"إلَهُنا واحد" ـ مسلم يجد ضالته في حزب مسيحي ألماني محافظ
١٩ أكتوبر ٢٠١١إرلانغن، مدينة ألمانية جميلة، يغلب عليها الطابع المسيحي، حيث ترى الكنائس في كل مكان فيها. ولكن إرلانغن، الواقعة في ولاية بافاريا، ليست بالمنغلقة والمحافظة، إذا ما قورنت بالمدن الجنوبية في ولاية بافاريا. والزائر لمركز المدينة سيمر بالقرب من مبنى البلدية، وبقربه سيفاجأ بساحة تحمل اسم "ساحة بشكطاش"، التي تم تسميتها كذلك نسبة إلى حي بشكطاش في اسطنبول. وهذا ليس كل شيء. ففي مدينة إرلانغن ينشط التركي محمد سابماز، المسلم الوحيد العضو في برلمان المدينة عن حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي. والبدايات في هذا الحزب لم تكن مشجعة. فعندما جاء لكي ينضم إلى الحزب، قيل له "ولكن نحن حزب مسيحي! فكيف خطر لك أن تنضم إلينا؟" فأجاب محمد على ذلك: "رغم أن هذا الأمر فاجأني، ولكن شكرا للسؤال الصريح، وسأجيب عليه بصراحة: كمسلم، أعتقد أنه لدينا إله مشترك مع المسيحيين".
اندماج المسلمين في ألمانيا
يوم الجمعة، حوالي الساعة الواحدة ظهرا، يلتقي المسلمون في إرلانغن لتأدية صلاة الجمعة في المسجد الأزرق. العديد من هؤلاء هم من الجيل الأول من العمال الذين جاءوا إلى ألمانيا للعمل، فاستقر العديد منهم هنا وأنجبوا وأصبح لهم عائلات تضم ثلاثة، بل حتى أربعة أجيال. وإلى صلاة الجمعة يأتي محمد سابماز (45 عاما) أيضا. والرجال هنا فخورون جدا، لأن واحدا من بينهم قد نجح في أن يكون سياسيا.
أحداث 11 أيلول/ سبتمبر أثرت في حياة محمد سابماز، فقد دفعته إلى الاهتمام الفعلي بدين آبائه، وبقراءة الكثير من الكتب عن الإسلام. وفي السنوات الأخيرة أصبح النقاش يزداد حول الإسلام والمسلمين في ألمانيا. وهذا النقاش الدائر حول عدم تحقق الاندماج في المجتمع يتم تحميل مسؤوليته غالبا للمسلمين وحدهم. وهذا ما يزعج محمد، فيقول: "جاء والداي إلى ألمانيا للعمل، فكان يطلق عليهم في البداية العمال الضيوف، ثم الأتراك، ثم الأجانب، والآن المسلمين ... أعتقد أن هذا يلخص القصة".
وكسياسي يضطر محمد لسماع تصريحات وآراء من بعض السياسيين المهمين في ألمانيا حول الاندماج، تجعله يكابد قليلا في عمله. ربما لا يسمع مثل تلك التصريحات في مدينته إرلانغن، ولكن إلى الجنوب قليلا في ميونيخ، حيث مقر قيادة الحزب وزعيمه زيهوفر، الذي أطلق تصريحات شعبوية أزعجت سابماز الذي يقول: "يريدون قدوم مهاجرين جدد إلى ألمانيا، ولكن ليس من الدول الإسلامية بحجة أن المسلمين لا يندمجون في المجتمع الألماني". هذه الكلمات صرح بها رئيس حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي. ويرى سابماز بأن تلك التصريحات خاطئة لأنها لا تهتم بالعمر أو بالمؤهلات والكفاءات، وإنما تنتقي الناس بحسب عقيدتهم. فقام محمد سابماز بتوجيه رسالة إلى زعيم حزبه، الذي لم يرد عليه برسالة خطية، وإنما اكتفى الناطق الصحفي باسمه بالاتصال بسابماز. محمد سابماز لا يريد أن يستسلم، العمل الذي يقوم به يراه على أنه واجب، حتى ولو كلفه ذلك الكثير من الجهد والوقت. فعندما ينتهي من العمل مساء في شركة سيمينز يكون بانتظاره الموعد التالي.
"النشاط الاجتماعي واجب"
ولكن، لحسن حظ محمد، فإن علاقته مع عمدة المدينة في إرلانغن، زيغفريد بالايس، وهو عضو قيادي في نفس الحزب، تختلف كثيرا عن العلاقة مع قائد الحزب في ميونيخ. فالسيد بالايس يعتبر الداعم الأول لسابماز، وهو الذي أدخله إلى حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، ومن ثم وضعه في مكان متقدم على قائمة أعضاء الحزب، وهذا ما أثار بعض الانتقادات، كما يقول بالايس: "قد يقول قائل: لماذا يحتل هذا الشخص (محمد سابماز) مكانا متقدما في قائمة المرشحين. وهذا الأمر منطقي لوجود علاقة المنافسة. ولكن من حيث المبدأ لم يكن هناك الكثير من الجدل. السؤال الوحيد الذي طرح كان: لماذا يحصل سابماز على هذا المركز في قائمة المرشحين".
محمد سابماز يعمل مستشارا ماليا لدى شركة سيمينز، وهذا هو العمل الرئيسي له، مما جعل زملائه في الحزب يستفيدون من مهاراته في الحسابات التي تجريها لجنة التعليم في إرلانغن. كما أن محمد يتمتع بميزات أخرى يذكرها شتيفان رومر، عضو مجلس الحزب في إرلانغن،: "ما يميزه هو الإخلاص في العمل. إنه زميل نشيط، ويعمل بدقة. كما أنه لا يثير استغراب من يتعامل معه. فلا يبدو عليه وكأنه من مجتمع آخر، فلا يلاحظ المرء أن محمد من عائلة مهاجرة، كما لا يلاحظ شيئا عن ديانته، ولا بأي شكل من الأشكال".
"القيم العائلية أولا"
محمد يملك منزلا يعيش فيه مع زوجته وطفليه. وعندما هاجر مع والديه إلى ألمانيا كان عمره سبعة سنوات فقط، وكان الأمر صعبا، لأن كلا والديه كانا يعملان، ولكن محمد كان محظوظا. ففي نفس العمارة التي عاش فيها، كانت تسكن سيدة ألمانية كبيرة في السن. وكان محمد يذهب لشراء بعض الأشياء لهذه "الجدة الألمانية"، أما هي فكانت تعلمه اللغة الألمانية.
ولذلك يرى محمد نفسه كألماني: "عندما يسألوني، أجيب بأني ألماني من أصل تركي، وأنا أفخر بذلك. وعندما نسأل الأغلبية في المجتمع، فسينظرون إلي على أني رسميا ألماني، ولكن لن يستوعبوا بأني ألماني مائة بالمائة. أنا لا أستطيع أن أغير شكلي، ولا أستطيع أن أغير اسمي، ولا أريد أن أغيرهما أيضا، وإنما أريد أن يتقبلني الناس هكذا، كما أنا".
ويؤكد محمد على أنه إنسان محافظ، فالقيم العائلية، واحترام كبار السن، والتضامن العائلي، والدين. كل هذه المواضيع تهمه للغاية، ولذلك اختار الانضمام لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، لأنه يحترم ويحرص على تلك القيم، حسب قوله.
مايك مويزر/ فلاح الياس
مراجعة: عبده جميل المخلافي