إعلام الدولة والإعلام الدولي في معارك تحرير الكويت
٢٩ مارس ٢٠١٢ألقت تهديدات حرب الخليج الثانية عام 1991 بظلالها على المنطقة بعد اجتياح القوات العراقية للكويت ، واحتل العراق صدارة اخبار وسائل الاعلام العربية والعالمية وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 678 فى 29 نوفمبر 1990 محددا 15 كانون الثاني 1991 مهلة للعراق لسحب قواته والا فإن قوات الائتلاف ستلجأ لكل الوسائل لتطبيق القرار 660 .
أما فندق الرشيد العائد للحكومة العراقية فقد شهد حركة غير اعتيادية وتزاحمت غرفه بوفود منظمات المجتمع المدني والاعلام والوفود السياسية لقربه من وزارة الاعلام والخارجية بالاضافة الى ان اغلب الوفود كانت باستضافة الحكومة .
وزارة الاعلام حالها حال بقية الوزارات والمؤسسات الحكومية دخلت في ورشات عمل وغرف طواريء استعدادا لاي ضربة جوية اكثر من استعدادها للحرب ، واعطاء العراق أربعون يوما اخرى منحت فرصة للمؤسسات الحكومية باكمال تحضيراتها . تقديرات الحكومة العراقية كانت تميل الى الضربات الجوية واستبعاد الحرب الشاملة .
وزارة الاعلام / الاعلام الخارجي كانت الدائرة المعنية باستقبال الصحفييين والمراسلين العرب والاجانب وقد أعدت قوائم بأسماء المراسلين الأجانب والشبكات التلفزيونية الاجنبية التي ممكن ان تدخل لتغطية الحرب المحتملة . وضمن التحضيرات شكلت وزارت الاعلام والخارجية وجهاز المخابرات فريق عمل مشترك لادارة عمل والاشراف على وسائل الاعلام الاجنبية ومراقبتها اعلاميا واستخباريا .
مخابرات النظام تشرف على الإعلام
فريق العمل هذا كانت مسؤوليته : تحديد اسماء الشبكات والصحف والمراسلين المسوح للعراق و الحصول على الموافقات الأصولية لتنفيذ برامج عملهم حيث يشترط على وسائل الاعلام كافة تقديم قائمة بالاماكن التي ترغب بزيارتها ، والاشخاص التي تلتقيهم على مستوى مسؤوليين في الحكومة او الحزب او اجراء لقائات عشوائية مع مواطنين في الاماكن العامة ، وكذلك ادخال وفحص الاجهزة والمعدات الفنية التي تحتاجها وسائل الاعلام خلال عملها في العراق وخاصة اجهزة البث المباشر التي كانت محظورة على وزارة الإعلام، (وكانت المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون آنذاك تملك 3 منها تعود إلى منتصف سبعينات القرن الماضي وتخصص في الغالب لنقل مباريات كرة القدم التي كانت تجرى في ملعب الشعب) وكان فريق العمل المشترك يتأكد من قيام أجهزة الإعلام الأجنبية بإخراج معدات البث المباشر الخاصة بهم مع مغادرتهم .
المركز الصحفي
اتخذ فريق العمل المكون من وزارة الخارجية والاعلام والمخابرات فندق الرشيد مركزا صحفيا بالاضافة الى اقامة غالبية الوفود فيه ايضا ، فريق العمل شمل مايقارب خمسين مشاركا اغلبهم من خريحي اللغات والترجمة والاعلام ومن الدوائر الثلاث ليكونوا فريق عمل واحد وتم اتخاذ سكرتارية للمركز الاعلامي لغرض المتابعة والتي تبدأ باستلام طلبات وسائل الاعلام الخاصة بالمقابلات والمواقع والاماكن التي ترغب بزيارتها ويتم من خلال السكرتارية والبت في بعض الموافقات والبعض منها يتم تحويلها الى مراكز القرار الاعلى .
توجيهات فريق العمل تشترط على وسائل الاعلام كافة عدم القيام باي نشاط دون موافة المركز الاعلامي وبصحبة مرافق دائم وتصريح تحريري يأذن بالحركة اما بث شبكات التلفزيون الاجنبية ووكالات الاعلام والصحافة الإخبارية، فلا يتم بثها بالطبع الا بختم من المرافق لتلك الشبكات ووسائل الاعلام وختم المركز لصحفي السكرتارية ليكون المرافق المسؤول الاول ان تضمن التقرير اي اشارات امنية او اساءة الى الحكومة العراقية ، لذلك كانت مسؤولية مرافق وسائل الاعلام تتطلب منه فهم لغة وسائل الاعلام و تقنيتها.
اما البث المباشر فكانت هناك ساعات محددة للبث المباشر بواسطة اجهزة وسائل الاعلام ذاتها وليس اجهزة وزارة الاعلام .
ابرز الشبكات التي جلبت اجهزة البث التلفزيوني معها هي(سي أن أن ) و (سي بي آس ) الأميركية (والفيز نيوز) العالمية ووكالات أخبار مصورة أخرى .
وقد لمع بريق(سي أن أن ) مع تهديدات حرب الخليح الثانية 1991 في العراق لتكون اكثر من ( كابل ناشنل نيوز ) ، وتنسيقها وتعاونها مع البنتاغون وقادة الحرب اعطاها نجومية اكثر مع اشهر مراسلي الحرب منهم بيتر ارنيت وكرستين امان بور وميري كالفن ومراسلين عالمين منهم بوب سايمون من(سي بي اس) و ال (البي بي سي ) و ال ( ان بي سي )الاميركية وال( زت دي اف ) الالمانية .
بداية معارك إخراج العراق من الكويت
شن الطيران الأميركي وقوات التحالف اول ضربة جوية يوم السابع عشر من كانون 1991 ، وكانت تلك الليلة صافية من الغيوم وسبق لبغداد ان حصلت على معلومات من مصادرها داخل وسائل الاعلام الاجنبية وخاصة الاميركية بالاضافة الى مصادر الخارجية والمخابرات بان الحرب ستبدأ في تلك الليلة . استهدفت الضربة الجوية الاولى اغلب المؤسسات الحكومية واجهزة استخباراتها وجسور بغداد، ولكنها استثنت وزارة الاعلام وفندق الرشيد ،وحينها اختفت قيادات الدولة والحكومة والحزب لبضعة أيام عن وسائل الاعلام .
كانت الدفاعات الجوية العراقية منتشرة في عموم العراق وداخل بغداد ومنها في اعلى بناية منظومة التصنيع العسكري و قاعة المؤتمرات المقابلة لفندق الرشيد وهذا مايحعل فندق الرشيد يكون ضمن أهداف الضربات الجوية .
كان مراسلو ( سي ان ان ) واخرون يستمرون في التغطية الاعلامية في التصوير اثناء تعرض المناطق المحيطة بالفندق للضربات الجوية منها وزارة الخارجية والتصنيع العسكري رغم تحذيرات ونداءات المرافقين الأمنيين لهم حتى اضطر بعضهم ترك الشبكات التلفزيونية تصور الضربات الجوية في حديقة وباحة فندق الرشيد ليلا مع فتح انارة التصوير والنزول الى ملجأ الفندق خلال الغارات االجوية .
السلطة تروج لنظرية تآمر أجهزة الإعلام
تسريبات من أروقة الدائرة القريبة من صدام أشارت فيما بعد إلى وجود اتفاق سري بين(سي أن أن ) والبنتاغون بعدم ضرب فندق الرشيد لتعطي فرصة إلى ( السي أن أن ) على وجه التحديد وباقي وسائل الاعلام بتغطية مجريات الحرب ، اما ( السي ان ان ) فقد كانت تقوم بتقديم التغذية العكسية للبنتاغون من خلال تقاريرها المباشرة بإعطاء حجم الإضرار لبعض الأهداف او المسافات التي تقع فيها الصواريخ عن الاهداف الأخرى( ويسمى هذا في المعرفة العسكرية بتصحيح الضربات، وتقوم به المراصد الأرضية عادة ولا يمكن استخدام الأجهزة بدلا عن الراصد الأرضي المعني) .
و كانت شبكة ( السي ان ان ) تضع يافطة فوق سطح عجلاتها مكتوب عليها (سي أن أن ) تمكنها من الحركة والتنقل دون ان تتعرض للضربات الجوية خلال جولاتها او عند ارسال بريدها المصور يوميا الى عمان عبر طريق طريبيل الصحراوي عند النقطة الحدود العراقية الاردنية رغم الغارات الجوية لتؤكد صحة الرواية .
رغم شروط وزارة الاعلام ان تكون زيارة الشبكات ووسائل الاعلام ومراسليها لبضعة أسابيع إلا أن شبكة ( السي ان ان ) كان لها استثناء يضمن لها تغيير مراسليها بين فترة واخرى .
أما ليلا فكان جميع المراسلين ونزلاء فندق الرشيد يتركون غرفهم ويفترشون الارض في ملجأ الفندق وهم يحجزون اماكنهم على شكل صفوف يتسامرون ليلا باخبار الحرب ومغامراتهم .
جاسم محمد
مراجعة ملهم الملائكة