أسعار القهوة إلى ارتفاع واليمنيون هجروها لصالح القات
وصلت أسعار البن خلال العام الماضي في ألمانيا إلى أدنى معدلاتها منذ 50 عاماً. وحسب اعتقاد رئيس الاتحاد الألماني للبن وينفرد تيجز يعود السبب في ذلك الى وفرة البن في الاسواق، ولكن من غير المتوقع أن تظل على هذا الحال بسبب تراجع المحاصيل وخاصة في البرازيل، أكبر منتج للبن الخام في العالم، يُضاف إلى ذلك ارتفاع استهلاك القهوة على مستوى العالم. وعلى ضوء ذلك بدأ الارتفاع في الأسعار مطلع هذا العام، حيث وصل متوسط سعر الـ 500 جرام من القهوة في الأسواق الألمانية إلى 3.2 يورو مقابل 2.91 يورو لعام 2004. وقد يؤدي ذلك إلى تحسن حال صغار منتجي البن ويمكنهم من الاعتماد فقط على زراعته في معيشتهم، بعدما كانوا يحاولون البحث عن مصادر بديلة للدخل في الأعوام الماضية. ومن ناحية أخرى فإن ارتفاع أسعار البن سيحسن من مستوى جودته بسبب قدرة المزارعين عندئذ على زيادة المبالغ المنفقة على توفير متطلبات الزراعة. إلا أن ذلك سيستغرق بعض الوقت بالتأكيد.
حماية صغار المنتجين
وفقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) عن حالة أسواق السلع الزراعية في 2004، فقد انخفضت أسعار البن بنحو 70% ما بين 1997 و2001 بسبب وفرة الإمدادات وركود الطلب وازدياد المخزونات، الامر الذي هدد سبل معيشة نحو 25 مليون شخص في أفريقيا وأمريكا الوسطى. وقد أفاد التقرير بأن هذا الانخفاض الحاد ترك أسعار البن أقل مما كانت عليه قبل 30 عاماً. وأضاف أن الاستمرار في انخفاض الأسعار قد أدى إلى عزوف بعض المزارعين عن هذه الزراعة مما أدى الى تقليص الإمدادات وبالتالي ارتفاع اسعار البن في الآونة الأخيرة. وتتوقع المنظمة الدولية أن يستمر ارتفاع الاسعار في الفترة المقبلة على ضوء انخفاض المحصول الاجمالي في موسم 2003-2004 حيث بلغ ستة ملايين طن فقط وهو أقل مستوى من نوعه منذ 1998/1999. ومن المتوقع أن يكون حجم المحصول مماثلا في موسم 2004-2005. أما التحدي الاهم الذي يواجه صناعة البن فيتمثل في كيفية الحفاظ على ظروف سوقية مثلى لتلافي العودة إلى دورة الرواج والكساد. ومن الجدير بالذكر أن هذه الأزمة هي الأولى من نوعها في انتاج وصناعة البن. وقد دعا التوسع الضخم في زراعة البن منذ أواخر الخمسينات الى عدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك في السوق، مما حدا بالأمم المتحدة الى انشاء مشروع لحماية صغار المنتجين، وقد انضم الى هذا المشروع اثنتان وثلاثون دولة مصدرة للبن، ثم نشأت منظمة البن الدولية أي سي أو ICO ومركزها لندن. وتعتبر كل من البرازيل وكولومبيا وإندونيسيا وإثيوبيا وساحل العاج وجواتيمالا والمكسيك وأوغندا والهند وكوستاريكا من أهم الدول المنتجة والمصدرة في الوقت الحالي.
اساطير اكتشاف القهوة
تنوعت القصص والأساطير حول مصدر القهوة الأساسي، وإن كانت أكثرها انتشاراً هي التي تحكي أن القهوة قد تم اكتشافها للمرة الأولى في إثيوبيا، ولم يكن البشر أول من استعملها، بل أن راعي أغنام لاحظ تصرفات غريبة لأغنامه بعد أكلها من الثمار الحمراء وأوراق ذاك النبات الغريب.وقد أصاب ماشيته بعدها حالة من النشاط حتى الضعاف وكبار السن منها. وعند قيام الراعي بنفسه بمضغ ثمار تلك النبته، شعر بطاقة ونشاط كبيرين. وعندما سمع بعض الرهبان في إثيوبيا تلك القصة، وجدوا في القهوة عاملا مساعداً على السهر للصلاة. أما القصة الثانية فقد وردت عن أعرابي كان يعيش في اليمن وأنقذته ثمار البن وأصدقائه من الموت جوعاًًُ، فأطلق على هذه الثمار اسم "موكا" نسبة إلى أقرب مدينة يمنية من هذا المكان "مدينة المخا". وهو الاسم الذي يطلق على نوع القهوة المعروف بـ "موكا". وأياًُ كانت حقيقة أصل هذا النبات، فإن اسم القهوة "موكا" يعود بالفعل لتلك المدينة التي اشتهرت بزراعة وتصدير أجود أنواع القهوة. وكانت كلمة موكا في الغرب إلى وقت قريب تشير إلى أنواع البن المميز. وإلى الآن تحظى ثمار البن العربي "آرابيا" بشعبية عالية في شتى أنحاء العالم.
أصل كلمة "قهوة"
وكما اختلفت الآراء حول المصدر الأول لاكتشاف البن، فقد اختلفت الآراء أيضاً حول أصل كلمة "قهوة"، فأرجعه البعض لمنطقة "كافا" في الحبشة والتي ترجع لها أسطورة الراعي الوارد ذكره، ولكن الأغلبية تُرجح الاصل العربي للكلمة. وكانت كلمة "قهوة" تعني خمر، مما يشير إلى احتمال أن يكون العرب في الجاهلية قد خمروا عصير هذا النبات، ومن هنا جائت تسمية الغرب لهذا النبات بـ "نبيذ المسلمين". وقد كان ابن سينا أول من اكتشف آثار مادة الكافيين المنشطة لجسم الإنسان عام 1015، مما يعزز الدور العربي في اكتشاف هذا المنتج. وفي وقت الحكم العثماني، دخلت ثقافة القهوة المجتمع التركي فشهدت تركيا مولد أول مقهى في العالم "الكهفاخان" في القرن الخامس عشر. أما الغرب، فلم يصله المشروب الذي يعد اليوم المشروب الأكثر شعبية هناك إلا في القرن السابع عشر. وكان خروجه من البلاد العربية للمرة الأولى خروجا غير شرعي على يد بعض تجار مدينة البندقية. وكان اليمن يعتبر البن احتكاراً وطنياً ويمنع خروج بذاره وكأنها أسراراً حربية، ثم جاء الاحتلال الهولندي له عام 1690 ليسحب البساط من تحت أقدام اليمنيين وبدأ الهولنديون بزراعة البن في مناطق أخرى حتى وصل للبرازيل عام 1727 والتي أصبحت اليوم أهم البلدان المصدرة له.
هل يعود البن لاحتلال مكانة القات في اليمن؟
تراجعت زراعة البن في اليمن بشكل كبير جدا هذه الايام. ويعود سبب ذلك الى استبدال مزارع البن بمزارع القات لسهولة زراعته والعائد السريع الذي يجلبه. ويعتبر القات الداء الذي أصاب المجتمع اليمني، رجاله ونساءه، حتى أن (50-90%) من الذكور فوق 18 يتعاطون هذا النبات المخدر، كذلك(30-50%) من النساء المتزوجات، مما يؤثر على الترابط الأسري بشكل سلبي للغاية. وتواجه الحكومة اليمنية مقاومة شديدة في محاولاتها للقضاء على هذه العادة السيئة واستبدال المساحات المزروعة بالقات بمنتجات مفيدة كالبن والزيتون. وقد ذكر تقرير إدارة الإنتاج النباتي السنوي بوزارة الزراعة والري اليمنية ان الإدارة وزعت نحو (25.000) شتلة بن و (22.000) شتلة فواكه وزيتون وأشجار حراجية مختلفة على المزارعين بناء على طلبات سابقة بديلاً عن أشجار القات.
وأخيراً فهل تتحول الأمة التي ابتكرت شراباً اتخذه العالم من بعدها إلى أمة تدفع العملة الصعبة لكي تستهلك النسكافيه والبن آرابيكا المزروع في آسيا وأمريكا؟ كان هذا تساؤل الصحفية هديل غنيم في دراستها عن التفسير (القهوجي) للتاريخ.