استقلال وسائل الإعلام يعزز الديمقراطية في العراق
٣١ أكتوبر ٢٠١١بدأ توماس كوخ سباق ماراثون بإقليم كردستان في شمال العراق، حيث يحاول في زيارته القصيرة تحقيق مهمته التي يعمل على إنجازها منذ عدة سنوات، وهي نشر المزيد من الديمقراطية في العراق عن طريق الإعلام. ويسعى الخبير الإعلامي إلى مساعدة وسائل الإعلام العراقية على التمتع بالاستقلالية عن طريق تمويل نفسها من أرباح حملات الدعاية والإعلانات. ويعمل كوخ البالغ من العمر 59 عاما، على القيام بدور الوسيط بين وسائل الإعلام والشركات الراغبة في الدعاية لمنتجاتها، لكن مهمته لا تكمن فقط في القيام بهذا الدور بل بإقناع الإعلاميين العراقيين بفكرته.
تأثير جماعات النفوذ
عمل كوخ سابقا في ألمانيا كخبير إعلامي يقدم الاستشارة للشركات الراغبة في تنظيم حملات دعائية. وكان كوخ يوضح خلال عمله للشركات أنواع وسائل الإعلام التي تستطيع نشر إعلاناتها فيها وبالتالي الوصول إلى زبائنها، وعلى عكس العراق تعرف وسائل الإعلام الألمانية نوعية وحجم قرائها وتستطيع عن طريق قنوات التمويل الدعائية تحقيق الاستقلال المادي.
ويقول توماس كوخ:" نموذج الإعلام الألماني يختلف تماماً عن العراقي، فالقليل من الشركات تلجأ إلى القيام بدعاية في وسائل الإعلام ولكن هناك وسائل إعلام كثيرة في العراق." وتشير التقديرات إلى وجود حوالي 200 صحيفة ومجلة و60 محطة إذاعية و30 محطة تلفزيونية في العراق، لكن معظم هذه الوسائل تتلقى تمويلها من أحزاب سياسية أو جماعات معينة تلعب دوراً كبيراً في التأثير على التغطية الإعلامية.
ومن أجل دعم استقلال وسائل الإعلام أسس كوخ بالتعاون مع كلاس جلينيفينكل منظمة (MICT) وهي منظمة غير ربحية متخصصة في تطوير وسائل الإعلام في مناطق الأزمات. وتعمل المنظمة في العراق منذ عام 2003، حيث تقوم بتدريب الصحفيين العراقيين. ويقول كلاس جلينيفينكل، والذي يتابع المشهد الإعلامي العراقي منذ عدة سنوات، إن وسائل الإعلام المستقلة تعاني عادة من صعوبات مالية كصحيفة اوينيه، الصادرة في مدينة السليمانية، على سبيل المثال.
الأمل في زيادة وسائل الإعلام
ويشكو اسوس هاردي، رئيس تحرير الجريدة الكردية اوينيه من شح مصادر التمويل للصحيفة الأسبوعية، فالوضع المالي للصحيفة سيء للغاية وذلك على الرغم من حصولها أحياناً على بعض الدعم المادي من المنظمات الأوروبية غير الحكومية. ولهذا السبب اضطر القائمون على الجريدة إلى تخفيض عدد الطبعات. لكن مدير تحرير الجريدة لم يقم بتسريح أي شخص من العاملين، بل دعاهم إلى توفير الطاقة، حتى يستطيع خفض التكاليف.
ويرى كوخ أن الدعاية هي أفضل طريقة لتمويل وسائل الإعلام ولاسيما بعد دخول العديد من الشركات العالمية الأسواق العراقية مثل شركة سيمنس وشركة خطوط الطيران الألمانية لوفت هانزا وشركة السيارات الألمانية ب م دبليو.ويأمل كوخ في الحصول على الإعلانات بعد دخول الشركات العالمية السوق العراقية في منطقة شمال العراق. وتشهد مدينة إربيل، عاصمة الإقليم الكردستاني، نمواً سريعا، ولا عجب في ذلك، فظروف المنطقة مواتية للاستثمار، إذ تتميز البلاد باستقرار الوضع الأمني، كما أن المنطقة لا تزال غير مستغلة. ويرى كوخ أن كل هذه التطورات مدعاة للأمل، لأن الشركات التي تتوجه إلى هناك للاستثمار على استعداد بالتأكيد لإنفاق المال على الإعلانات في الأسواق الجديدة. وما يجعل الفكرة أكثر إلحاحاً، هو أن الحكومة الكردية أوقفت دعمها المادي لكل وسائل الإعلام بالكامل، مما يعني أن الحاجة إلى قنوات تمويل جديدة أصبحت اليوم أكبر من أي وقت مضى.
" الوقت مناسب تماماً"
وفي اليوم الثاني قام الخبير الإعلامي بزيارة واحدة من وسائل الإعلام القليلة التي تمول نفسها جزئيا عن طريق الدعاية للشركات. المحطة التلفزيونية كبيرة ولديها وكالة تسويق خاصة لإنتاج الإعلانات التجارية وعرضها على شاشتها التلفزيونية. ويحاول توماس كوخ في لقائه إقناع مدير تسويق وكالة الدعاية بأهمية معرفة عدد المشاهدين، لكن المدير يرد عليه بالقول، إنه لا يعرف حجم المشاهدين، لكنه يعرف أن القناة تحتل الصدارة منذ ست سنوات.
ويرد عليه توماس بالقول: إن الشركات العالمية ترغب دائماً في معرفة عدد المشاهدين قبل شراء الإعلانات، لكن مدير التسويق يرفع حاجيه مستغرباً ويضيف: " نحن لا نعرف عدد المشاهدين، لكننا نعرف أننا محبوبون للغاية". وعلى أية حال فقد اتفق الرجلان في نهاية الأمر على حاجة القناة إلى مصادر تمويل جديدة، فقد تم وقف العديد من البرامج الترفيهية بهدف خفض الميزانية.
وفي نهاية سباق الماراثون يتوجه توماس كوخ إلى المطار مستقلاً سيارة هيونداي البيضاء. وفي طريق عودته يتلقى توماس مكالمة هاتفية من شركة أدوية، ترغب في التعاون مع منظمته غير الربحية والقيام بحملة إعلانية. ويقول توماس والسعادة تغمره:" لقد أتينا في الوقت المناسب تماماً. وسائل الإعلام تقف على أعتاب ثورة." الخبير الإعلامي يرغب في المساهمة في هذه الثورة ليس فقط في العراق، بل أيضاً في أفغانستان والسودان.
فريدريك أوت/ مي المهدي
مراجعة: منى صالح