إجراءات مثيرة للجدل في حرب فرنسا على الإرهاب
١٩ فبراير ٢٠١٥اعتادت فرنسا أن تخوض معاركها ضد إرهابيين إسلاميين بمفردها، ولكن مؤخرا يلح الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاندا للحصول على مساعدة ودعم من الاتحاد الأوروبي في الحرب ضد الإرهاب. وأعرب أولاند عن قناعته بأن الانتصار على الإرهاب، كظاهرة دولية؛ يتحقق فقط من خلال الجهود الدولية المشتركة، ولهذا هناك حاجة لوسائل رقابة أفضل.
وخلال قمة عقدها الاتحاد الأوروبي في بروكسل الخميس الماضي تقدم الرئيس الفرنسي بمقترحين لنظرائه في الاتحاد الأوروبي هما: تشديد إجراءات الرقابة على الحدود الخارجية لمنطقة الشينغن، والسماح بالاطلاع على بيانات المسافرين المسجلة لدى شركات الطيران ومراقبتها بشكل دقيق، وهو الاقتراح الذي رفضه البرلمان الأوروبي في وقت سابق. وستبدأ فرنسا في تطبيق إجراء مراقبة بيانات المسافرين في سبتمبر/ أيلول المقبل، وتأمل في أن تقوم بقية دول الاتحاد الأوروبي في تنفيذ الإجراء ذاته.
فرنسا مستهدفة من الجهاديين
إحساس فرنسا بأنها واقعة تحت تهديدات إرهابيين إسلاميين بدأ حتى قبل الهجوم على مقر مجلة "تشارلي إيبدو" الساخرة، والذي وقع في بداية يناير/ كانون الثاني هذا العام. ففي إجراء سريع، قام البرلمان والحكومة الفرنسية العام الماضي بتشديد قانون مكافحة الإرهاب، كرد فعل على زيادة مستوى التهديد الذي بات يشكله تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلامياً باسم "داعش"، واستجابة إلى تحذير الأجهزة الأمنية في فرنسا من مخاطر عودة مئات المتطرفين من سوريا.
وأهم ما يتضمنه القانون الذي دخل للتو حيز التنفيذ هو تشديد عقوبات السجن بالنسبة لمن يسمون بـ"دعاة الكراهية"، ومنع سفر من لديهم "استعداد للعنف" من الإسلاميين، إضافة إلى حجب مواقع إنترنت تدعو للتطرف. وستصل العقوبة إلى سبع سنوات لمن يسعى عبر الإنترنت لتجنيد إرهابيين، أو يقوم بتمجيد الأعمال الإرهابية أو الدعوة إليها.
الحد من انتشار الدعاية للإرهاب
بموجب القانون الجديد تُمنح الشركاتُ المزودة لخدمات الانترنت مهلة 24 ساعة لحجب المواقع التي تروج للإرهاب. أما مستخدمو الانترنت في فرنسا الذين يزورون تلك المواقع فيتحولون مباشرة إلى جهاز خدمات الإنترنت لدى وزارة الداخلية الفرنسية وتظهر لهم على شاشاتهم رسائل تحذير.
وبذلك تكون الحكومة الفرنسية شددت قانون مكافحة الإرهاب للمرة الثانية خلال سنوات قليلة. فعند وقوع الهجمات التي نفذها الإسلامي المتطرف محمد مراح في مدينة تولوز في مارس/ آذار عام 2012 طالب السياسيون بتشديد قانون مكافحة الإرهاب.
وفي نفس العام تم وضع عقوبة تصل إلى سجن مدته عشر سنوات، لكل من يقوم بزيارة لمعسكرات إرهابية في دول أخرى، حتى إذا لم يقم بتنفيذ عمليات إرهابية في فرنسا. وتهدف تلك العقوبة لردع كل من يفكر بالسفر للاشتراك في تلك المعسكرات.
زيادة عدد العاملين في جهاز الأمن
بعد الهجمات المسلحة بداية هذا العام أصبح التركيز الأكبر على تشديد الرقابة على المشتبه بهم. ولذلك قررت الحكومة الفرنسية إضافة 2680 وظيفة في الجهاز الأمني خلال السنوات الثلاثة القادمة، ويتضمن هذا العدد 1100 وظيفة في جهاز الاستخبارات الداخلية. بالإضافة إلى تحديث تسليح الشرطة والأجهزة الأمنية بتكلفة 425 مليون يورو.
يتضح مدى صعوبة الحرب ضد الإرهاب داخل السجون الفرنسية بصفة خاصة. فالحكومة الفرنسية متخوفة من أن تتحول مراكز الاحتجاز والسجون إلى بؤر تطرف إسلامي، وتخطط لمواجهة ذلك من خلال تعيين 60 مرشدا دينيا جديدا، علما بأنه يوجد حاليا 178 مرشدا دينيا لـ 30 ألف مسلم موجودين في سجون فرنسا. وتشمل الإجراءات المستقبلية أيضا عزل المتطرفين عن باقي المسجونين.
لكن ما يبدو معقولا نظريا، يخلق صعوبات عمليا. إذ إن برنامجا تجريبيا لتنفيذ الإجراءات الجديدة في أحد مراكز الاحتجاز جنوب العاصمة باريس لم يثمر نتائج إيجابية، كما أوضح يوان كارار، ممثل النقابة المسئولة عن المركز. ويقول كارار إن "تجربتنا كانت سلبية" لأن المكان جعل المتطرفين الإسلاميين يلتحمون مع بعضهم البعض، ونسمع الآن أصوات المحتجزين تدوي عبر نوافذ زنازينهم داعية إلى الجهاد ومجاهرة بخطب متطرفة.
المزيد من الأمن على حساب الحريات؟
وأعربت مجموعة "La Quadrature du Net" (لا كوادراتور دو نت) التي تضم عدد من نشطاء الإنترنت عن مخاوفها من أن تتجاوز الحكومة هدفها من تلك الإجراءات. وقالت إن وضع أنظمة لحجب المواقع في الانترنت ينطوي على تهديد لحرية التعبير عن الرأي المكفولة في الدستور، كما أن التغلب على تلك الأنظمة مسألة سهلة جدا.
وبالرغم من تحفظات النشطاء، فإن كثيرا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تنظر إلى الخطوات التي اتخذتها فرنسا نحو تشديد القوانين وزيادة الرقابة، نظرة إيجابية وتستعد لإجراء خطوات مشابهة، نظرا لزيادة خطر المتطرفين.
فرنسا تراقب الآن ثلاثة آلاف من الإسلاميين، وصرحت الحكومة الفرنسية أن 1300 منهم لديهم اتصالات مع تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق، وهذا يمثل زيادة بنسبة 130 بالمائة خلال عام واحد، كما أوضح رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس.
أما مدى شعور الحكومة الفرنسية بالتهديد فيدل عليه الاستنفار الأمني لقوات الجيش والشرطة في الشوارع حتى بعد مرور ستة أسابيع على الهجمات التي استهدفت "تشارلي إيبدو". بل إن حالة التأهب القصوى لا تزال موجودة في العاصمة باريس وبعض المناطق في جنوب فرنسا.