أوروبا والحرب في اليمن .. المصالح فوق معاناة السكان
٢٤ أبريل ٢٠١٨المآسي المستمرة في اليمن لا تنقطع، وليس خبر مقتل 20 مدنياً على الأقل، جلهم من النساء والأطفال، كانوا حاضرين في حفل زفاف، إثر غارة من التحالف، سوى مثال لأخبار الموت القادمة من ذلك البلد. التحالف بقيادة السعودية أعلن فتح تحقيق في الموضوع، متحدثاً على لسان ناطقه الرسمي أنه يوجه عملياته انسجاماً مع قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني. لكن الغارة، التي أدانها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لم تحرّك القوى الغربية، التي قليلاً ما أعلنت عن تحرّكات حقيقية لوقف نزيف الشعب اليمني.
منذ بدء الحرب في مارس/ آذار 2015 وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، وصل عدد القتلى بين المدنيين اليمنيين إلى 5295، والجرحى إلى 8873، حسب أرقام الأمم المتحدة، التي رجحت أن تكون الأرقام الفعلية أعلى بكثير، وهو ما يجعل بعض وكالات الأنباء تتحدث عن مقتل 10 آلاف مدني حتى الآن. وكالة الأسوشتيدبريس نقلت أن ثلث الغارات الجوية في اليمن ضربت مواقع غير عسكرية. لكن في الجانب الآخر، تستمر جلّ القوى الغربية في بيع الأسلحة لقوات التحالف. أما إدانتها لما يجري، فإما أنها تنحصر في رفض الدعم الإيراني لميليشيات الحوثيين، أو تكون جد خافتة عندما يتعلّق الأمر بغارات التحالف أو الحصار المفروض على اليمن.
حضور في سوريا وشبه غياب في اليمن
يجتمع مانحو سوريا الثلاثاء (24 أبريل/ نيسان 2018) في العاصمة البلجيكية بروكسل، في ثالث مؤتمر دولي على التوالي تشارك به العشرات من المنظمات والحكومات. الهدف هو جمع تبرّعات تزيد عن ستة مليارات دولار، وهو رقم تحقق في مؤتمر العام الماضي. يعدّ الاتحاد الأوروبي من أهم المساهمين في المساعدات الإنسانية الموجهة لسوريا، إذ قدم حتى الآن 10.6 مليار يورو (ميزانية الاتحاد والدول الأعضاء)، وقد كان فاعلاً في مؤتمر العام الماضي عندما كان أكبر مانح بحوالي 3.7 مليار يورو.
لكن الاتحاد ذاته، لم يقدم الكثير لسكان اليمن، بل إن مؤتمر جنيف الذي دعت إليه الأمم المتحدة قبل أسابيع لتقدم منح إلى اليمن، لم يصل إلى هدفه المحدد بتعهد الأطراف المانحة بتقديم 2.96 مليار دولار، إذ كان الرقم النهائي أقلّ من هذا المبلغ. ومقارنة مع تعهد السعودية والإمارات والكويت، كان تعهد الاتحاد الأوروبي ضعيفاً، ولم يتجاوز 133 مليون دولار، بينما كان تعهد بريطانيا، التي لم يدخل بعد قرار انسحابها من الاتحاد الأوروبي حيز النفاذ، أكبر بـ240 مليون دولار.
يشير المحلّل السياسي اليمني، علي العبسي، في تصريحات لـDW عربية، أن أغلب الدول الأوروبية ترى أن السعودية الإمارات، المشاركتان الرئيسيتان في التحالف العربي، لهما من الثراء ما يكفي لتقديم المساعدات إلى اليمن دون الحاجة لأطراف أخرى، خاصة وأن الدولتين تعلنان من حين لآخر عن حملات مساعدة كبرى موجهة لليمن. ويتابع العبسي أن ضعف التدخل الأوروبي في اليمن يعود كذلك لتدني الرضا عن الحكومة اليمنية الشرعية، إذ "لم تستطع هذه الأخيرة إقناع الغرب بكفاءتها وفاعليتها، خاصة مع وجود جلّ أعضائها بالخارج، والاتهامات الموجهة لها بالفساد الإداري".
السلاح أولاً
بين كلّ دول الاتحاد الأوروبي، وحدها الحكومة الألمانية التي أعلنت وقف تصدير أسلحتها إلى الدول المشاركة في حرب اليمن. القرار الألماني أثر سلباً على العلاقات السعودية-الألمانية، لكن في المقابل، قوّى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، علاقاته مع فرنسا، بل إن رئيس هذه الأخيرة، إيمانويل ماكرون، دافع عن تزويد بلاده للسعودية بالأسلحة. كما تبنى الخطاب السعودي بتوجيه اللوم كله لإيران في قضية الحرب باليمن. الموقف ذاته تكرّر في بريطانيا، التي وقعت مؤخراً اتفاقيات مع السعودية بقيمة 100 مليار دولار، إذ رحبت لندن بـ"التزام السعودية المستمر بضمان أن تتم الحملة العسكرية للتحالف وفقاً للقانون الإنساني الدولي".
يرى علي العبسي أن الموقف الألماني مرتبط بتاريخ وسياسات ألمانيا، إذ غالباً ما ابتعدت برلين عن التورط في نزاعات خارج الحدود ولو بشكل غير مباشر. لكن على العكس، تملك كل من فرنسا وبريطانيا نفوذاً سياسياً أكبر، خاصة وأنهما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي. كما أن قطاع السلاح في الدولتين كبير للغاية ويساهم في الناتج المحلي الإجمالي بشكل أكبر ممّا عليه الحال بألمانيا، الأمر الذي يجعل تجارة السلاح تؤثر في السياسة الخارجية لفرنسا وبريطانيا، خاصة وأنهما تركزان على العقود الكبيرة في بيع السلاح، ولا يمكنهما تجاهل السعودية، التي تعدّ من أكبر مشتري السلاح في العالم، وفق رأي الخبير ذاته.
هذا ويتفق المحلل السياسي الألماني، غونتر ماير، مع الفكرة ذاتها، إذ يقول في تصريحات لـDW عربية: "لا مصلحة لبريطانيا وفرنسا في الحديث عن الكارثة الإنسانية باليمن ما دامتا تبيعان الأسلحة للرياض". ولا يتوقف الأمر عند السلاح، بل هناك صفقات تجارية أخرى بين الأطراف الثلاثة، بحسب ماير، مؤكداً أن الاتحاد الأوربي يملك واجباً أخلاقياً من أجل التدخل الإنساني في اليمن، لكن المصالح الاقتصادية والسياسية تأتي قبل ذلك.
صور الطفل "أيلان" غير موجودة باليمن!
لم تلقَ الأزمة الإنسانية في سوريا الاهتمام العالمي اللازم إلّا بعد تفجر أزمة اللاجئين عام 2015 وانتشار الصور المأساوية لغرق اللاجئين في البحر وتشرّدهم على الحدود، كما جرى للطفل الكردي "أيلان". فبعد هذا التاريخ، تحرّكت دول أوروبية لاستقبال اللاجئين وبدأت تضغط بشكل أكبر لإيجاد حلّ للأزمة السورية بدل التركيز على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). يختلف الموضع الجغرافي لليمن كثيراً عن سوريا، فاليمن لا يشترك في حدوده سوى مع السعودية وسلطنة عمان، ومحاولة الهجرة عبر البحر لا توصل إلّا إلى دول إفريقية فقيرة، الأمر الذي أجبر النازحين اليمنيين على تبني الخيار الداخلي والبحث عن مناطق آمنة على تراب بلدهم.
ويؤكد علي العبسي أن غياب إشكالية اللاجئين عمقت الأزمة الإنسانية في اليمن، خاصة مع عدم قدرة حوالي ثلاثة ملايين نازح يمني على الفرار إلى دول الجوار أو أوروبا. ويتابع أن أوروبا حالياً لديها أولويات في استقبال اللاجئين السوريين والأفارقة. لكن هل يتغيّر الأمر مستقبلاً؟ يستبعد المتحدث ذلك، والسبب وجود "اقتناع أوروبي بأن الملّف اليمني يهم الولايات المتحدة بشكل أكبر. وهناك كذلك إحساس أوروبي بالعجز أمام قوة النفوذ السعودي في المنظومات الدولية"، وفق تعبيره.
وأمام استمرار الأزمة اليمنية، لا يظهر أن الحلّ سيأتي من العواصم الغربية التي تكرّر المواقف المعروفة سلفاً بتشجيع المخرج السياسي للأزمة دون أن تشكّل هذه العواصم ضغطاً حقيقياً على أطراف النزاع. ويبقى الحلّ رهين الواقع الميداني للحرب. فبعد أن كان التحالف يراهن على انتصار سريع على الحوثيين، طال أمد الصراع، واستطاع الحوثويون الاستمرار في السيطرة على مناطق استراتيجية في البلد، ممّا يجعل موازين القوى داخل اليمن المحدّد الرئيسي لوصول الأزمة إلى نهايتها.
الكاتب: إسماعيل عزام