أهم ما يجب أنه تعرفه عن الدستور الألماني في ذكراه الـ 75
٢٣ مايو ٢٠٢٤"كرامة الإنسان لا تمس". هذا ما بدأ به القانون الأساسي (الدستور الألماني) في مادته الأولى. جاءت هذه الجملة في بداية الدستور تحت ضغط شعور بالذنب لا مثيل له بسبب جرائم ألمانيا النازية. والنظام النازي هو المسؤول عن اندلاع الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939 إلى 1945، ومقتل ستة ملايين يهودي في جميع أنحاء أوروبا.
1949: إقرار القانون الأساسي
صدر القانون الأساسي في 23 أيار/مايو 1949 في نفس يوم تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية سابقاً)، التي انبثقت من اتحاد مناطق الاحتلال للدول الغربية التي انتصرت مع الاتحاد السوفيتي سابقا على المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، والمقصود بهذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وفرنسا. أما منطقة الاحتلال السوفيتي فكانت في شرق البلاد حيث أُقيمت جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية سابقاً) في وقت لاحق بتاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر 1949. وكانت في الواقع دكتاتورية يحكمها حزب الوحدة الاشتراكي الألماني.
اعتبرت أمهات الدستور، اللواتي كنا أربع سيدات، وأباءه، الذين كانوا 61 رجلاً، القانون الأساسي مؤقتاً في ظل تقسيم ألمانيا. يقول المؤرخ الألماني، مارتن سابرو: "لم يكن الهدف أن يكون النص دستوراً دائماً، بل بالأحرى لمرحلة انتقالية حتى يتمكن كل الشعب الألماني (في الشرق والغرب) من أن يقرر بحرية دستوراً لألمانيا الموحدة".
1990: دستور ألمانيا الموحدة
كانت إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990 بعد سقوط جدار برلين وانتهاء نظام جمهورية ألمانيا الديمقراطية بفعل الثورة السلمية لحظة تاريخية للقانون الأساسي، إذ تم اعتماده كدستور دائم لألمانيا الموحدة. وبهذا الخصوص توضح أستاذة العلوم السياسية أستريد لورينز من جامعة لايبزيغ أنه "بدأ نقاش حول إقرار دستور جديد، إلا أن هذه الفكرة لم تنل أغلبية في ألمانيا"، وتفسر الخبيرة ذلك بالقول: "السبب الرئيسي هو أن القانون الأساسي أثبت نفسه، وليس من الضروري وضع دستور جديد. الاستقرار كان هو المطلوب".
1956: إعادة تسليح ألمانيا
على الرغم من عدم صياغة دستور جديد، فقد تم تعديل القانون الأساسي ما يقرب من سبعين مرة على مدى العقود الماضية، وذلك نتيجة لتغيرات اجتماعية وجيوسياسية عميقة. ومن أهم القضايا التي استدعت إدخال التعديلات إعادة التسلح والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). في عام 1956 جرت عدة تعديلات لفسح المجال لتأسيس الجيش الألماني وتوفير المظلة الدستورية للدفاع عن البلاد في حال تعرضها لهجوم.
1968: تقييد الحقوق الأساسية في حالات الطوارئ
كانت "قوانين الطوارئ" التي تم اقرارها عام 1968 من أبرز التعديلات على القانون الأساسي. وكان الهدف منها ضمان قدرة الدولة على التصرف في حالات الأزمات، وتطبق في المقام الأول في حالات وقوع كوارث طبيعية وانتفاضات وحروب. وقد خول هذا التغيير الدستوري، من بين أمور أخرى، السلطات بنشر الجيش الألماني في داخل البلاد وتقييد حقوق أساسية والمراقبة السرية للاتصالات.
1993: تقييد حق اللجوء
بعد ثلاث سنوات من إعادة توحيد ألمانيا، تم تقييد حق اللجوء بشدة في عام 1993 وتم تغيير القانون الأساسي. وكان الدافع وراء ذلك هو الزيادة الحادة في طلبات اللجوء، الأمر الذي أدى إلى توترات اجتماعية هائلة وتصاعد التطرف اليميني. منذ ذلك الوقت، أصبح من الممكن ترحيل الأشخاص المرفوضة طلبات لجوئهم إلى البلدان المصنفة على أنها "دول منشأ آمنة". وفي الآونة الأخيرة، تمت إضافة جورجيا ومولدوفا إلى هذه القائمة.
2009: كبح الديون
من أجل الحد من الدين الوطني، تم إدخال ما يسمى "كبح الديون" في عام 2009 وتم دمجه في القانون الأساسي. يحد التعديل بشدة من الاقتراض السنوي ولا يُسمح بالاستثناءات إلا في حالة الكوارث الطبيعية أو حدوث أزمة غير متوقعة مثل جائحة كورونا. وفي عام 2023 علقت الحكومة الفيدرالية قانون كبح الديون بعد اندلاع الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا بهدف تمويل المساعدات المقدمة لأوكرانيا، وفي المقام الأول، شراء الأسلحة. وبما أن ألمانيا تعاني من مشاكل اقتصادية وتباطؤ الاستثمارات في عام 2024، يدعو الكثيرون الآن إلى تخفيف عام لكبح الديون.
التعديلات الدستورية لا تتم إلا بأغلبية الثلثين
يتطلب أي تغيير في القانون الأساسي موافقة ثلثي أعضاء البرلمان الألماني ( بوندستاغ) ومجلس الولايات ( بوندسرات). والغاية من ذلك منع أن يصبح الدستور لعبة لاعتبارات سياسية يومية، ولكن وقبل كل شيء، يتعلق الأمر بحماية الديمقراطية من الأعداء المحتملين ومنعهم من تمرير التغييرات الدستورية بأغلبية بسيطة، ما يفسح المجال لتقويض مبدأ سيادة القانون.
بشكل عام، أثبت القانون الأساسي، الذي تم تعديله مرات كثيرة، نفسه على مدى 75 عاماً من وجوده. ويتفق خبراء السياسة والعلوم إلى حد كبير على هذا. ويتمتع الدستور الألماني بسمعة طيبة على المستوى الدولي. وكان بمثابة نموذج للعديد من البلدان التي لها تاريخ من الدكتاتورية. وحسب دراسة أجراها "منتدى مركاتور للهجرة والديمقراطية" بجامعة دريسدن (MIDEM)، يحظى القانون الأساسي بشعبية كبيرة بين الألمان: 81 بالمائة من الذين شملهم الاستطلاع يرون أن القانون الأساسي أثبت جدارته، و6 بالمائة فقط يرون العكس.
تجاهل "ألمانيا الشرقية"
ولا تزال أستاذة العلوم السياسية أستريد لورينز، المولودة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية سابقاً)، تطرح على نفسها سؤالاً من وقت لآخر: "هل تم استنباط الدروس من المناقشة الدستورية في أعقاب الوحدة الألمانية؟" ومن وجهة نظرها، فإن الجواب على ذلك واضح للغاية: "لا توجد أي إشارة تقريباً إلى تاريخ ألمانيا الشرقية والثورة السلمية في القانون الأساسي".
وترغب مديرة "المؤسسة الفيدرالية لدراسة دكتاتورية حزب الوحد الاشتراكي الألماني"، آنا كامينسكي، في رؤية نظرة أوسع للقانون الأساسي: "يجب أن تكون الذكرى 75 لوضع القانون الأساسي فرصة للتذكير بوجود أشخاص شجعان في المنطقة التي كانت محتلة في ألمانيا من قبل الاتحاد السوفيتي ، والذين خاطروا بحياتهم للمطالبة بحقوق وحريات مماثلة لتلك السائدة في ألمانيا الغربية".
أعده للعربية: خالد سلامة