اتهامات لدول أوروبية وعربية بالتورط في انتهاكات الـ CIA لحقوق الإنسان
٨ يونيو ٢٠٠٦اتهم المجلس الأوروبي المعني بحقوق الإنسان 14 دولة أوروبية، بالإضافة إلى أكثر من ست دول أخرى بالتواطؤ مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) في مد "شبكة عنكبوتية دولية" من السجون السرية لنقل المحتجزين المشتبه في تورطهم في أعمال إرهابية من بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية. وذكرت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا أن دولا أوروبية كانت على علم أو قامت بدور في شبكة تديرها الوكالة امتدت من وسط آسيا إلى الكاريبي عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أشار المحقق ديك مارتي في التقرير إلى احتمال وجود مراكز اعتقال سرية في بولندا ورومانيا. وعرض البرلماني السويسري تقريره اليوم في مجلس أوروبا، حيث انتقد انتهاك حقوق الإنسان والتضحية بها باسم مكافحة الإرهاب، وانتقد هذه الشبكة التي تعمل على نقل المشتبه فيهم وسجنهم خارج أي إطار قانوني وقال البرلماني الأوروبي: "أصبح من الواضح - وإن لم يتم بعد الكشف عن الحقيقة كاملة - أن سلطات عدة دول أوروبية شاركت بشكل فعال مع سي آي إيه في أنشطة غير مشروعة، وأن غيرها تجاهلتها رغم علمها بها أو لم تشأ الإطلاع عليها".
شبكة عنكبوتية عالمية
ويفصل التقرير ما يسميه "الشبكة العنكبوتية" التي أنشأتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) والتي تضم مراكز اعتقال وعمليات نقل بصورة غير قانونية والمطارات التي استخدمتها في أوروبا خصوصاً، فيتهم دول سبع هي: السويد والبوسنة وبريطانيا وايطاليا وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة وألمانيا وتركيا بارتكاب "انتهاكات للحقوق الفردية" من خلال عمليات نقل غير شرعية، مثلما حدث في حالة الإمام أبو عمر الذي اختطفه عملاء لوكالة الاستخبارات الأمريكية من ايطاليا سنة 2003 ثم تم تسليمه إلى السلطات المصرية، وتسليم خالد المصري إلى السلطات الأفغانية، ويتهم بريطانيا أيضا بنقل معلومات عن مواطنيها أو مقيمين بها إلى الاستخبارات الاميركية. كما يعتبر دولاً أخرى مسئولة بالتواطؤ الفعلي أو السلبي في قضايا الاعتقالات السرية وهي بولندا ورومانيا وأسبانيا وقبرص وأيرلندا والبرتغال واليونان. بينما اتهم بولندا ورومانيا بإخفاء مراكز اعتقال سرية وهو ما نفته الدولتان.
ومن جانب آخر فإن بولندا وألمانيا وقبرص وأسبانيا وتركيا متهمة أيضاً بكونها "محطات إعداد" للرحلات المرتبطة بنقل المعتقلين بصورة غير مشروعة، حيث كانت تنطلق العمليات، والطائرات بطاقم العمل الخاص بها. أما أيرلندا وبريطانيا والبرتغال واليونان وإيطاليا، فهي تعتبر "محطات توقف" للرحلات المرتبطة بالنقل غير المشروع للمعتقلين، حيث استخدمت المطارات كنقاط هبوط لطائرات، لتزويدها بالوقود. ويشير التقرير إلى أن طائرات تنقل معتقلين هبطت على الأرجح مرارا في بوخارست وتيمسوارا في رومانيا، وفي جيماني في بولندا في طريقها من والى بغداد وكابول والجزائر والرباط والقاهرة وجوانتانامو وغيرها.
"اعتقال غير مشروع وانتهاك لحقوق الإنسان"
ويقول التقرير، الذي يقع في 67 صفحة: "نحن لا نعرف سوى جزء من الحقيقة وقد يتبين أن دولا أخرى معنية بذلك من خلال أبحاث قادمة أو الكشف عن معلومات. ويعتبر مارتي تسليم مشتبه بهم إلى بلدان معروفة بممارستها للتعذيب أمرا "غير مقبول"، كما يعتبر الموقف السلبي الذي اتخذه الأوروبيون بهذا الصدد بهدف إرضاء واشنطن "غير مشرف"، ويضيف أن تكرار هذه الرحلات وعمليات التسليم آلاف المرات أمر مبالغ به. وقال مارتي في مؤتمر صحفي في العاصمة الفرنسية باريس إن شبكة السجون شكل من أشكال الفصل العنصري القانوني والقضائي الذي حرم غير الأمريكيين من الأشكال القانونية العادية لمجرد الاشتباه في أن لهؤلاء المحتجزين صلة بالإرهاب. وأضاف: "إذا كانت السبل القانونية الحالية غير ملائمة- كما يعتقد الأمريكيون- فيفترض القيام بتحليل مشترك ومناقشة ذلك معا". يذكر أن مارتي كان قد بدأ التحقيق لصالح المجلس الأوروبي خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد أن تناقلت وسائل الإعلام معلومات عن وجود مراكز اعتقال تابعة للسي آي إيه في أوروبا الشرقية، وقد اعتمد مارتي في تحقيقه على سجلات الطيران وصور الأقمار الصناعية ومدونات السجناء الذين يقولون إنه تم اختطافهم.
ردود الأفعال الدولية
تصدرت بولندا ورومانيا مجموعة الدول الأوروبية التي نفت الاتهامات التي تضمنها التقرير. وفي وارسو نفى رئيس الوزراء كازيمير مارتشيكيفيتش الاتهامات واعتبر أن "لا أساس لها من الحقيقة". وتنفي بولندا وجود أي سجون سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) على أراضيها منذ ظهور ادعاءات أول مرة في تشرين الثاني/نوفمبر، كما قال وزير الداخلية السابق مارك بيرناكي "وجود رحلات ممكن، لكنني لا أعلم بأي إرهابيين من العراق نقلوا أو احتجزوا في بولندا". أما رومانيا فقالت ان الاتهامات الواردة في التقرير "محض تكهنات"، وصرحت نوريكا نيكولاي رئيسة اللجنة البرلمانية للتحقيق في قضية رحلات السي اي ايه الجوية إلى رومانيا "إن التقرير لا يقدم أي دليل على وجود مراكز اعتقال في رومانيا". وفي ألمانيا ذكر توماس ستيج المتحدث باسم الحكومة أن برلين ستدرس التقرير بدقة قبل ان تصدر تعليقها، وأضاف أن العديد من القضايا المذكورة في التقرير تنظر حاليا أمام المحاكم الألمانية وأن اتخاذ الحكومة الآن موقف من التقرير يمكن أن يعيق عمل القضاء. وانتقد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التقرير وقال إنه لا يحتوي على أي
شيء جديد على الإطلاق في تأكيد على تصريحات سابقة لوزير خارجيته، وشاركته واشنطن الرأي، حيث أعرب شين ماكورماك المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن خيبة أمل بلاده إزاء مضمون ولهجة التقرير الأوروبي. أما أسبانيا فقد رفضت الاتهامات "بشكل حازم ومطلق" حيث قال المتحدث باسم الحكومة في مدريد : "أسبانيا لم تشارك بأي طريقة سواء فعلية أو سلبية في عمليات نقل المعتقلين". كما نفت اليونان ما ورد في التقرير وقال متحدث باسم الحكومة "اليونان تحترم بشدة القوانين والقواعد والاتفاقيات الدولية حول الطيران المدني لكل طائرة تصل إلى البلاد وتغادرها".
ترحيب منظمة العفو الدولي بالتقرير
إلا أن منظمة العفو الدولية رحبت بنتائج التقرير، وقالت من مقرها في لندن إن التوصيات الواردة في التقرير تؤكد مطالبة المنظمة الولايات المتحدة وأوروبا وقف عمليات النقل السري للمشتبه بهم إلى بلد ثالث أو إلى مراكز اعتقال تديرها الولايات المتحدة، والتحقيق في تلك العمليات. وسيناقش تقرير مارتي في 27 يونيو/حزيران في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا. من جانبه، يجري البرلمان الأوروبي تحقيقا موازيا حول هذه القضية التي كشفتها صحف أمريكية ومنظمات غير حكومية سنة 2005. كانت صحيفة الواشنطن بوست هي التي دشنت الحملة حول وجود السجون السرية الأمريكية، واتهمت وكالات الاستخبارات الأمريكية بإرسال المشتبه بهم بالضلوع بأعمال الإرهاب للتحقيق معهم من قبل مسئولين أمنيين في دول أخرى حيث لا تتوفر لهم الحماية القانونية أو الحقوق التي يكفلها القانون الأمريكية. ولم تنف واشنطن قيامها بنقل المتهمين بغية التحقيق معهم في دول أخرى، لكنها رفضت الاتهامات بتعريضهم لأعمال العنف والتعذيب، بينما أدانت جماعات حقوق الإنسان في أوروبا والدول الأخرى عمليات نقل المشتبه فيهم على اعتبار أن ذلك قد يعرضهم لمخاطر التعذيب في البلدان التي ينقلون إليها. وقال محققون من الاتحاد الأوروبي في الشهر الماضي إنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة قامت منذ هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 بتسليم ما بين 30 و50 شخصا لدول قد يتعرضون فيها للتعذيب.