أسباب انهيار الأمن في العراق
٧ نوفمبر ٢٠١٣أصبح الإرهاب ومنذ سنوات ناتج محلي وهذا ما يخالف تصريحات بعض المراقبين والمسؤوليين الحكوميين. وهنالك فرق مابين تورط أطراف خارجية بتمويل الإرهاب في العراق وما بين استيراد الإرهاب في العراق. لقد زرعت القاعدة، تنظيم التوحيد والجهاد بذورها في العراق ما بعد عام 2003 بزعامة الزرقاوي الذي قتل في عام 2006 لتظهر "الدولة الإسلامية في العراق والشام " لتكون أكثر تطرفا وأوسع تنظيما ليصل الى حد منافسة التنظيم المركزي والخروج عن زعامة الظواهري .
التنظيمات الجهادية بدأت تستنسخ ألتجربة القاعدية في العراق أي عرقنة نشاطاتها حتى في معاقلها في أفغانستان واليمن وسوريا وسيناء وغيرها من السوح القاعدية. ألتجربة العراقية بدأت تستنسخ قاعديا، فقام تنظيم " الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش ـ"بتصدير فروعه الى الشام وسيناء تحت راية عراقية بزعامة ابو بكر البغدادي وليس الظواهري. وكشفت مديرية الاستخبارات العسكرية في سبتمبر 2013 عن رسالة موجهة منأمير تنظيم القاعدة في مصر، العاصي بن أبي بكر، إلى أمير تنظيم "الدولةالإسلامية في العراق وبلاد الشام" ، أبو بكر البغدادي، يناشده فيها المساعدةعلى مواجهة القوات الأمنية المصرية، وفي حربهم مع الأقباط .
داعش الخطر الداهم
استغل تنظيم ـ داعش ـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام " والتنظيمات "الجهادية" ضعف الأمن لتشن سلسلة من العمليات ضد أهدافا، البعض منها كانت أهداف نوعية مثل مؤسسات الدولة والسجون لكنها الآن تحولت ضد أهداف شيعية رخوة مثل الزوار الشيعة والمحلات العامة وأماكن العزاء، لتصل الى المناطق المغلقة في بغداد مثل مدينة الصدر والشعلة وألكاظمية بهدف إلحاق أكبر الخسائر. تقابلها تهديد ميليشيات شيعية الى المكون السني وتهجير للعوائل . لتنصب تلك المجموعات نفسها بديلا عن مكونات المجتمع العراقي وسط غياب دور مؤسسات الامن والدفاع .ألهجمات تحولت من"غزوات " وعمليات نوعية ألى سلسلة عمليات ارهابية ضد مناطق شيعية وأماكن عامة مع تكثيف بعدد العمليات .
ويعاني العراق من خلل في بنية الدولة والحكومة لتمتد الى أجهزة الامن والدفاع بدون شك . ألدستور العراقي تم كتابته على عجل في وفقا للمحاصصة السياسية للكتل والأحزاب التي تهيمن على المشهد السياسي في العراق ليكون الدستور مصدر خلاف بدلا من ان يكون مرجعا لحل المشاكل مابين الشركاء الفرقاء .
اليوم تجد الحكومة نفسها مقيدة وفقا للدستور باتخاذ القرارات، والتي لايمكن اتخاذها الا بحصول ثلثي البرلمان وأحيانا أخرى مرتبطة بموافقة رئيس الجمهورية مما يخلق حالة شلل حكومي. قد يكون ذلك ممكنا ان كانت حكومة أغلبية لكن داخل حكومة ائتلاف وتوافق تمثل تحدي كبير وينتج عنها عجز حكومي وظيفي. أن حكومات الائتلاف معروفة بمشاكل اتخاذ ألقرارات وأحيانا لا تستطيع المطاولة إلى نهاية الفترة المقررة حتى في اعرق الدول الديمقراطية ، فكيف ستكون في حالة العراق . أي ان ألدولة العراقية تعاني من خلل بنيوي يمتد إلى الأمن والدفاع.
وما يزيد المشكلة تعقيدا هو مطاولة الأطراف المشتركة بالعملية السياسية والاستمرار للتمتع بالامتيازات على حساب تحقيق أي تطور للمواطن العراقي في مختلف المجالات .
إجراءات غير مجدية
لذا فإن ما تقوم به الحكومة من جهود بنقل قادة او وضع خطط قد لا يجدي نفعا ، وسوف لا تحل المشكلة الحقيقية وهي البناء الخاطئ . فالمشكلة في العراق اوسع من الأجهزة الأمنية والدفاع ، لذا لايمكن حلها الا بعد مراجعة الدستور العراقي. أن تبديل الحكومة للخطط الامنية بين حين وآخر لم تجدي نفعا ليكون الفشل الأمني كرة ثلج . ان نظرية وضع الخطط تتضمن بان يتم وضعها من قبل الإستراتيجيات ومنها رسم إستراتيجية الأمن والدفاع، وهذه الخطط يتم تحويلها الى الأجهزة ، القيادات الامنية ، بشرط أن تخضع للرقابة والمتابعة المركزية وهذا غير متوفر في الحالة العراقية الذي يعيش فوضى عارمة لم تشهدها دول المنطقة. العراق ليست دولة هامشية في المنطقة، هي دولة عميقة في تاريخها السياسي الحديث والقديم ، لا يمكن ان تستمر فيها حالة الفشل والانهيار .
لذا ما يحصل في دول "الربيع العربي “ من فوضى كانت بدايته في العراق لكن هنالك اختلاف في أدوات التغيير.
احصائيات للجيش والأمن
يتكون الجيش العراقي حاليا من 15 فرقة عسكرية معظمها فرق مشاة يقدر عدد أفرادها بنحو 150 ألف عسكري، علاوة على عشرات الوف الجنود المنتسبين الى الوية وافواج مستقلة غير مرتبطة بفرق. ويمتلك نحو 140 دبابة أبرامز أميركية حديثة الصنع ونحو ستة آلاف عربة عسكرية من نوع همر و المئات من عجلات القيادة من نوع باجر الأمريكية، والمئات من ناقلات الجند والمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، فضلاً عن العشرات من الطائرات المروحية الروسية والأميركية الصنع، واكثر من 170 دبابة روسية ومجرية قدمت كمساعدات من حلف الناتو في عامي 2005 و 2006. وتشير الإحصائيات بان حجم اعداد افراد الامن والدفاع تجاوز المليون ونصف .لكن رغم ذلك لم يستطيع ايقاف عمليات "الدولة الإسلامية " في العراق وحماية المواطن من الإرهاب. وهذا يعني إن الجيش العراقي لا يحتاج الى مزيد من التسلح والأعداد بقدر ما يحتاج إلى التدريب والخبرة والكفاءة.
الفساد وموازنة عام 2013
تعاني مؤسسات الأمن والدفاع في العراق من مشكلة الفساد كما هو الحال في الحكومة والدولة العراقية ويصعد هذا الفساد الى قمة الهرم . المناصب في الأمن والدفاع يتم التعامل معها بلغة البورصة التجارية وسوق العملات ، هذه المناصب تبدأ بالقيادات العليا في الدفاع والداخلية ومكتب وقاعدة هرم الفساد تتسع لتضم اعضاء في البرلمان وقيادات في الكتل والأحزاب . ذكر بعض كبار السياسيين العراقيين في شهادتهم، ان تجارة المناصب وصلت الى شراء منصب وزير في الدولة العراقية خاصة في المراحل الأولى من تشكيل الحكومة الحالية 2010 . الدفاع والداخلية ينظر لهما مصدر للحصول على الرشاوي والعمولات بسبب ما تتمتع بهما موازنة الأمن والدفاع، في ذات الوقت أن من يسيطر على الأمن والدفاع يعتقد بأنه سيكون بمأمن من آية محاولة للعزل او التصفية بسبب عدم الثقة .
في هذه الحالة فان من يحصل على المنصب سوف لا يكون امينا ولا وفيا للوطن بقدر ما يسعى الى حصول الكسب المادي وتحقيق الثراء. فقد شهد العراق العديد من الوزراء وأعضاء في البرلمان وقيادات من الخط الأول متورطة في الفساد. وهذه الشريحة عادة تعمل على بناء الثروة وتصديرها للخارج بعيدا عن الرقابة والمتابعة . لتتحول الأمن والدفاع الى مجموعات مرتزقة بعيدا عن المهنية والدافع الوطني. وذكرت شهادات من داخل الامن والدفاع الى ان أغلب من يقوموا بواجبات نقاط السيطرة والتفتيش يتم استهلاكهم بدنيا للعمل ساعات مضاعفة لسد نقص رفاقهم المحسوبيين على الخدمة دون الالتحاق بالواجب مقابل ان يستلم الضابط المسؤول رواتبهم .
وما يشجع ذلك هو تهاون الحكومة العراقية في متابعة المتورطين بالفساد وعدم كشف التحقيقات . تصدر تصريحات من السياسيين العراقيين والحكومة ورئيسها حول حصولهم على معلومات وملفات حول تورط عدد من كبار المسؤوليين في الحكومة والبرلمان ، لكن لحد الان لم نشهد عرض اي ملف من هذه الملفات، وربما يتم استخدام هذه الملفات في المساومة بالابتزاز السياسي . ويشترك البرلمان ـ اللجنة الامنية بهذا الانهيار والفشل الامني .
ألتسييس
إن حجم أعداد الجيش والشرطة ، أصبحت تمثل أرقاما احصائية فقط بسبب المحاصصة والدمج . الأحزاب والكتل اتبعت المحاصصة حتى في تعيينات الامن والدفاع ، وفقا الى مبدأ الدمج لتتحول الامن والدفاع الى خزان بشري تبحث عن الكسب وميليشيات ماعدا نخبة قليلة من الكفاءات ألتي مازالت تعتز بشرف المهنة ، فالولاء تحول للأحزاب وليس للمؤسسة او الوطن. وتنقص هذه المجاميع الكفاءة المهنية مما يجعلها عاجزة عن قيادة وإدارة الملف الأمني على مستوى التخطيط وعن المواجهة بالنسبة للقيادات الميدانية. وبات معروفا بأنه لا يوجد هنالك انضباطا بين رجال الامن والدفاع، وهذا يبدأ بتعاملهم داخل المؤسسة وفي تنفيذ المهام وعدم الالتزام. ويعاني غالبيتهم من نقص الخبرات والتدريب والجهل بسياقات العمل. إن تعدد أجهزة الامن والدفاع ياتي بالتقاطعات والتداخل مما يفوت الكثير من فرص المتابعة. فالقوات الأميركية كانت تغذي العراق بالمعلومات الاستخبارية حتى انسحابها في ديسمبر 2011 ليشهد الأمن تدهورا تدريجيا ليصل الآن الى حالة الفشل والانهيار .
حكومة طوارئ قد تكون بداية الحل
إن ضعف الجهد ألاستخباري على مستوى رسم الإستراتيجيات ووضع الخطط و الميداني، يتطلب إدخال عناصره بدورات مكثفة وتزويد الأجهزة الأمنية بأحدث المنظومات الاستخبارية الفنية أبرزها مراقبة الكاميرات في الشوارع والمؤسسات واستخدام المناطيد التي يمكنها تعقب مساحة عشرين كلم مربع مرتبطة في غرف عمليات للكشف المبكر والتعقيب، للأسف لم تكشف أجهزة الأمن النتائج التي تحصل عليها بواسطة المراقبة الفنية. أن أحد أسباب التدهور الأمني هو عدم وجود قاعدة بيانات ومعلومات حول الأشخاص والعجلات والهواتف والمصارف، فتنظيم "الدولة الإسلامية" يستخدم السيارات ألمسروقة في عملياته وينبغي للجهات المعنية وضع حد لعائدية العجلات والبطاقة الشخصية من اجل تعقب المطلوبين.
إن خلاص العراقيين من حالة الفوضى والإرهاب لا يكون الا من خلال فرض الاحكام العرفية على ان لا يتم استغلالها لأغراض انتخابية او حزبية. أو حكومة طوارئ يتفق على تفاصيلها داخل البرلمان ومن قبل والأطراف المشتركة بالعملية السياسية ، حكومة أغلبية في انتخابات عامة او مبكرة، بعيدا عن حكومة المحاصصة والتوافقات والتي أثبتت عجزها وفشلها بعد أكثر من عشر سنوات .