ألمانيا - اليمين المتطرف يستقطب المزيد من المتعاطفين
٢٢ ديسمبر ٢٠١٥في الصباح الباكر من 28 آب/أغسطس اشتعلت النيران في بيت من ثلاثة طوابق بإحدى القرى الألمانية. هناك كانت تقيم منذ فترة قصيرة عائلة منحدرة من زيمبابوي. تحت سرير ابن العائلة البالغ من العمر 11 عاما وجد رجال الإطفاء الزجاجة الحارقة التي قُذف بها الطابق الأول من البناية. مثل هذه الحوادث العنيفة حدثت مئات المرات في ألمانيا التي سُجل فيها عام 2011 - على سبيل المقارنة - 18 اعتداء على دور لإيواء اللاجئين.
لكن ألمانيا تكشف أيضا عن وجه آخر في عام 2015. آلاف المتطوعين يعتنون بسوريين وأفغان وعراقيين فارين من بلدانهم. وهذه المساعدة التي لها عدة أوجه تُسمى بثقافة الضيافة لدى الألمان التي كان لها صدى كبير في الخارج. وشكل موضوع اللاجئين قضية محورية طوال السنة إلى حد أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي يصعب انتقادها تعرضت لانتقادات واسعة بسبب سياستها التي سمحت بترك حدود البلاد مفتوحة أمام آلاف اللاجئين.
ميركل تستقطب
في 8 كانون الأول/ديسمبر تم تسجيل مليون لاجئ في ألمانيا، لكن سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين التي تنهجها المستشارة ميركل لقيت منذ مدة معارضة قوية حتى داخل حزبها وفي الحكومة ومختلف البلديات. وهذا ما أحدث شرخا داخل المجتمع الألماني خلال عام 2015 . فثقافة اللجوء التي تلقى تعليلها التاريخي في الدروس المستخلصة من حقبة الديكتاتورية النازية والحرب العالمية الثانية تُواجه بالرفض من قبل الذين يرون أن الدولة والمجتمع تجاوزا الطاقات الذاتية. في هذا السياق لاحظ خبراء تنامي معاداة الأجانب من كافة شرائح اليمين. ووُجهت السهام ضد سياسة الهجرة واللجوء التي تنهجها الحكومة الألمانية. وهذا العداء الموجه ضد الأجانب تغذيه بوجه خاص حركة "بيغيدا" العنصرية وحزب البديل لألمانيا الشعبوي والحزب القومي الألماني اليميني المتطرف.
بغيدا ظاهرة في ولاية سكسونيا
المتعاطفون مع هذه الحركة يعتبرون أنفسهم ضحايا ويريدون "حماية" أنفسهم من اللاجئين والأجانب، كما يدعون. الخبير ديفيد بيرغيش أكد أن الحركة "ظاهرة محلية تقتصرعلى ولاية سكسونيا"، لكن صداها يدوي في جميع أنحاء شرق ألمانيا. ويشير ديفيد بيرغيش، خبير في الشؤون الاجتماعية وفي قضايا اليمين المتطرف أن شرق البلاد يفضل المشاريع السياسية التي تفتح الآفاق أمام العودة إلى نموذج المجتمع المتجانس.
حركة "بيغيدا" لا تخضع للمراقبة من قبل جهاز الاستخبارات في غالبية الولايات الألمانية، وهي تحصل عبر قنوات التواصل الاجتماعي على تأييد يفوق الأحزاب الممثلة في البرلمان الألماني. أنصار الحركة غالبيتهم من الرجال ويتوفرون على موطن عمل. وخلال مظاهراتهم التي ينظمونها يوم الاثنين يطالبون "بسلطة الشعب" ويهتفون بالثقافة المسيحية للغرب، في الوقت الذي يُعتبر فيه شرق ألمانيا، حسب ديفيد بيرغيش أقل تدينا من جميع أنحاء أوروبا.
الديمقراطية كبش فداء
المتعاطفون مع حركة "بيغيدا" أناس مثقفون، وأكاديميون يعتبرون الديمقراطية مبدئيا مكسبا ايجابيا، كما يقول الخبير لارس غايغيرس من معهد بحوث الديمقراطية. غير أنهم يعتقدون أن الديمقراطية نظام متآكل بحاجة إلى إصلاح. ويتهمون الأحزاب والسياسيين بالتواطئ مع الاقتصاد والإعلام، ويطالبون بالتالي بديمقراطية مباشرة وتنظيم استفتاءات شعبية منتظمة كما هو الحال في سويسرا.
الجديد هو أنهم يعبرون عن سخطهم بجهر. وتعود أسباب عدم الرضا الى التشوهات الاجتماعية الناجمة عن الليبرالية الحديثة. تراجع الخدمات الاجتماعية الذي جاءت به الإصلاحات الاقتصادية للمستشار السابق غرهارد شرودر عام 2003 شكل خسارة بالنسبة للملايين من العاطلين عن العمل أو الذين يزاولون أعمالا بإجور منخفضة. وهذا الاحباط يجد له متنفسا من خلال معاداة اللاجئين.
حزب لاحتضان المستائين
حزب البديل لألمانيا هي حركة بدأت قبل سنوات لمناهضة اليورو، وكادت أن تنتهي قبل أن تنشق. لكنها تشهد منذ شهور انتعاشا كبيرا، ولا يكاد الحديث يدور فيها حاليا عن اليورو. فالحزب الجديد تطور إلى حزب مناهض للاجئين. ولو نُظمت اليوم انتخابات لحصل حزب البديل لألمانيا على نسبة تخوله دخول البرلمان. هذا الحزب يشهد حاليا تحولا نحو مزيد من الراديكالية اليمينية، ويعتبر نفسه شريكا طبيعيا لحركة "بيغيدا" في سكسونيا شرقي ألمانيا. ومثل ارتفاع عدد اللاجئين الذي تجاوز مليون شخص عاملا محفزا لهذه الحركة اليمينية الجديدة التي تستقطب بوجه خاص مواطنين محافظين لم يتوفروا في السنوات الماضية على موطن من الناحية السياسية. فالحزب المسيحي الديمقراطي هو الذي يخسر من عدد أعضائه في مسيرته نحو الوسط.
الحزب القومي الألماني
هذا الحزب كان دوما حاضرا عندما يتعلق الأمر بمعاداة الأجانب. وكان في تراجع مستمر، غير أن موضوع اللاجئين منحه دفعة منعشة. ولولا وجود حزب البديل لألمانيا وحركة "بيغيدا" لاستفاد الحزب أكثر من سياسة اللجوء التي تنهجها الحكومة الألمانية، كما تؤكد أوساط أمنية. على الصعيد البرلماني لا يلعب هذا الحزب أي دور، غير أنه في الربيع المقبل حين ستبث المحكمة الدستورية مجددا في طلب بحظر هذا الحزب، فقد يجد هذا الأخير دعاية له في وقت سيزداد فيه عدد اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا.
الوسط يشهد مزيدا من الراديكالية
أقل من 25 ألف شخص يُحسبون، حسب الاحصائيات، على اليمين المتطرف، بينهم 2.500 شخص ينشطون بشكل منتظم. ويبدو أنه لا وجود لمخططات مدروسة لشن هجمات على دور إيواء اللاجئين في ألمانيا، لأن أكثر من ثلثي عدد الجناة مواطنون عاديون ليس لهم سوابق في السجل الجنائي. وهذا يشير إلى أن قسما من الشريحة المتوسطة للمجتمع اتجه نحو التطرف.
من جانب آخر يجب الإشارة إلى أنه كرد فعل على المسيرات الشعبية المناهضة للأجانب، تستقطب المسيرات المضادة أعدادا أكبر من الناس. وفي هذا السياق يعبر هايو فونكه، الخبير في شؤون اليمين المتطرف عن اعتقاده أن الشريحة المعادية للأجانب في ألمانيا ستتقلص من جديد عندما تنجح السياسة في إدارة ملف اللجوء بكيفية واضحة. المستشارة ميركل تريد كسب هذا الرهان. لكن عام 2015 يترك المجال لاستنتاج واحد: وهو أن اليمينيين المتطرفين لايمثلون كل الشعب، فهم فقط جزء منه، وعددهم في تزايد.