استقرار العراق..رهينة توافقات داخلية وتوازنات إقليمية
١١ سبتمبر ٢٠١٣شهدت الأشهر الماضية تراجعاً أمنياً خطيراً في المدن العراقية وتزايد في العمليات الإرهابية التي بلغت ذروتها في آب/ أغسطس الماضي، والتي أدت إلى مقتل وإصابة نحو ثلاثة آلاف مواطن عراقي، وهي الحصيلة الأعلى منذ خمس سنوات، حسب إحصائية للأمم المتحدة.
ويعزو سعد مطشر، المعاون العلمي في كلية الإعلام بجامعة بغداد، سبب تصاعد وتيرة أعمال العنف في العراق، إلى عوامل داخلية، أولها "غياب لغة الحوار بين النخب السياسية الحاكمة في البلاد، مما خلق فجوة استغلته بعض الجماعات المتطرفة للعبث بأمن البلد في ظل انعدام المهنية لدى القوات الأمنية وغياب الجهد ألاستخباراتي".
تشابك الملفات سبب تفاقم الأمن؟
ويقول مطشر في حوار مع DW عربية إن ارتباط الملف الأمني بالملف السياسي أدى إلى تدهور الأول، مبيناً استقرار الوضع السياسي سيؤدي إلى تحسن الوضع الأمني بشكل كبير".
ويشهد العراق أزمة سياسية حادة في ظل تصاعد وتيرة الخلافات بين الكتل السياسية، يوازيها تصاعد ملحوظ في معدلات العنف في بغداد والمحافظات، والذي استهدف مؤخراً تجمعات للمدنيين والأجهزة الأمنية راح ضحيتها الآلاف من الأشخاص.
كذلك يعزو هادي جلو مرعي، رئيس مركز القرار السياسي للدراسات في بغداد، أيضاً سبب التدهور المستمر في الوضع الأمني، إلى "الفوضى وعدم التنسيق مابين القوات الأمنية بسبب الخلافات والتقاطعات بين القوى السياسية وغياب الخبرة المهنية التي انعكست على ضعف الاستراتجيات الأمنية في التصدي للهجمات الإرهابية".
ويبدو أن حلاً ما يلوح في الأفق بعد اتفاق رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس البرلمان أسامة النجيفي، وهو من أبرز قياديي السنة في العراق، السبت (7 أيلول/ سبتمبر 2013) على "موقف وطني موحد" لمواجهة الفتنة الطائفية التي يراد جر العراق إليها.
وميدانياً، قامت القوات الأمنية العراقية بعمليات مداهمة "لأوكار الإرهابيين"، فقد بدأت قيادة عمليات البادية والجزيرة في محافظة الانبار مطلع الشهر الجاري بعملية عسكرية على طول الشريط الحدودي مع سوريا، مؤكدة اعتقال ثلاثة من المشتبه بهم والعثور على 44 قذيفة هاون وذخائر.
تداعيات الأزمة السورية
لكن التدهور الأمني في العراق يعزوه مطشر أيضاً إلى عوامل خارجية، فالأزمة السورية أثرت سلباً على سياسة العراق والاستقرار الأمني، نظراً لاختلاف آراء سياسيي البلاد ما بين مؤيد ومعارض لأطراف الأزمة السورية، معتبرا أن السياسة العراقية تسودها حالياً الفوضى والانقسام.
هذه الانقسامات باتت مفصلة على ألوان الطيف القومي والديني والمذهبي في العراق، فالخارطة السياسية في العراق باتت معقدة جداً لتعدد الرؤى فيه كالسنية والشيعية والكردية، والتي تتقاطع باتجاه الطرف الأخر. هذا الانقسام يجعل من أي توصل إلى اتفاق يتطلب تنازلات وتوافقات كبيرة، وهو أمر صعب في ظل انقسام أكبر تشهده المنطقة بسبب ملفات أولها الأزمة السورية.
عن ذلك يقول مرعي: "السياسة العراقية متأثرة طائفياً بالشأن السوري، فهناك من يميل إلى الرؤية الإيرانية إزاء الأزمة، والبعض الأخر يميل إلى الرؤية السعودية والتركية والقطرية، مما يخلف انقساماً سياسياً حاداً انعكس بدوره سلباً على كلا المشهدين السياسي والأمني في العراق".
ويرى هادي جلو مرعي أنه في حال تم توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا فإنها ستؤثر سلباً على المشهد السياسي العراقي، "تزامناً مع وجود قوى معارضة وجماعات دينية متطرفة تنتظر إضعاف هيبة الحكومة العراقية وما تخلفها هذه الضربة من تداعيات".
من جهته يؤكد مطشر "لو حصل تغيير في نظام الحكم السوري وتسلم مقاليد الحكم حكومة تتقاطع أيديولوجياً مع النظام القائم في العراق، فهذا التغيير سيؤثر بشكل أو بأخر على توسع دائرة أعمال العنف داخل البلاد في ظل وجود جماعات متطرفة تعمل على زحزحة الوضع الأمني بشكل مشترك داخل سوريا والعراق" على حد سواء.
العراق في مرصد الجماعات المتطرفة
ويشير مرعي في حوار مع DW عربية إلى أن انعكاسات أي تدخل عسكري دولي في سوريا "سوف يجعل من العراق ساحة حرب مفتوحة للجماعات المتشددة التي تعمل بشكل منتظم وبتنسيق عال داخل سوريا والعراق كجبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية، التي أعلنت عن توسيع عملياتها داخل العراق بعد انهيار نظام الأسد".
وكانت دولة العراق الإسلامية قد أعلنت في (26 نيسان/ أبريل 2013) عن اتحادها مع جبهة النصرة التي تقاتل ضد نظام بشار الأسد. لكن هذا الإعلان أزعج جبهة النصرة، التي أعلنت ولاءها لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهر، الذي أعلن بدوره فصل هذا الدمج بعد شهرين من إعلان قائد تنظيم "دولة العراق الإسلامية" أبو بكر البغدادي، الاندماج مع الجبهة لتشكيل تنظيم "دولة العراق والشام الإسلامية" معتبراُ أنها "امتداد لدولة العراق الإسلامية وجزء منها".
يذكر أن العراق حذر مراراً من تداعيات النزاع الدامي في سوريا، التي تتشارك معه بحدود بطول نحو 600 كلم، على الأوضاع الأمنية في المنطقة. وسبق لبغداد أن اتهمت تركيا بشكل خاص بالتدخل في الشأن السوري، كما أنها تعارض تسليح المعارضة السورية وتطالب بضرورة أيجاد حل سياسي للازمة.
وعن الحلول التي يجب أن يتخذها العراق للحد من أعمال العنف الداخلية وتجاوز تداعيات الأزمة السورية مستقبلاً، يرى مطشر "ضرورة صيانة البيت العراقي وتوحيد الكلمة العراقية داخلياً باعتماد لغة الحوار. والتوافقات أساساً لها"، ناهيك عن بناء سياسة خارجية ودبلوماسية مرنة مبنية على أساس حسن النوايا في تعاملها مع المحيط الإقليمي.