أعداء أم أصدقاء.. ماذا يخفي لقاء حرس حدود الإمارات وإيران؟
٣١ يوليو ٢٠١٩تصافح بين مسؤوليْن لدولتين في صورة بثتها وكالة الأنباء الإيرانية. الأمر لا يتعلق بلقاء مع إحدى حليفات طهران، بل بلقاء مع مسؤول إماراتي، إذ التقى قائدا حرس حدود الإمارات وإيران لأجل "تعزيز العلاقات الدبلوماسية وتأمين منطقة الخليج الفارسي وبحر عمان" حسب الوكالة ذاتها. لقاء قد يبدو غريباً للوهلة الأولى، نظراً للعداء الذي يجمع الدولتين على أكثر من ملف، لكن عند النظر في العمق، يبدأ ضباب الغرابة في الانقشاع رويداً رويداً، باستحضار تاريخ من المصالح الاقتصادية بين الطرفين.
وإن كانت هذه هي المرة منذ عام 2013 الذي يزو فيه وفد إماراتي إيران للتداول حول أمن الحدود، وفق وكالة فرانس برس، فالظرفية التي تحيط بالزيارة تطرح العديد من الأسئلة، حول إمكانية وجود تغيير في وجهة النظر الإماراتية لما يجري في المنطقة من تطوّرات، خاصةً تخفيض أبو ظبي لقواتها في اليمن، البلد الذي يشهد حرباً مدمرة بين التحالف الذي تقوده السعودية والحوثيين المدعومين من إيران.
وفي الوقت الذي تحاشت فيه وكالة الأنباء الإماراتية التطرّق لموضوع الزيارة، نقلت نظيرتها الإيرانية على لسان قائد حرس الحدود الإيراني، قوله: "الجيرة في الإسلام تعني التعاون والتراحم"، مؤكدا أن العلاقات تاريخية وعريقة وعلى كل المجالات بين الدولتين. وتحدث المسؤول عن تحديات تُحتم التعاون على الجانبين، منها الجماعات الإرهابية ومعضلة التهريب. ونقلت الوكالة ذاتها إشادة من المسؤول الإماراتي بـ"الدور الإيراني في مكافحة تهريب المخدرات، وبالأمن الذي تنعم فيه إيران".
هل هو تغير في النهج الإماراتي؟
تتصدّر الإمارات قائمة الدول العربية في التبادل التجاري مع إيران، وهو ما يظهر من أرقام 2017 التي وصلت فيها قيمة التبادل التجاري إلى 13 مليار دولار، بل إن الإمارات هي أكثر دول العالم تصديراً لإيران وفق ما يؤكده تقرير سابق لـDW عربية.
وتدرك أبو ظبي أهمية الجانب التجاري في تعزيز قوتها الإقليمية، وهي واعية أن الاستقرار في المناطق المحاذية لها مهم جداً لاستمرار أدوارها التجارية، وهو ما ظهر في تصريحات وزير خارجيتها، عبد الله بن زايد، عندما قال قبل أيام إن بلاده "ترحّب بأية جهود لتهدئة التوتر في المنطقة وتتطلع لأن ترى منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي هادئتين مستقرتين".
وقد أكد هذا الحديث سابقاً نجاح محمد علي، خبير في الشؤون الإيرانية لـDW عربية، عندما قال إن "الإمارات قائمة أساساً على التجارة وعلى الاستثمارات، وخصوصاً دبي. ومجرد صاروخ أو لغم واحد في منطقة استثمارية في الإمارات سيجعل كافة المستثمرين يفرون بأموالهم وتنهار الدولة اقتصادياً مع الأسف".
وتريد الإمارات أن تكون طرفاً في الاتفاق النووي الإيراني، وهي خطوة تتعارض مع موقفها السابق عندما أيدت، رفقة السعودية، انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق، بل ودعت الدول الأخرى المشاركة في الاتفاق إلى أن تحذو حذو ترامب.
واستغل مغرّدون عمانيون المناسبة لترويج وسم #الامارات_شريان_إيران، وذلك رداً على حملات إلكترونية قادتها شخصيات إماراتية على تويتر لأجل انتقاد قرار السلطنة باستمرار علاقاتها القوية مع إيران.
وتجد إيران في المبادلات الاقتصادية فرصة للتغوّل أكثر وأكثر في منطقة الخليج، فهي تتوفر على مبادلات تجارية مع الكويت وعمان وقطر، وتسعى كذلك إلى تعزيز علاقاتها السياسية بهذه الدول الثلاثة، وهو ما بدا في الجولة الخليجية لمساعد الخارجية الإيراني، عباس عراقجي نهاية ماي/آيار الماضي.
الترّدد الإماراتي حاضر
لكن في الآن ذاته، تحاول أبو ظبي في مواقفها الأخيرة، شدّ العصا من الوسط، إذ أكد وزير خارجيتها أن الملف النووي يجب أن يشمل قضايا أخرى كـ"الصواريخ البالستية أو دعم الإرهاب والتطرف أو التدخل في شؤون الدول الأخرى".
كذلك، ورغم كل هذه المنافع المتبادلة، تتفق أبو ظبي مع الرؤية السعودية في كون إيران العدو الأول في المنطقة، بل إن الموضوع الإيراني أحد الأسباب التي برّرت بها أبو ظبي القطيعة مع قطر، عندما اتهمت هذه الأخيرة بنقض بيان صادر عن القمة العربية-الأمريكية كان قد اعتبر إيران دولة راعية للإرهاب.
وفي هذا الإطار، يقول عبد الله المطوع، مدير مكتب قناة العربية في الإمارات، للقناة ذاتها المقرّبة من أبو ظبي والرياض، إن الاجتماع يختص بمسألة الصيادين، وهو عمل تنسيقي لتنظيم عملية الصيد، مبرزاً أن إيران، وعبر نقل الخبر على وكالتها الرسمية "تريد أن تبلّغ المجتمع الدولي أن هناك خضوعاً من دول المنطقة للموقف الإيراني بسبب التوترات الحاصلة الآن، لكن هذا ليس صحيحا"، مشيراً أن طهران تحاول تحسين موقفها، لكن دورها هو "دور إرهابي واضح في المياه الإقليمية".
ابتعاد عن الحليف السعودي؟
منذ مدة طويلة وتقارير إعلامية تتحدث عن خلاف إماراتي-سعودي، لكن إعلام البلدين يؤكد أنها مجرد تقارير كاذبة تروج لـ"أسطوانة مشروخة"، وهو صرّح به الأكاديمي عبد الخالق عبد الله، (كان مستشارا سابقاً لولي العهد الإماراتي) لـDW عربية قبل أيام، عندما قال إن "الإمارات والسعودية وجهان لمسار واحد، وإنهما متفقتان على جميع الأجندات الإقليمية الرئيسية وفي المقدمة التصدي لإيران".
بيد أنه في المقابل، أكد تقرير حديث لصحيفة "هارتز" الإسرائيلية، أن الخلاف موجود ويتركز أكثر حول اليمن، فالرياض تريد توجيه جهود التحالف إلى الشمال اليمني، فيما ترغب أبو ظبي بإيلاء أهمية للجنوب، كما توجد مخاوف إماراتية من أن اندلاع حرب بين واشنطن وطهران سيؤدي إلى تعريض الإمارات للهجمات الإيرانية.
ويصل الخلاف كذلك حسب المصدر ذاته إلى العقوبات الأمريكية المتوقعة على الرياض بسبب قضية خاشقجي والأزمة الإنسانية في اليمن، إذ لا ترغب أبو ظبي أن يتسبب حضورها في هذا البلد في تلقيها كذلك عقوبات من واشنطن. وتبقى الأزمة الخليجية هي أهم ما يوحد السعودية والإمارات حالياً، فلا توجد أيّ مؤشرات أن الدولتين تحاولان تغيير موقفها من قطر، دليل ذلك الحرب الإعلامية المستمرة بين الطرفين، والتصريحات الرسمية التي تئد كلّ محاولة للتقارب.
كما أن الحرب في اليمن، تبقى إلى حدود الساعة، تقرّب الجانبين أكثر مما تباعدهما، ما دام الجانبان يتفقان على إنهاء وجود الحوثيين، وإقامة حكومة تنسجم مع مصالحهما. وتبقى صفقة القرن، والدور الإماراتي والسعودي في إنجاحها، من الملفات التي تربط الجانبين كذلك، وهو ما تبين في رعايتهما لمؤتمر المنامة الاقتصادي الذي أعلن فيه كوشنر أولى خطوات الصفقة المثيرة للجدل.
الكاتب: إسماعيل عزام