إيران - الحاضر الغائب في الحرب على "داعش"
١٥ سبتمبر ٢٠١٤تتضح يوماً بعد يوم معالم التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في كل من العراق وسوريا. وقد ساهمت الاجتماعات التي أعقبت ميلاد هذا التحالف في قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" بويلز البريطانية في استقطاب العديد من الدول للمشاركة فيه، فيما استبعدت دول أخرى منه.
أما قمة جدة، التي انعقدت الأسبوع الماضي، فقد أعطت صورة عن الدول العربية التي تتصدر هذا التحالف، وهي دول قد توكل لها مهمة تمويل هذه الحرب وتقديم معلومات استخباراتية عن تحركات "داعش". واليوم تقوم أكثر من ثلاثين دولة في باريس بوضع اللمسات الأخيرة لهذا التحالف، الذي تريده واشنطن وشركاؤها، خاصة باريس، أن يكون في إطار تحرك عالمي موحد لمواجهة متشددي "الدولة الإسلامية"، بالرغم من تردد بعض الشركاء وتشكيكهم في نجاعته.
وقد أعلنت واشنطن أن أكثر من أربعين دولة ستشارك بشكل أو بآخر في التحالف. وكشفت وزارة الخارجية الأمريكية عن أسماء 25 دولة، فيما يمكن أن تشارك بعض الدول الأخرى بشكل غير علني في مجالات عدة مثل الدبلوماسية والاستخبارات والدعم العسكري ومكافحة التجنيد وشبكات تمويل التنظيم المتطرف.
هذا وأعلنت إيران، التي تم استبعادها من المؤتمر الدولي الذي عُقد في باريس الاثنين (15 سبتمبر/ أيلول 2014)، أنها لا تريد المشاركة أصلاً في المؤتمر، في الوقت الذي تقدم فيه طهران مساعدات واستشارات للمقاتلين الأكراد الذين يقاتلون التنظيم الإرهابي على الأرض في العراق.
لكن إيران تؤكد أنها لا تقوم بالتنسيق مع الولايات المتحدة بتاتاً. كما استبعدت واشنطن أي تعاون مع طهران. وإلى جانب إيران، استُبعد النظام السوري أيضاً من مؤتمر باريس، مع إصرار الغرب على عدم تعامله مع الأسد في حربه على "داعش"، ما دعا حلفاء دمشق إلى التساؤل حول مدى شرعية التحرك، لاسيما في سوريا، المعقل القوي للتنظيم. ومن هنا يُطرح السؤال: كيف يمكن للتحالف الدولي أن يتحرك في إطار عالمي لمحاربة "داعش" وهو يستثني إيران والقوى الفاعلة على الأرض؟
ضغوط الحلفاء لاستثناء إيران
ألقت تصريحات المسؤولين الإيرانيين الكثير من الشك والريبة على مدى نجاعة استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الإرهاب بالمنطقة. وقد وصف المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، آية الله على خامنئي، التحالف الذي تتزعمه واشنطن بأنه "تحالف متحيز وبلا جدوى"، مؤكداً أن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة ضد الإرهاب وتنظيم "داعش" تحمل أوجهاً متناقضة. تصريح خامنئي يظهر حالة من الغضب لاستثناء بلاده من هذا التحالف، حسب ما يرى جاسم محمد، الباحث في شؤون الإرهاب والاستخبار. ويضيف محمد، في حوار مع DW عربية، أن "عدم إشراك إيران جاء بضغط من السعودية وحلفائها في المنطقة"، موضحاً أن "هذا الاستثناء لا يعني عدم التنسيق معها، خاصة وأن هناك اتفاقات تعاون بين الولايات المتحدة وإيران" خارج هذا التحالف.
وبالرغم من معارضة واشنطن للتعاون العسكري مع إيران في العراق، إلا أنها أعلنت انفتاحها على طهران لإجراء مزيد من المحادثات بعد ساعات من إعلان الاخيرة "رفضها" مبادرات أمريكية للمساعدة في القتال ضد الإسلاميين المتطرفين. ويقول رياض قهوجي، مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، لـDW عربية إن "إشراك إيران في هذا التحالف سيكون له رد فعل سلبي جداً، إذ إن عدداً كبيراً من الدول المشاركة في هذا التحالف ستنسحب منه مباشرة بمجرد دخول طهران فيه". ويشير قهوجي إلى "الاتهامات الموجهة إلى طهران بدعمها لمليشيات شيعية في العراق وسوريا لبسط نفوذها في المنطقة، وهو الأمر الذي سهل ظهور جماعات مثل ’داعش’ التي استغلت الصراع المذهبي في المنطقة".
توافقات وتحولات
وبالرغم من التصريحات الأمريكية التي تستبعد التعاون العسكري مع إيران في الحرب على داعش، وتشكيك طهران في أهداف إستراتيجية اوباما لمحاربة هذا التنظيم، يبقى الطرفان متفقان على أن داعش بات يمثل خطرا كبيرا على المنطقة، حيث أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن "خطر داعش ليس على سوريا والعراق فحسب، إنما هو خطر على العالم اجمع". تصريحات ظريف جاءت من اربيل حيث تم الكشف من هناك ولأول مرة، أن إيران هي أول بلد يمد أكراد العراق بالسلاح والعتاد لمحاربة المتشددين الإسلاميين. وانطلاقا من هذه المعطيات يرى هوشنگ حسنیاری، أن "واشنطن لديها كل المعلومات عن النشاطات الإيرانية في العراق، وأن إيران لا تخفي هذا الأمر عن واشنطن"، ويضيف حسنیاری في حديث لـ DW أن "كلا البلدين لهما مصلحة مشتركة الآن ألا وهي محاربة إرهاب داعش في المنطقة".
هذا ويشار إلى أن طهران بقيت هادئة عندما بدأت الولايات المتحدة، التي يصفها كبار المسؤولين الإيرانيين عادة بـ"الشيطان الأكبر"، في قصف مناطق داخل العراق الشهر الماضي. ويقول الخبراء إن ذلك نتيجة للتهديد الذي يمثله تنظيم "الدولة الاسلامية"، والذي حتّم على إيران تبني نهج أكثر مرونة في سياستها بالعراق، مما أدى إلى سلسلة من التحولات المثيرة، إذ تخلت طهران عن دعمها لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي وأيدت خليفته حيدر العبادي، إضافة إلى البدء في نسج خيوط التواصل مع السعودية، عدوتها اللدود في المنطقة.
مليشيات إيران .. حل أم عقدة؟
وكانت وسائل إعلام غربية قد تحدثت مؤخراً عن زيارات لمسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى إلى العراق لبحث كيفية التعامل مع تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة. فقد سافر قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليمان، إلى بغداد خلال الأشهر الماضية. وقوة القدس هي فرع من الحرس الثوري مكلف بالعمليات خارج إيران وكثيراً ما تضم جماعات مسلحة تنشط في المنطقة. حول ذلك يقول الباحث جاسم محمد: "من مصلحة إيران محاربة ’داعش’ في العراق، فالحكومة العراقية، سواء السابقة أو الحالية، مدعومة من طهران. كما تجب الإشارة إلى أن إيران تمسك بأذرع العديد من المليشيات والجماعات المسلحة داخل العراق، كعصائب الحق وأبو الفضل العباس وغيرها، وهذا يعني أن إيران موجودة بقوة في العراق".
ويشير مسؤولون عراقيون حاليون وسابقون إلى أن سليماني اجتمع مع مسؤولي أمن عراقيين كبار للمساعدة في إعداد هجوم عسكري مضاد لتقدم تنظيم "الدولة الإسلامية". واشتملت الخطة، بحسب تصريحات المسؤولين، على استخدام آلاف عناصر المليشيات الذين سلحتهم إيران ودربتهم، وكذلك آلاف المجندين الجدد الذين تطوعوا لهذا الغرض.
لكن بعض المراقبين يرون أن هذه المليشيات قد تساهم في إذكاء التوتر الشيعي السني بالعراق، وهو الأمر الذي قد يعزز الحاضنة الشعبية لـ"داعش" في المناطق السنية. ومن هنا يشير الباحث رياض قهوجي إلى أنه "لا يمكن توقع أي نجاح للجيش العراقي وقوات البيشمركة والجيش (السوري) الحر في حربهم ضد تنظيم ’الدولة الإسلامية’ مع وجود مليشيات شيعية تساند النظام في سوريا ولها أجندات خاصة داخل العراق. ومن هنا يجب أن يكون هناك تواصل مع إيران لحثها على إنهاء وجود هذه المليشيات التي تؤثر بشكل سلبي على الساحة وتعزز مكانة ’داعش’ وما يدور حولها في المنطقة".