أوروبا وإفريقيا تلتقيان بعد فراق طويل
١ ديسمبر ٢٠١٠لماذا من الجيّد عقد القمم؟ هل لكي يثبت المرء وجوده، أو ليجري مقابلات فوق السجاجيد الحمر، أم لطرح الكثير من المبادرات الدبلوماسية، والقليل من الرموز الجدية ؟. صحيح أن كل هذا جيّد، لكنه غير كاف أبدا للتغلب على المهمات السياسية المعقّدة. ولكن ثمة إمكانية لتحقيق ما هو أكثر في القمم، فهي ترسي الثقة في حال انعقادها بشكل منتظم. إضافة إلى ذلك يضع المشاركون فيها أجندة لهم ويحدد كل فريق ما ينتظره من الفريق الآخر.
وقد تعرضّت إفريقيا إلى الإهمال طويلا. فبعد استقلال بلدانها لم يهتم بها في أحسن الأحوال سوى الدول التي استعمرتها سابقا، فقدّمت إلى نخبتها في فترة الحرب البادرة المال أحيانا، والسلاح أحيانا أخرى. وبعد نهاية الحرب الباردة أصبح الوضع أكثر تعقيدا بسبب انفراط التحالفات السابقة، وانخفاض مصالح أوروبا فيها إلى الحضيض. وتُركت إفريقا لوحدها، وكذلك مشاريع التنمية المعدّة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ما ترك تداعيات قاسية على تطورها. وفي نهاية الثمانينات لم يعد أحد يلتفت إلى المصالح الإفريقية، خاصة وأن القارة لم تعد تتحدث بصوت واحد، وكانت منظمة الوحدة الإفريقية موجودة في الغالب على الورق فقط. وقامت ألمانيا بتخفيض وجودها الدبلوماسي في القارة حيث أغلقت حتى سفارات فيها، ذلك أن إعادة توحيد ألمانيا والتوسع في اتجاه شرق أوروبا كانا أهم لديها. وبسبب التكابر الخاطئ وسوء التقدير أضاعت أوروبا وإفريقيا فرص الالتقاء، والأسوأ من ذلك قللتا من شأن التحديات والتطورات المستقبلية.
تأثيرات العولمة هي أول من أعاد ربط إفريقيا بأوروبا ثانية، خاصة وأن مشاكل دولية كبيرة مثل تغيّر المناخ أو الهجرة من الصعب حلّها من قبل أوروبا أو من قبل إفريقيا بصورة أحادية الجانب. والدرس الذي تعلّمه الأوروبيون والأفارقة خلال العقود الضائعة هو ذاته، أي أن من لا يعرف الآخر ليس لديه ما هو مشترك وغير قادر كذلك على التغلب على المصالح المتناقضة.
من هنا تأتي أهمية عقد القمة الأوروبية ـ الإفريقية أخيرا، وكان مهما أيضا حضور شخصيات سياسية عالية المستوى، وأن يؤكد كل طرف للآخر أهمية العلاقة بين القارتين. وحضور نائب المستشارة وزير خارجية ألمانيا غيدو فيسترفيلّه القمة كان هاما بدوره، لأن ألمانيا تُعتبر اليوم شريكا سياسيا محايدا يتمتع بصدقية كبيرة. وكان مهما للمسؤولين الأفارقة أيضا رؤية شخصيات أوروبية رفيعة في القمة، لكونهم لم يتعودوا على مثل ذلك في الماضي، خاصة وأنهم لم يكونوا يُستقبلون من نظرائهم في الغرب، ولم يكن يستمع إليهم أحد. لكن هذه الفترة انتهت الآن، وتحدث الجميع بلغة واضحة في القمة دون اللجوء إلى الألاعيب في الخفاء أو التحدث بكلام دبلوماسي.
وشهدت القمة عرضا للمصالح المتنازع عليها بين الطرفين، خاصة في مجال اتفاقات الشراكة الاقتصادية.
والاتحاد الأوروبي يفاوض في هذا الصدد حاليا مجموعة من الدول الإفريقية. ومن خلال هذه الاتفاقات يتوجب فتح أسواق إفريقيا أمام المنتجات الأوروبية، الأمر الذي يخشاه الأفارقة بسب أضرار المنافسة على إنتاجهم.
وقد انتقد الرئيس السنغالي عبدالله واد بوضوح في القمة السياسة المتبعة في التجارة العالمية.
وفي موضوع الحكم الرشيد سجل المرء فروقات في المواقف علما أن ديكتاتور زيمبابوي روبرت موغابي لن يفهم هذا المطلب ولن يقبل به، وكذلك مضيف القمة معمر القذافي.
وأوضحت أوروبا في القمة أنها ستدعم إفريقيا لتطوير اقتصادها وشبكة الأمن فيها في المستقبل، وفي المقابل أكدت أفريقيا أنها لن تتراخى في هذين الأمرين. والطرفان يعرفان بخبرتهما المرَّة أن الحلول لن تأتي من الخارج، لا في ما يخص دولة الصومال الفاشلة أو جنوب السودان الذي ينتظر الاستفتاء على مصيره. واتفقا كذلك على عقد القمة التالية في عام 2013 والعمل للتفاهم بصورة أشد على قيم مشتركة.
ويعرف كلا الطرفين أن الجيرة الجيدة تحتاج إلى نفس طويل الأمد، وكذلك إلى استمرارية أيضا في عقد الملتقيات الدبلوماسية بصورة منتظمة. وعلى أوروبا وإفريقيا التعويض كثيرا عن الماضي، ولا بد من إجراء اتصالات سياسية وشخصية عديدة، في وقت نجد فيه أن مثل هذا موجود بصورة جيدة وموسّعة بين أووربا وآسيا، وبينها وبين أميركا اللاتينية وشرق أوروبا. ويقول مثل إفريقي في هذا الصدد: من يريد تحقيق هدفه بسرعة يذهب لوحده، لكن من يريد فعلا تحقيق شيء ما يذهب مع غيره.
أوته شيفّر
مراجعة: منى صالح