ألمانيا ـ سقوط نظام الأسد يؤجج جدل ترحيل اللاجئين السوريين
١٤ ديسمبر ٢٠٢٤عاد الجدل ليتصاعد في ألمانيا حول إمكانية ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلدهم، خصوصا مع التغيرات السياسية في سوريا بعد انهيار نظام بشار الأسد، إذ بدأ البعض يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت سوريا قد أصبحت آمنة بما يكفي لعودة اللاجئين. فمن جهة، هناك مواقف تدعو إلى العودة الطوعية للاجئين بناءً على التحسن الظاهر في بعض المناطق السورية، بينما من جهة أخرى، يرى العديد من الناشطين والمنظمات الإنسانية أن الوضع هناك ما زال غير مستقر، وأن العودة قد تعرض اللاجئين لخطر الموت أو الاعتقال أو التشرد.
وواكبت وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية هذا الجدل عن كثب، حيث تعكس تغطياتها مواقف متباينة. ففي حين تركز بعض الصحف الألمانية على تأكيد ضرورة الحذر في اتخاذ قرار العودة بناءً على التقارير الدولية التي تشير إلى استمرار الانتهاكات في بعض المناطق السورية، تسعى أخرى إلى إبراز وجهات نظر تروج لفكرة العودة الطوعية، مستندة إلى تحسن الأوضاع في بعض المناطق. من جانب آخر، يعكس الإعلام الأوروبي بشكل عام قلقًا متزايدًا من سياسة "الترحيل القسري" في بعض الدول الأوروبية، حيث يُنظر إلى ذلك كخطوة قد تؤدي إلى تصعيد الأزمة الإنسانية.
وبهذا الشأن كتبت صحيفة "نويه تسوريشر تسايتونغ" السويسرية الناطقة بالألمانية (12 ديسمبر/ كانون الثاني 2024) إن "اتفاقية اللاجئين لعام 1951 واضحة: يمكن سحب الحماية إذا حدثت تغييرات إيجابية في بلد المنشأ، بشرط أن تكون هذه التغييرات دائمة وليست مؤقتة". فقد وضعت الإطاحة ببشار الأسد الجاليات السورية في أوروبا في حالة من الارتباك العاطفي. فالأمل في بداية جديدة يتداخل مع القلق من أن جولة جديدة من العنف قد تكون على الأبواب. فهل يذهبون أم يبقون؟ بالنسبة لمعظمهم، الإجابة على الأرجح هي: الانتظار. (...) لكن إذا توافرت الفرصة لإعادة بناء البلاد المدمرة بفضل ظروف مستقرة إلى حد ما، يجب على الدول الأوروبية أن تساهم بشكل فعال في ذلك. هذا سيسهل على "السوريين الأوروبيين" المشاركة في هذا التغيير، وهو ما دعت إليه القيادة الجديدة بالفعل. لكن العودة القسرية ستكون أكثر قبولًا سياسيًا إذا قدمت أوروبا مساعدتها في إعادة الإعمار. ومع ذلك، يجب على القارة أن تستعد أيضًا لسيناريو مختلف تمامًا: أن تعود حركة الهجرة من البلاد إلى الازدياد من جديد".
الاتحاد الأوروبي يعتبر الإعادة القسرية "غير ممكنة"
في موقف ملفت، أكد ماغنوس برونر، المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة (12 ديسمبر) أن الإعادة القسرية للاجئين السوريين القاطنين في أوروبا إلى بلادهم "غير ممكنة" في الوقت الراهن، وذلك بعد إعلان النمسا نيتها تنفيذ هذه الخطوة. تصريحات برونر جاءت عقب محادثاته مع وزراء داخلية التكتل القاري في بروكسل. ورغم أن فصائل المعارضة السورية، بقيادة "هيئة تحرير الشام"، تعهدت بتأسيس دولة قانون ومؤسسات في سوريا، إلا أن سجل الهيئة السابق مع الجماعات الجهادية، يخلق حالة من عدم اليقين حول مستقبل بلاد متعددة الأعراق والطوائف. المسؤول الأوروبي أشار إلى ضرورة تقديم المساعدات المالية للسوريين الذين يسعون للعودة طواعية إلى بلدهم، قائلاً "فيما يتعلق بالتمويل، نعم، أعتقد أنه يجب علينا اتخاذ خطوات ملموسة لدعم هؤلاء اللاجئين".
وكشفت وكالة الاتحاد الأوروبي المعنية بشؤون اللجوء أن أكثر من 100 ألف طلب حماية دولية مقدّمة من سوريين لجأوا إلى دولالاتحاد الأوروبي هي قيد النظر حاليا في البلدان الأعضاء السبعة والعشرين. ويذكر أن وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، دعت بدورها لاتخاذ نهج أوروبي مشترك بشأن العودة المحتملة للاجئين السوريين. وقالت بهذا الصدد "أعتقد أن العمل على تنظيم هذا بشكل مشترك سيكون هادفا للغاية (..) هناك حاجة إلى توافر قاعدة بيانات موحدة لمعرفة كيف يتطور الوضع في البلاد".
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "تراو" الهولندية (12 ديسمبر) "عدة دول - بما في ذلك هولندا وألمانيا والنمسا والدنمارك والسويد، علقت البت في طلبات اللجوء للسوريين. ورغم أن هذا يتوافق مع الوضع المتغير في سوريا (...) في هولندا، استخدم غيرت فيلدرز، رئيس حزب الحرية (اليميني المتشدد)، احتفالات السوريين كحجة لضرورة ترحيلهم الآن.
ومن الملاحظ أن فيلدرز كان قد ادعى قبل خمسة أسابيع فقط أنه يمكن إرسال السوريين إلى وطنهم بينما لا يزال الأسد في السلطة. السياسي الألماني من حزب الحزب الديمقراطي، ينس شبان، يقترح أن تستخدم الحكومة الألمانية الرحلات الجوية المستأجرة لإعادة السوريين إلى بلدهم، ربما مع مكافأة خروج قدرها 1000 يورو. الحماسة التي يظهرها كبار السياسيين الأوروبيين لإرسال السوريين إلى بلادهم تلقي بظلالها على الضيافة والتضامن الذي أظهروه طوال سنوات الحرب، وتثير مرة أخرى مخاوف السوريين من مستقبل غير مؤكد في أوروبا".
انهيار نظام الأسد واللاجئين السوريين في ألمانيا
تستضيف ألمانيا نحو مليون سوري، وهو العدد الأكبر من بين دول الاتحاد الأوروبي. وفي سياق أجواء الحملة للانتخابات التشريعية المقررة في 23 فبراير/ شباط المقبل، اقترح القيادي في المعارضة المسيحية المحافظة ينس سبان "استئجار طائرات" وتخصيص مبلغ قدره ألف يورو "لكل من يريد العودة إلى سوريا".
وهكذا أصبح اللاجئون موضوع مزايدات سياسية في سياق المد الكبير الذي حققته احزاب اليمين المتشدد في الانتخابات الأخيرة في ألمانيا وأوروبا، لم يستغرق الأمر 48 ساعة حتى قررت حكومات في كل من ألمانيا والنمسا والسويد والدنمارك والنروج وبلجيكا وبريطانيا وسويسرا تعليق طلبات اللجوء للسوريين، إضافة الى بريطانيا.
وفي حوار مع موقع "شبيغل "أونلاين" (12 ديسمبر/ كانون الأول) لخص الخبير دانييل ثايم عواقب انهيار نظام الأسد على اللاجئين السوريين المقيمين في ألمانيا. وشرح الخبير أن ترحيل اللاجئين عملية سابقة لأوانها معتبرا أنه "قد تحدث معارك جديدة بين الجماعات المتمردة المختلفة، وبالتالي تندلع الحرب الأهلية من جديد. في مناطق مختلفة، قد يستمر الناس في التعرض للاضطهاد بسبب توجهاتهم السياسية أو انتمائهم الجماعي أو بسبب معتقداتهم الدينية. وقد تصبح سوريا مثل ليبيا ثانية، حيث يحل أمراء الحرب المحليون محل الديكتاتور المخلوع.
في مثل هذا السيناريو المتشائم، من المحتمل أن يستمر العديد من السوريين في الحصول على وضع اللاجئ أو الحماية المؤقتة. بالنسبة للعائلات التي لديها أطفال، غالبًا ما يتم تطبيق حظر الطرد، خاصة إذا كانت العائلة والأصدقاء في بلدهم لا يستطيعون مساعدتهم. في الواقع، لدينا في بلادنا العديد من العائلات السورية التي لديها أطفال".
هيئة تحرير الشام وضمان عودة اللاجئين؟
بدورها تعهدت الحكومة الجديدة في سوريا بالعمل على إقامة "دولة قانون" في سوريا، بعد نصف قرن من حكم آل الأسد الذي اتسم بالقمع العنيف، تسعى السلطات السورية الجديدة إلى تأسيس "دولة قانون"، وفقًا لما صرح به المتحدث باسم وزارة الشؤون السياسية في الحكومة السورية المؤقتة، عبيدة أرناؤوط، الذي وأوضح أنه سيتم تجميد العمل بالدستور والبرلمان خلال الفترة الانتقالية التي ستستمر لمدة ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى تشكيل "لجنة قانونية وحقوقية" للنظر في الدستور وإجراء التعديلات اللازمة.
كما أشار إلى أن الأولويات تشمل "حماية المؤسسات والمستندات والوثائق الرسمية". إن الكيفية التي سيتصرف بها حكام دمشق الجديدة سيكون لها تأثير مباشر على وضع اللاجئين في أوروبا. فهل تكون "هيئة تحرير الشام" أفضل من نظام بشار الأسد رغم ماضيها الجهادي؟
بهذا الصدد كتبت صحيفة "دي تيلغراف" الهولندية (الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2024) معلقة بشأن الهجوم المباغت من قبل الجماعات الجهادية بقيادة تنظيم 'هيئة تحرير الشام'، الذي نشأ من الفرع السوري لتنظيم القاعدة، والذي يسعى لإقامة خلافة إسلامية، "من المدهش أن بعض الخبراء الغربيين يعتقدون أن هذه المجموعة معتدلة ويمكن التفاوض معها. في الوقت نفسه، تظهر صور صادمة لإعدام جنود سوريين. المسيحيون وأفراد الأقليات الأخرى يخشون على سلامتهم. تُتهم هيئة تحرير الشام بتعذيب الصحفيين والمعارضين السياسيين، ويبدو أنها لا تختلف عن نظام الأسد الوحشي".
ح.ز