيا وتركيا اضطرتا بالفعل إلى نزع فتيل العديد من الألغام التي انفصلت عن مراسيها قاطعة طريقها في مياه البحر الأسود.
هناك حاجة ماسة إلى الحبوب، لأسيما وأن الخبز والقمح أصبحا شحيحين بالفعل في العديد من البلدان في إفريقيا والشرق الأوسط. كما أن أوكرانيا نفسها في حاجة ماسة إلى الدخل من صادرات الحبوب. وفي الأسابيع الأخيرة، حاولت كييف زيادة صادراتها من القمح عن طريق السكك الحديدية. ومع ذلك، فإن الاختلاف بين سعة الطرق في أوكرانيا وبقية أوروبا، فضلاً عن نقص سيارات الشحن في الجانب الأوروبي، تبطئ التصدير عن طريق السكك الحديدية إلى حد كبير.
تطهير الألغام وممرات للتصدير
لهذا كانت هناك منذ أسابيع مساعي حثيثة لاستئناف تصدير الحبوب عبر البحر الأسود. ولذلك وصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تركيا، الثلاثاء، السابع من يونيو/ حزيران. وبحسب تقارير إعلامية، فقد توصل إلى اتفاق أساسي مع الجانب التركي. وبناء عليه، يتعين على البحرية التركية تطهير المنطقة المحيطة بالموانئ الأوكرانية من الألغام البحرية وتوفير ممرات آمنة لناقلات الحبوب لحمايتها من أي قصف محتمل. وقال لافروف في مؤتمر صحفي في أنقرة أمس الأربعاء، "نحن على استعداد لضمان سلامة السفن التي تغادر الموانئ الأوكرانية، بالتعاون مع شركائنا الأتراك".
ومن المقرر إنشاء مركز تنسيق للأمم المتحدة في إسطنبول لتنظيم كيفية توزيع الحبوب المصدرة في السوق العالمية. ويجري حاليًا النظر في ثلاثة موانئ أوكرانية لتحميل القمح: فبالإضافة إلى أوديسا، يمكن أيضًا النظر في نقاط إعادة الشحن المجاورة في تشورنومورسك ويوجني. كما أن تصدير القمح من ميناء ميكولايف المحاصر ومن الموانئ التي تحتلها روسيا في تشيرسون وماريوبول قيد المناقشة أيضًا.
أوكرانيا مهتمة بشكل أساسي بمثل هذا الاتفاق، ولكن لا يزال لديها مخاوف كبيرة. ولم يحضر الاجتماع الممثل الأوكراني في أنقرة. واقترحت الأمم المتحدة بالفعل تشكيل مجموعة اتصال رباعية، تتألف من ممثلين عن الأمم المتحدة وتركيا وروسيا وأوكرانيا، لوضع آلية تحكم لممر محتمل للحبوب.
تركيا وسيط وضامن؟
وتعتقد بيآته أبيلت، مديرة مكتب مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية في إسطنبول أنه "يمكن تحقيق مثل هذا الممر إذا أراده الجميع". ومع ذلك، هناك خلافات في عدة نقاط، خاصة عندما يتعلق الأمر بحواجز الألغام التي نشرها الجانبان قبالة الساحل الأوكراني. وقالت أبيلت إن "البحرية الأوكرانية تريد استخدام هذا لمنع السفن الحربية الروسية من الرسو أمام أوديسا". ويجب إزالة الألغام للسماح لسفن الشحن التي تحمل الحبوب بالمرور.
وبحسب المعلومات التركية فإن ذلك ممكن في غضون أسبوع إلى أسبوعين. ويقول الخبير الأمني التركي يوروك إيشيك من معهد الشرق الأوسط في إسطنبول إن "البحرية التركية" هي "واحدة من أكثر القوات البحرية خبرة داخل الناتو" في هذه المهمة. مضيفا أن " لديها 11 سفينة كاسحة للألغام والأطقم المدربة" على ذلك.
وتشير التقديرات الأقل تفاؤلاً إلى أن إزالة الألغام البحرية قد تستغرق شهورا. من شأن إزالتها ضعف القدرة على حماية أوديسا. وتخشى كييف أن تهاجم السفن الحربية الروسية أكبر مدينة ساحلية في أوكرانيا عبر الممر المكشوف، وبالتالي تطالب بضمانات أمنية، مثل الصواريخ الغربية المضادة للسفن، والتي ترفضها موسكو بشدة. وتقول بيآته أبيلت: "من الصعب عليّ أن أتخيل، في ضوء وحشية هذه الحرب حتى الآن، أن الناس في كييف سيؤمنون بالتزام موسكو بعدم العدوان". وتتابع أبيلت "وهنا يأتي دور تركيا، التي يبدو أنها لا تريد التوسط في الممر فحسب، بل تريد أيضًا تأمينه بسفنها الخاصة".
سفن الناتو من أجل التأمين؟
وافقت أنقرة من حيث المبدأ على القيام بذلك الدور. لكن من المشكوك فيه ما إذا كانت الحماية من السفن التركية وحدها كافية بالنسبة لكييف. ومن أجل موافقة كييف على الخطة، يعتقد يوروك إيشيك أنه سيتعين على العديد من الدول تقديم الضمانات الأمنية، بما في ذلك تركيا بالتعاون مع بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، فإن مثل هذا التحوط لن يخلو من المخاطر. فحتى الآن، ظل الناتو بقواته الخاصة، بعيدًا عن الصراع في أوكرانيا. وإذا تعرضت قافلة سفن محمية لهجوم من قبل أحد الجانبين، فستشارك السفن الحربية التابعة للناتو بشكل مباشر في القتال؛ مما قد يهدد بمزيد من تصعيد الحرب.
من ناحية أخرى، تصر روسيا على السماح لها بتفتيش ناقلات الحبوب الدولية قبل دخولها إلى أي ميناء أوكراني. وأعربت موسكو عن قلقها من أن أسلحة للجيش الأوكراني يمكن أن تدخل البلاد في هذه السفن. وقد رفضت كييف بشدة حتى الآن مثل هذا التفتيش. كما أن توزيع عائدات المبيعات مثيرًا للجدل إلى حد كبير حتى الآن. هناك حديث عن تصدير الحبوب ليس فقط من منطقة أوديسا الكبرى، ولكن أيضًا من مدن الموانئ الأوكرانية الموجودة الآن في الأراضي التي تحتلها روسيا، مثل تشيرسون أو ماريوبول.
ومن المرجح أن يصبح تحديد من سيحصل على الإيرادات نقطة خلاف مريرة في المفاوضات العملية، خاصة وأن كييف تتهم روسيا بالفعل بسرقة وتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية المحتلة؛ على سبيل المثال إلى سوريا، ولكن ربما أيضا إلى تركيا نفسها. والسفارة الأوكرانية في أنقرة، دعت تركيا إلى تفتيش السفن الروسية في مضيق البوسفور بشكل أكثر صرامة بحثا عن بضائع مسروقة؛ ولكن دون جدوى حتى الآن.
ولا يزال هناك طريق طويل قبل التوصل إلى اتفاق فعلي. وإلى جانب ذلك من "المتوقع" أن يكون من المؤلم بالنسبة للغرب، كما تقول أبيلت، أن "موسكو ستقبل بالموافقة على ممر الحبوب من خلال رفع بعض العقوبات" الغربية عليها. وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الروسي لافروف يوم أمس الأربعاء، ألمح وزير الخارجية التركي بالفعل إلى تنازل محتمل بشأن هذه القضية. وقال جاويش أوغلو: "عندما نتحدث عن إعادة فتح السوق الدولية للحبوب من أوكرانيا، فإننا ننظر إلى إزالة العقبات أمام الصادرات الروسية كمطلب مشروع".
"إنه قرار صعب بالنسبة لأوكرانيا وشركائها الغربيين"، كما تقول بيآته أبيلت، خاصة وأن الوقت ينفد منهم. ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، العالم أمامه أسابيع قليلة فقط لإيجاد حل. ومن المقرر أن يبدأ حصاد القمح لهذا العام في أوكرانيا في شهر يوليو/ تموز، حيث لا توجد مساحة للتخزين في صوامع الحبوب المكتظة هناك.
توماس لاتشن/ص.ش
بالتعاون مع: إلماز توبكو