أسقف الأقباط في ألمانيا: على الأزهر مراجعة حساباته
٣ يناير ٢٠١١في خضم الصدمة القوية التي ماتزال آثارها القاتمة تشد نفوس المصريين على اثر التفجير الارهابي أمام كنيسة القديسين في الإسكندرية تزامنا مع الدقات الأولى لعام 2011، أجرى الأنبا داميان، أسقف الأقباط الأرثوذكس في المانيا حوارا مع موقع "دويتشه فيله" تحدث فيه عن وجهة نظره تجاه الأحداث المؤلمة في وطنه مصر.
وقلل الأنبا داميان الذي يرعى ما لا يقل عن عشرة آلاف قبطي من أبناء الطائفة الأرثوذكسية في ألمانيا من أهمية الحديث عن تورط جهات خارجية، وعزا تصاعد الفتنة الداخلية إلى أسباب صنفها في الحوار التالي:
دويتشه فيله : أولا طمئنا على أوضاع الجالية القبطية هنا في ألمانيا بعد أحداث كنيسة القديسين.
الأنبا داميان : الناس متألمة ومجروحة وفي حالة صدمة كبيرة جدا. ما حدث لأهلنا في مصر، والصور التي شاهدناها جرحتنا جميعا. ما حدث هو محصلة لأعمال إجرامية في حقوق الأقباط وفي حقوق بلدنا. من جعل الأوضاع تصل لما هي عليه الآن هو مجرم لأنه نزل بمستوى مصر إلى مكانة منحطة بعدما كانت أعظم وأغنى وأقدس بلد على الكرة الأرضية. هذه جريمة في تاريخ مصر وشعبها ، وأقباطها على وجه الخصوص.
أعربتم عن مخاوفكم من استهداف الأقباط المقيمين في ألمانيا.. هل هذه المخاوف وليدة التفجيرات الأخيرة فقط، أم أنها قائمة منذ فترة؟
هذه المخاوف لم تأت مني ، إنما جاءت عندما اتصلت بنا الشرطة الألمانية وحذرتنا من أنهم تلقوا رسائل إلكترونية باللغة العربية تحتوي على تهديدات صريحة موجهة للكنائس القبطية في ألمانيا، وخصوصا ليلة العيد الموافق للسادس من (يناير- كانون الثاني)، وصبيحة يوم السابع. وعليه، اتصلت الشرطة الألمانية بالكهنة الأقباط في ألمانيا ونبهتهم إلى خطورة الموقف. لذلك، نحن ليس لدينا مخاوف، بل لدينا حقائق نراها ونعيشها.
" لعلنا نتفق أن الإرهاب هو المتهم الأول في تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، ولكن هل يمكن القول بأن التقصير الأمني هو المتهم الثاني؟
أنا أعتبر أن هناك مجموعة من العوامل هي التي تقف وراء ما حدث، أولها سوء الإدارة، ثم سوء التعليم الديني. هذان هما السببان اللذان يمكن لي أن ألاحظهما من بعيد. الدولة لا تريد معاقبة المجرمين، تتركهم طليقين. أجهزة الدولة ترى الفساد وتتلقى بلاغات التهديدات فتغمض أعينها، وبعد أن تتم العمليات تظهر الدولة. نحن لا نعلم هل هو عجز من الأمن، أم أنه تعاون مع الأمن، أم كلاهما. لو حدثت تلك الواقعة في مسجد إسلامي، لقامت الحرب العالمية الثالثة . كلنا نتذكر ما حدث مع الأخت مروة الشربيني عندما قتلت في محكمة دريسدن، العالم الإسلامي كله انتفض من أجلها، بل والعالم المسيحي أيضا، لأنها من لحمنا ودمنا وبنت بلدنا.
إذن هل تعتقد أن تفجر الأوضاع على هذا النحو يعزز وضع النظام أمام المجتمع الدولي باعتباره القادر على "قطع رأس الأفعى"، كما قال الرئيس مبارك في كلمته الأخيرة، أم أنه يقوض دوره؟
الدخول في السياسة أمر متعب. لست خبيرا سياسيا ولا أريد الحديث في السياسة. لكن ما أريد أن أؤكد عليه هو أن الدولة بحكومتها مسؤولة، هذا أولا. وثانيا، على مؤسسة الأزهر أن تراجع حساباتها وتراجع التعليم الديني. عليهما مراجعة أوراقهما ويتساءلا ما إذا كان ما يجري يتناسب مع الدين أم لا. عندما ألقى الدكتور أحمد الطيب محاضرة في هامبورغ عن سماحة الإسلام، تساءلت عما إذا كان ما قاله في المحاضرة يتماشى فعلا مع حقيقة الأوضاع الموجودة في مصر. هل الالتهاب الديني وشحن الناس بالكراهية في المساجد من تعاليم الإسلام. ثم هل شعبنا القبطي وكنائسنا ترى ذرة من المساعدات التي يتلقاها الأزهر والأئمة. نحن شعب مكسور الخاطر، وشعبنا صابر، وأظهر الولاء، ولا نتوقف عن إظهار كل الحب للحكومة، والنتيجة كما ترين، لا المجرمين تتم محاكمتهم، ولا هناك حديث صادق عن حقيقة الأوضاع.
لخصت الأسباب إذن في التقصير الأمني وقصور التعليم الديني، ولكن البعض يرى أن الوحدة الوطنية أكذوبة لا تظهر إلا على شاشات التلفزيون.. هل يعني ذلك أن هناك مشكلة اجتماعية أيضا؟
أنا أرى مسلمين كثيرين يحبوننا هنا. ما أكثر المسلمين الذين يتعاونون معنا. أنا أفتخر بهم هنا في كل مكان. هناك مسلمون في ألمانيا يقولون لي "أنت ولينا وأبونا، وأنت الذي فتحت لنا الدير. الدير أصبح سفارتنا هنا". المسلمون سواء مصريون أو غير مصريون يلجئون هنا الى الدير كوسيلة للعزاء والمساعدة والراحة النفسية. يعتبرون أن الدير أرض مصرية مفتوحة لهم. لذلك نحن ليس لدينا مشاكل مع المسلمين، بل نحبهم. المحبة جزء أساسي من ديننا. ليست لدينا أي طاقة كراهية تجاه المسلمين. بل نكره التصرفات السيئة.
وهل هناك إجراءات تعتزمون القيام بها مع الحكومة الألمانية للضغط على الحكومة المصرية؟
أنا لست في حاجة لعمل أي إجراءات. المصريون، حكومة ورجال دين، هم من فضحوا أنفسهم أمام العالم كله. أنا لست في حاجة لعمل أي إجراء، أنا لم أتصل بصحفيين ولا بوسائل إعلام، الجميع هم من يسعون إلى الحديث معي، بسبب الفضائح التي حدثت في بلدنا. عليهم أن يدركوا أن الثمن كبير وهم من سيدفعوه، لأنهم ضربوا السياحة.
تقصد من تحديدا بـ "هم" ؟
المسؤولون والجهات الأمنية.
تحدث الرئيس مبارك في كلمته عن أياد خارجية وهناك حديث عن تنظيم القاعدة الذي سبق وأطلق تهديدات ضد أقباط مصر.. لأي مدى تتصور تورط جهات خارجية أو داخلية في تلك المجزرة؟
لو أن القاعدة هي السبب في مشاكلنا، لماذا لم ترسل مصر جنودا إلى أفغانستان لمحاربة الإرهاب في بلده ؟ لماذا تركوا ألمانيا هي التي ترسل قوات ! كان الأولى بمصر إرسال جنود لمنع الإرهاب من جذوره . وبالنهاية لو أننا سمحنا للإرهاب بالتسلل إلى أرضنا، فذلك يعني أن شبكة أمن الدولة غير محكمة، وهذا يعيبهم. عندما يغمضون أعينهم عن 100 كلغ من المتفجرات ويتركون السيارات تقف في الممنوع بجوار الكنائس المهددة علنا، هل بعد كل ذلك نتحدث عن الإرهاب الخارجي أم عن خيبتنا الداخلية.
أجرت الحوار أميرة محمد
مراجعة: سيد منعم