"ألو أوبرا"- الغناء الأوبرالي عبر الهاتف
٨ مايو ٢٠١٢"مرحبا، أود أن أسمع مارلين" هكذا عبرت فينسينسا بينيديكو ذات الـ27 عاماً عن رغبتها في الهاتف بمسرح برلين "هيبيل ام اوفر" أو مسرح "هاو". فمن خلال مكبر الصوت ستسمع أغنية للأسطورة السينمائية مارلين مونرو، وهي الأغنية التي تجذب فضوليين آخرين، ويصل صداها إلى حانة المسرح.
هؤلاء الحاضرون هم أعضاء في عرض "غرباء في أغنية"، في هذا العرض الأوبرالي قرر مغنو الأوبرا الاحترافيون أن يغنوا لجمهورهم بطريقة غير تقليدية إلى حد ما: الغناء عبر الهاتف. أتت الفكرة من مخرجة العروض الأوبرالية الألمانية زيبيلا بولستر والسوبرانو الأمريكية ديلان نيكول باندي. ويحاول المشروع إعادة ترتيب العلاقة بين المستمعين وإرث الأغاني الكلاسيكية بطريقة مبتكرة وممتعة.
يقدر الناقد الموسيقى البرليني أوفه فريدريش بشكل خاص فكرة إدخال الهاتف في العملية الإبداعية، وخلق مسافة مصطنعة بين المغنيين والمستمع، ويقول الناقد الموسيقي: "في المكالمات الهاتفية يريد المرء أن يكون الشخص قريباً منه، وهو الشخص الذي يكون بعيداً في واقع الأمر". ويضيف: "في هذه الحالة يُستعمل الهاتف لترميم فجوة في عملية الاستماع، لا يمكن القيام بها أثناء الاستماع العادي للموسيقى الكلاسيكية، الأمر يقلب الأمور رأساً على عقب تقريباً".
حفل غنائي شخصي
مشروع "غرباء في أغنية" لم ينل فقط اهتمام النقاد في مهرجان "100 درجة برلين"، بل حصل أيضاً على جائزة الجمهور. ستة من مغني الأوبرا المحترفين توزعوا في أماكن غير عادية من مسارح "هاو"، في كشك التذاكر، وفي غرفة مظلمة بالقرب من دورات المياه، وحتى خلف واجهة زجاجية.
كل مطرب أعد مجموعة معينة مخصصة له وللمكان الذي سيغني فيه. وقد عُلقت قوائم الموسيقى بجانب الهواتف، التي تدعوا الزوار إلى الاتصال بالمغنيين وطلب أغنية من مجموعته. ويمكن سماع الموسيقى بطرق مختلفة: مروراً بالباب يسمع الزوار مقاطع من أغنية لمغنية الأوبرا المتواجدة خلف الباب. وأحياناً يُستمع إلى الأغنية من مكبر الصوت عبر الهاتف أو تقترب المغنية من أذن المستمع وتغني برفق.
إيحاءات جنسية في الغناء
"أنا أقدم دور مغنية تحترف البغاء، فالممثل يقدم شخصيات مختلفة"، تقول ديلان نيكول باندي، التي تجسد شخصيات مختلفة. وكانت باندي جريئة في زيها وهي تعرض نفسها في نافذة، تماماً كما تفعل النساء العاريات في واجهات للعرض في أمستردام. وكانت المغنية الأمريكية قد أعدت لهذا العرض مجموعة غنائية بإيحاءات جنسية.
على سبيل المثال، أغنية أورزولا "نفوس فقيرة في حاجة" من فيلم ديزني "الحورية الصغيرة"، أو "سيغيليدا" من "كارمن". عن ذلك تعلق باندي قائلة: "هذه الأغاني تتضمن بالفعل بعض الإيحاءات الجنسية"، وتضيف "لكن ذلك يعتمد أيضاً على طريقة التمثيل وتشكيل الدور. كل دور له طابعه الخاص".
تغني باندي بعض الأغاني التي تبرز تنوع الموسيقى، ومن بين هذه الأغاني أغنية لأسطورة السينما العالمية مارلين مونرو، لكن هذه الأغاني لا تخلق شعوراً بالراحة لدى الزوار، الذين يرون في هذه العروض أمراً غريباً وغير معتاد. تقول برندي: "في أول الأمر لا يعرف الناس الكيفية التي ينبغي أن يتعاملوا بها، البعض منهم يضحك، والبعض الآخر يحبس أنفاسه أو لا يصدر عنه أي رد فعل". وتتابع المغنية الأمريكية بالقول: "في بعض الأحيان يتحدث إلي الناس أثناء أداء الأغنية. وهنا تأتي اللحظة المحرجة التي أتساءل فيها إذا ينبغي أن أتابع الغناء أو التحدث مع المستمعين. هناك مستمع مثلاً سألني إن كان ينبغي عليه الغناء أيضاً".
أوبرا بعيدة عن القيود
يرى الناقد الموسيقي أوفه فريدريش أن مشروع "غرباء في أغنية" ليس بأي حال من الأحوال عرضاً أوبرالياً صحيحاً. ومع ذلك فإن هذا المشروع يسلط الضوء على السبل التي يمكن للمستمعين التعامل بها مع هذا النوع الموسيقى. ويضيف الناقد الموسيقي: "خاصة في ألمانيا حيث من المعتاد التعامل مع الأوبرا وكأنها فعل ديني. تكاد تكون للجمهور في الأوبرا رهبة كما هو الحال في كنيسة".
ويتابع فريدريش: "يظل المستمع صامتاً طوال الوقت، محاولاً التفكير في المعنى الأعمق الذي يريد الفنان أن يقوله لنا". ولأن مشروع برلين يريد أن يفند هذه الفكرة بالذات، فإنه يقدم أوبرا خالية من الادعاء و"بعيدة عن القيود"، وهو ما لقى استحسان فريدريش وغيره من الزوار.
"في الحياة العادية لا يمكنك سماع مغني الأوبرا إلا على خشبات المسارح الكبرى" تقول إحدى الزائرات. وتضيف "هناك يكون المرء واحداً من جمهور كبير، وهنا يكون الغناء شخصياً جداً، أعتقد أنه أمر رائع". بعض الناس يرون في الاتصال المباشر مع المغني أمراً شخصياً جداً. لحسن الحظ، يمكنك هنا رفع سماعة الهاتف ببساطة لا التسلل في خضم عرض أوبرالي إلى صف المقاعد.
نيبارد سينامون/ ريم نجمي
مراجعة: عماد غانم