إدلب.. ليس أمام المعارضة سوى القتال عند فشل التفاهمات
١٤ سبتمبر ٢٠١٨رغم المساعي الدبلوماسية لمنع نشوب معركة إدلب التي تخشى الأمم المتحدة من أنها قد تؤدي إلى "أسوأ كارثة إنسانية في هذا القرن"، تزداد التساؤلات حول مدى قدرة المعارضة المسلحة على الصمود في وجه قوات النظام والقوات الروسية والإيرانية الحليفة لها، خصوصاً وأن المعارضة تدرك أن هذه المعركة ستكون "المعركة الأخيرة" لها حيث أنها ستكون على أرض معقلها الأخير في البلاد. وتؤكد فصائل المعارضة المسلحة، التي توصف بـ"المعتدلة"، على استكمال استعداداتها لاحتمال انطلاق المعركة في أية لحظة.
ويقول النقيب ناجي مصطفى المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم 11 فصيلاً في شمال غرب إدلب: "سنصمد وسنعمل على نقل دفة المعركة من الدفاع للهجوم ... وضعنا الكثير من الخطط للتعامل مع كافة السيناريوهات"، ويتابع لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "قمنا بالاستعداد للدور الذي سيلعبه سلاح الطيران الروسي أو محاولة تقسيم المحافظة لأكثر من منطقة ومحاصرة تلك المناطق تمهيداً لإضعافها وإسقاطها تدريجياً كما حدث في مناطق أخرى".
وحول إمكانية أن تتعاون الجبهة، المدعومة من تركيا، مع "هيئة تحرير الشام" والتي تشكل جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) عمودها الفقري، قال مصطفى :"التطورات العسكرية هي التي ستقرر الخطوات بأرض المعركة ... ونحن بالجبهة الوطنية لدينا ما يقرب من 80 ألف مقاتل".
"نقاط لصالح المعارضة"
وتأسست الجبهة الوطنية في أيار/ مايو الماضي من قبل 11 فصيلاً من فصائل "الجيش الحر" في شمال غرب سوريا، أبرزهم أحرار الشام وجيش إدلب الحر.
ويعتبر القيادي في نفس الجبهة حسام سلامة أن هناك نقاطاً تصب في صالح المعارضة في المعركة المحتملة، ويضيف لـ(د.ب.أ): "هناك خلافات متراكمة بين جيش النظام والمليشيات المتحالفة معه، ويتردد أن قوات حزب الله اللبناني ربما لن تشارك ... والأهم هو أنه لم يتم حصار المحافظة كما حدث بالغوطة".
ورداً على سؤال حول تناقض موقف تركيا ما بين رفضها لاستقبال المدنيين اللاجئين لحدودها جراء القصف الأخير لإدلب، وبين ما يتردد عن السماح لبعض قيادات "هيئة تحرير الشام" و"تنظيم حراس الدين" بدخول أراضيها، أجاب سلامة: "لقد استقبلت تركيا الكثير جداً من اللاجئين السوريين ... وبالنهاية لكل دولة طاقة استيعابية لا تستطيع تجاوزها ... وعلى أي حال، بإمكان النازحين التوجه لمناطق السيطرة التركية في سوريا أي مناطق درع الفرات أو عفرين"، وتابع: "أما ما يقال عن استقبالها لقيادات وعوائل فصائل بعينها، فهذا من الشائعات التي يطلقها النظام لإحداث شق بين الأهالي والمقاتلين على اختلاف انتماءاتهم للإيحاء بأن بعض الفصائل هربت وتركتهم بمفردهم بساحة المعركة".
"دعم تركي قويّ"
ويرى المحلل العسكري السوري أحمد رحال أن قوة المعارضة في هذه المعركة لن تكون هينة، في ظل وجود دعم تركي قوي لها.
وقال رحال: "هناك عشرات الآلاف من المقاتلين ممن قدموا كمهجرين إلى إدلب لرفضهم لاتفاقيات المصالحة مع النظام بمناطقهم"، مضيفاً أن "هؤلاء بما يملكون من تدريب قتالي عال وما بحوزة البعض منهم من أسلحة قد يشكلون كنزاً لا ينضب لفصائل المعارضة".
واستبعد المحلل العسكري إمكانية عقد تركيا لتفاهمات تخدم مصالحها الذاتية فقط على حساب المعارضة، معتبراً أن "حجم التعزيزات العسكرية التي أرسلتها تركيا للحدود السورية خلال الأيام الماضية، وحصول بعض فصائل المعارضة بإدلب على الكثير منها ينفي هذا الطرح".
وكشف رحال عن "جهد كبير" تقوم به كلّ من المؤسسة العسكرية والاستخبارات التركية لحلّ المنظمات والفصائل الموضوعة على قوائم الإرهاب الدولية والمتواجدة بإدلب، وذلك "على أمل تهيئة الأجواء للتوصل إلى اتفاق سياسي مع الجانب الروسي" بشأن المحافظة.
وأوضح: "المحاولات تجري مع قيادات هيئة تحرير الشام وفصيل حراس الدين الأشد تطرفاً لإقناع بعض القيادات المحلية والعناصر الأجنبية تحديداً منهما بالخروج من سورية ... وبالفعل البعض منهم وافق وخرج بالفعل، والبعض الآخر وافق على قضاء فترات عقوبة بسيطة بالسجون التركية ... أما العناصر السورية فتأمل تركيا في تسوية أوضاعهم".
"خطوط حمراء بالنسبة لتركيا"
ويرى أستاذ القانون الدولي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة اسطنبول سمير صالحة أن هناك عدداً من "الخطوط الحمراء" التي تنطلق منها تركيا في حرصها على الدفاع عن إدلب وحلفائها في سوريا.
يقول صالحة: "هناك أكثر من خط أحمر تعمل القيادات التركية السياسية والعسكرية على عدم المساس بها بتلك المعركة"، مضيفاً لـ(د.ب.أ): "(الخط) الأول منها قطع الطريق على موجات واسعة من اللجوء السوري إلى أراضيها، والثاني قطع الطريق على قوات سورية الديمقراطية (قسد) من المشاركة بتلك المعركة بما قد يمهد عودتها إلى مناطق تل رفعت وعفرين، والثالث وهو الأهم هو أن خسارة المعارضة لإدلب يعني ببساطة تقدم النظام ووصوله للحدود التركية".
وأشار خبير العلاقات الدولية إلى أنه في حال سيطرة النظام على إدلب ووصوله إلى الحدود التركية فإن تركيا بذلك تكون قد خسرت نفوذها العسكري والسياسي بالملف السوري، وأوضح أن ذلك سيفرض عليها مراجعة مواقفها بشأن سورية وكذلك علاقاتها مع بقية الدول الضامنة لاتفاقات آستانة (إيران وروسيا) بعدما كان الاتفاق المتعلق بإدلب قد أرسى نفوذاً تركياً في المحافظة بما تضمنه من نشر نقاط مراقبة بها.
وحذرصالحة قائلاً :"الجميع يتجاهل أن كثيراً من فصائل المعارضة قد قبلت باتفاقيات خفض التصعيد بضغط ووساطة تركية، والآن بإلغاء التفاهم التركي الروسي الإيراني، قد تنهض هذه الفصائل وتصنع مشهداً سياسياً وعسكرياً جديداً".
"المعركة متوقفة على تفاهمات الروس والأتراك"
أما المحلل العسكري إلياس فرحات فلا يتفق مع الآراء السابقة في قوة موقف المعارضة المسلحة بإدلب، ويقول لـ(د.ب.أ):"صحيح أن المعارضة المسلحة في إدلب بشقيها الجهادي وما يسمى منها بالمعتدل تمتلك سلاحاً ثقيلاً وعدد مقاتلين يفوق حاجز المئة ألف، وصحيح أيضاً أن هذه المعركة ستكون الأخيرة بالنسبة لهم ومن ثم فليس أمامهم سوى القتال حتى النهاية ... إلا أن هذا لا يعني التقليل من قدرة سلاح الطيران الروسي أو النظامي على حسم المعركة".
أما مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن فيرى أن اندلاع المعركة من عدمه من الأساس يتوقف على التفاهمات المتوقع حدوثها بين الروس والأتراك. وأوضح عبدالرحمن لـ(د.ب.أ) :"تركيا لا تزال تطلب المزيد من الفرص لمنع حدوث المعركة عبر طرح سيناريو فصل التنظيمات الجهادية عن المعتدلة ومحاولة إخراج ما يقرب من خمسة عشر ألف عنصر أجنبي مقاتل من البلاد وإدخال العناصر المحلية بتسويات سياسية".
ويتوقع مدير المرصد أنه وفي حال فشل المساعي التركية ونشوب معركة أن تكون "محدودة بسبب الضغط الدولي في ظل وجود ثلاثة ونصف مليون مدني بالمحافظة".
"بانتظار المجهول"
أما أوضاع المدنيين من أهالي إدلب فقد لخصها الناشط المدني بالمحافظة رائد الفارس بالقول إنهم "يعيشون لحظات رعب وخوف كبير بانتظار المجهول".
وأوضح الفارس لـ(د.ب.أ)، :"بدأ بعض الأهالي، وتحديدا القاطنون بالمناطق القريبة من مواقع سيطرة النظام بالنزوح صوب الحدود التركية، إلا أنهم لا يحاولون عبورها خشية تعرضهم للاعتداء من حرس الحدود التركي المعروف بتعامله الخشن مع اللاجئين".
ونفى الناشط المدني ما يتردد عن وقوف تركيا وراء المظاهرات التي تخرج بالمحافظة تأكيداً على رفض نظام الأسد، معتبراً إياها "صرخة منهم لجذب الانتباه الدولي ومنع معركة لن تستطيع المعارضة أو الشعب كله حتى لو حمل السلاح الانتصار فيها".
م.ع.ح/ م.س (د ب أ)