ألمانيا ـ جدل حول ميزانية تقشفية تتضمن خفض "هدايا" المساعدات
٣٠ مايو ٢٠٢٤يريد وزير المالية الاتحادي كريستيان ليندنر إعداد الميزانية الاتحادية لعام 2025، مع الالتزام مرة أخرى بمبدأ كبح الديون المنصوص عليه في الدستور. وهذا المبدأ يسمح بديون جديدة بنسبة 0.35 في المائة من الناتج الاقتصادي. ومقارنة بميزانية 2024، سيتم إنفاق حوالي 25 مليار يورو أقل في 2025. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، قام ليندنر أولا بخفض ميزانيات جميع الوزارات تقريبا ووضع حدود عليا واضحة للإنفاق.
ولكن هناك مقاومة من بعض الوزراء. فوزارات الداخلية والعمل والدفاع والتعاون الدولي والتنمية، بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فضلا عن وزارة الخارجية بقيادة حزب الخضر، لا ترغب في توفير المال، بل على العكس من ذلك، تريد هذه الوزارات زيادة الإنفاق. ووفقا لمصادر حكومية، فإن مجموع الزيادة التي تطلبها يصل إلى أكثر من 20 مليار يورو.
ضمان الأمن لا يمكن أن يأتي بالمجان
يتحدث ليندنر بغضب عن "قوائم الرغبات الباهظة". ورد الوزير في منتصف مايو/أيار قائلا: "هذا أمر غير مقبول".
ومن أجل ثني زملائه الوزراء الخمسة عن خططهم، تم تحديد موعد لإجراء مناقشات فردية مع الرؤساء الثلاثة لائتلاف إشارات المرور، أي ليندنر، والمستشار أولاف شولتس (SPD) ونائب المستشار الأخضر ووزير الاقتصاد روبرت هابيك.
ولكن، هل سيكون الأمر بهذه السهولة؟ الوزراء المعنيون لا يفوتون فرصة للمجادلة ضد التخفيض في النفقات.
ولعل أكثر وزارة تطالب بزيادات هي وزارة الدفاع. الوزير بوريس بيستوريوس، الذي من المفترض أن تبلغ ميزانية وزارته 52 مليار يورو، يطالب بمبلغ إضافي قدره 6.5 مليارات يورو لجعل الجيش الألماني "مستعدا للحرب". وإذا لزم الأمر، يكون التمويل من خلال ديون جديدة. فبعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، لا ينبغي أن يكون لمبدأ كبح الديون أولوية أكثر من وضع القوات المسلحة على أهبة الجاهزية للدفاع عن البلاد، وهو أمر منصوص عليه في القانون الأساسي (الدستور)، كما يقول بيستوريوس.
وزيرة الداخلية نانسي فيزر لا تمانع من الالتجاء إلى الديون الجديدة. وقالت فيزر في حديث لمجلة شتيرن إن ضمان الأمن لا يأتي بالمجان. ومن المتوقع أن تنخفض ميزانية وزارة الداخلية بما يزيد عن مليار يورو لتصل إلى 12.1 مليار يورو. فيزر تنتقد هذا الخفض.
تخصيص أموال أقل بالنسبة للشرق الأوسط وأوكرانيا
تبلغ ميزانية وزارة الخارجية هذا العام نحو ستة مليارات يورو، ومن المتوقع أن تنخفض إلى نحو خمسة مليارات في 2025. فيما تطالب الوزيرة أنالينا بيربوك بزيادتها إلى سبعة مليارات يورو. وبخلاف ذلك، سيتعين خفض المساعدات الإنسانية لمناطق الأزمات مثل الشرق الأوسط وأوكرانيا بنحو النصف.
وتدرك بيربوك أن وزيرة التنمية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، سفينيا شولتسه، تقف إلى جانبها. وقالت شولتس في تصريحات إذاعية: "أوكرانيا بحاجة إلى المزيد من المال. الدمار في البلاد هائل والناس بحاجة إلى الدعم إذا أرادوا البقاء هناك، وإذا كان من المفترض أن يبقوا هناك".
يجب أن يبقى الشركاء قادرون على الاعتماد على ألمانيا
ومن المقرر أيضا تخفيض ميزانية وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية - من 11 مليارا حاليا إلى ما حوالي 10 مليارات يورو. بينما تطالب الوزيرة شولتسه بمبلغ 12.2 مليار يورو لعام 2025. والوضع العالمي يتطلب الزيادة في الأموال، وليس خفضها. "لا يسعني إلا أن أحذر من الاعتقاد بأننا إذا تراجعنا إلى قوقعتنا الآن، فلن يكون لنا أي علاقة بالأزمات والصراعات الدولية".
وتضيف الوزيرة: "لقد وضعنا للتو استراتيجية للأمن القومي، وقد اتفقنا فيها بوضوح على أنه إلى جانب السياسة الدفاعية والدبلوماسية، فإن الأمن يشمل التعاون التنموي أيضا".
أموال ضرائب أقل في الخارج؟
لكن الحزب الديمقراطي الحر، الشريك في الائتلاف الحاكم، ينتقد رؤية الوزيرة شولتسه بسبب تصورها "المبالغ فيه" لمساعدات التنمية. ويقول ليندنر، وزير المالية وزعيم الحزب الديمقراطي الحر، إن مشاريع مثل التدريب الخاص بالنوع الاجتماعي في إفريقيا والصين ليست ضرورية. "لم تعد القوة الاقتصادية لألمانيا كافية لتوفير المبلغ المطلوب من أموال الضرائب لإنفاقها في الخارج".
ويرى مسؤولون أن ليندنر يخدم وجهة نظر عالمية مفادها أن المساعدات الإنسانية والتعاون التنموي هي مجرد هدايا يمكن تقديمها للعالم في الأوقات الجيدة، كما يقول كيفن كونرت، الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي، محذرا أيضا من "النفس القومي" في التصريحات.
ستنخفض الإيرادات الضريبية بحوالي 11 مليار يورو في عام 2025
ويرد ليندنر بالقول: إنه لا يمكنك أن تكون "في طليعة" المشاركين على الساحة الدولية إلا إذا تمكنت أيضا من مواكبة الدول الصناعية الرائدة من حيث القوة الاقتصادية. ويتعين على ألمانيا أن تركز على تعزيز اقتصادها مرة أخرى. وعندها فقط سوف يكون هناك المزيد من الإيرادات الضريبية ومجال أوسع لمزيد من الإنفاق.
وفق تقدير الإيرادات الضريبية، الذي أصدرته الحكومة الاتحادية، منتصف مايو/أيار، فمن المحتمل أن تنخفض حصيلة الضرائب بمقدار 11 مليار يورو في العام المقبل، مقارنة بالتوقعات الأخيرة في الخريف الماضي.
ماذا لو استمر الخلاف؟ إذا لم يتفق أعضاء الائتلاف الحكومي على ميزانية اتحادية، فيمكن لوزير المالية استخدام حقه في وضع ميزانية الوزارات بنفسه كلا على حدة. ولكن لو فعل ذلك حقا، فسيكون من الواضح حينها أن الائتلاف الحكومي قد وصل إلى نهايته.
أعده للعربية: ف.ي