أصداء ذكرى انتفاضة 5 اكتوبر في الجزائر لم تتجاوز فيسبوك
٥ أكتوبر ٢٠١٢دعت عدد صفحات جزائرية معارضة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى التظاهر سلميا يوم الجمعة 05 أكتوبر 2012 في جميع أنحاء البلاد، تخليدا لذكرى "شهداء الحرية" الذين خرجوا سنة 1988، ضد نظام الحزب الواحد والدكتاتورية، وناشدت هذه الصفحات الشعب الجزائري الخروج إلى الشارع للمطالبة بالحرية والديمقراطية واسترجاع ثورته التي سرقت منه منذ أكثر من 24 عام، ولم يجني ثمارها إلا بارونات الموانئ وتجار السياسة، كما يقول هؤلاء النشطاء على صفحات فيسبوك. ويقول أحد الشبان على صفحة " شباب 05 أكتوبر 1988"، إن الأسباب التي دفعت شباب الجزائر في 05 أكتوبر 1988 للقيام بانتفاضته لازالت قائمة، بل إن الأوضاع أصبحت أكثر سوء، فلنواصل ما بدئه الشباب في 1988، ومن أجل الديمقراطية والحرية، ننتقض ضد الفساد والرشوة والمحسوبية".
الانتفاضة في فسيبوك وحسب
ولم تلق نداءات فيسبوك الإفتراضية أي صدى في واقع الشارع الجزائري، ففي جولة قامت بها DW بأحياء وأزقة العاصمة، لم نلحظ أي شيء يثير الانتباه والشك، بما يوحي أن الجمعة الأولى في شهر أكتوبر استثنائية هذه المرة، ويقول داود 27 سنة الذي التقينا به في "باب الواد" مهد أحداث أكتوبر سنة 1988، أنه لم يسمع عن أي مظاهرة في هذا اليوم، وأنه لن يشارك في أي تحرك مهما تكن الجهة التي تدعو له، ويضيف لـDW ، بالرغم "أنني بطال، وغير متزوج ولا أملك سكن، لكن الحمد لله، أعيش في أمان، الذي افتقدناه كثيرا في العشرية السوداء التي كانت نتيجة لأحداث أكتوبر"، ويعقب سفيان 25 سنة على كلام صديقه قائلا "نريد أن تبقى بلادنا كما هي الآن، نعم، هناك مشاكل وحقرة وفساد من يحكمنا، لكن كل هذا أفضل بكثير ما يحدث في بلدان أخرى".
ويري عمي السعيد 56 سنة، صاحب مقهى بشارع بلوزداد (وسط العاصمة)، أن الدولة تناست شهداء أكتوبر، وكانت تصفهم بأبشع الصفات، وجاءت هذه المرة تتغنى بهم، وبما قدموه للوطن، وأن الشباب الجزائري صنع ربيعه بيده منذ أكثر من عشريتين، وذلك فقط بعد أن اشتد عليها الخناق والضغوطات من كل جانب، ويعود عمي السعيد بذاكرته 24 سنة للوراء، ويضيف قائلا " أحداث أكتوبر كانت محطة هامة في تاريخ الجزائر، ضحى فيها الشباب بأنفسهم رفضا للظلم والطغيان، لكن للأسف، لم نكن في مستوى الحدث وفي حماية انتفاضتنا، ولم يكون رجال السلطة في مستوى الأمانة، فسرقوا منا كل شيء، ولم يعطونا إلا سنوات الإرهاب والجوع والفقر، والظلم".
وينتقد الكثير من المراقبين الجزائريين الدعوات الفايسبوكية للتظاهر، ويعتبرونها إحدى إفرازات الجمود السياسي والانغلاق الإعلامي الذي صارت إليه الجزائر، ويقول ياسين زايد عضو الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان في حديث لـ DW ، وذلك قبل ساعات من اعتقاله من طرف قوات الأمن وسجنه، بأنه لا يؤمن بالنضال السياسي من وراء شاشة الكومبيوتر، فالنضال الحقيقي هو في الميدان، وتوعية الناس بحقوقه المهضومة من طرف النظام القائم.
من يقف وراء دعوات التظاهر؟
وحذر في ذات السياق الناشط الحقوقي المواطنين بعدم الإنصات لمثل هذه الدعوات على شبكة التواصل الاجتماعية لأنها "مُسيَرة من طرف أشخاص وهيئات لا تريد الخير للجزائر"، وأضاف ياسين، إن أي محاولة لاستنساخ التجربة التونسية أو المصرية في الجزائر هو درب من الانتحار، "لأننا لا نملك مجتمع مدني حقيقي قادر على تأطير هذه الاحتجاجات بطريقة سلمية لفترة زمنية طويلة"، فالشعب الجزائري أصبح يرعبه الدم "وأنا لن أكون مسؤولا عن أي قطرة دم واحدة تسقط في هذه البلاد، فنضالنا لابد أن يكون ميدانيا وسلميا ومنظما".
ومن جهته، يرى الصحافي عبد العالي رزاقي، أن أحداث 05 أكتوبر حُمِلت فوق طاقتها، لأن هدفها كان إسقاط بعض رموز الحزب الحاكم، وليس النظام، والذين تظاهروا كانوا بأمر من بعض أجنحة السلطة، من أجل تجديد قناع الحكم لمرحلة تاريخية أخرى يتسم بالتعددية السياسية الشكلية، بعد إفلاس زمن الأحادية.
لا.. ربيع للجزائر حتى الآن
وفي تعليقه على تصريحات بعض المسؤولين في الفترة الأخيرة، بأن ما حدث في أكتوبر 1988 هو ربيع الجزائر، يؤكد رزاقي أن الخطاب هو من أجل تضليل الرأي العام، الذي فُتن البعض منه بما حدث في دول الربيع العربي، وأن النخبة الحاكمة التي لم تتغير منذ 1962، وفي جزائر 2012، لا وجود لدولة الديمقراطية ولا لحرية الرأي والإعلام، "فالتعددية قاعدتها الشفافية واحترام القانون، وهاتين الأخيرتين غير موجودتين، أما الحرية الاعلامية فهي تعددية وهمية تخدم طرف واحد هو السلطة".وبرأي أستاذ الاعلام بجامعة الجزائر، فإن الثورة في الجزائر لن تصنعها دعوات الشبكات الاجتماعية، وأن الوقت لم يحن بعد لذلك رغم حالة الاحتقان والشعور بالظلم التي يعيشها قطاع واسع من المجتمع.
وفي قراءة الناشط الحقوقي ياسين زايد لتطورات أوضاع البلاد يقول" أن فقاعات بركان التغيير في الجزائر بدأت تظهر، وأن الشعب سوف يغير النظام حين تحين فرصة ذلك" ويضيف زايد "يجب أن لا نساق للعنف، فهذا النظام تربى على العنف وهو ببيئة المناسبة للعيش والاستمرار".
ويرى مراقبون أن النظام في الجزائر ربما يكون قد أمسك بكل "خيوط اللعبة" بيده بعد أن أفرغ الساحة السياسية والإعلامية من محتواها، وجعلها مجرد دمى تتحرك بأوامره"، ويعتقدون أن"نداءات الانتفاضة على فيسبوك هي جزء من اللعبة ذاتها التي تمرس فيها النظام من أجل إجهاض أي محاولة حقيقة للانتفاضة ضد النظام والمطالبة بالديمقراطية والحريات ومحاسبة الفاسدين واللصوص الذين استنزفوا خيرات البلاد".