اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية: نقطة تحول جوهرية في تاريخ الصحافة الالكترونية
٤ سبتمبر ٢٠٠٦لم تلبث أن بدأت الشبكات الإخبارية العالمية الكبرى كشبكة السي إن إن CNN والبي بي سي BBC والدويتشه فيلله بنقل أخبار هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 في مدينتي نيويورك وواشنطن، حتى شهدت مواقع الانترنت التابعة لهذه الشبكات إقبالا لم يسبق له مثيل عليها من قبل مستخدمي الشبكة العنكبوتية. فقد تجاوز عدد متصفحي مواقع هذه الشبكات خلال الساعات اللاحقة مجموع كل متصفحيها خلال أسبوع واحد. ولهذا السبب يمكن أن تعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أولى الأحداث العالمية التي لم يشاهدها الملايين من البشر من خلال التلفاز فقط، بل كذلك من خلال الانترنت كمصدر للمعلومات. فأحداث الحادي عشر من سبتمبر تعد بمثابة نقطة تحول جوهرية في تاريخ الوسيط الإعلامي الجديد المعروف بالـ "الصحافة الإلكترونية"، كما تفيد دراسة علمية أجريت في جامعة لايبتزج الألمانية.
نقطة تحول هامة
اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية تركت آثارها كنقطة تحول مركزية على الانترنت عموماً، فالعديد من صفحات الانترنت الحالية مازالت تفرد أبوابا تقدم الصفحات الرئيسية للكثير من المواقع الإخبارية التي تناولت الحدث آنذاك. وتظهر هذه الصور المحفوظة للعديد من صفحات الانترنت من كل أرجاء العالم الدراماتيكية الدموية لإحداث ذلك اليوم. ومما لا شك فيه هو أن صورة البرجين الملتهبين وشريط الأخبار الذي كان يحدث بين اللحظة والأخرى كانا القاسم المشترك لجميع هذه الصفحات. وعلاوة على ذلك فإن تغطية هذا الحدث الإخباري كانت البداية فقط، فقد تبعت بالكثير من المعلومات الأولية والأساسية وتسلسل الأحداث والصور بالإضافة إلى مقاطع الفيديو، التي كان لها الدور في تكملة تغطية الحدث بسرعة. ومن الواضح هنا أن الوسيط الإعلامي الالكتروني الجديد قد نجح في تقديم ما عجز عنه التلفاز والمذياع، فمستخدم الانترنت لديه حرية الاختيار في قراءة الأخبار واستقاء المعلومات التي يرغب في الحصول عليها.
فجوة إعلامية بين الماضي والحاضر
وفي خضم هذه الأحداث الدامية، التي كانت للوهلة الأولى بعيدة عن التصديق، فإن الصحافة الالكترونية يمكن أن تكون قد نجحت في تقديم تغطية إخبارية متكاملة تتناسب مع واقع معروض الشبكة العالمية قبل خمس سنوات. كما أن المشككين في ذلك النجاح يتفقون على أنها نجحت على الأقل في نقل هذا الانطباع، فمحرري أخبار الانترنت لم يكونوا بالطبع أكثر إطلاعا من زملاؤهم في الوكالات الإخبارية الأخرى أو محرري الإذاعة والتلفاز. ورغم نقل هذه الأحداث مباشرة إلى كثير من بقاع العالم فإن الأسئلة حول التفاصيل وخلفيات الحدث، التي كانت تتوالى آنذاك، كانت قد تتجاوز الإجابات كماً.
تم بالتأكيد استيعاب هذا النقص الإعلامي في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ليس من قبل مواقع الشبكات الإخبارية على الانترنت فحسب، بل ومن قبل صفحات عامة أخرى كذلك. وبينما كانت الكثير من قنوات التلفاز في مختلف أرجاء العالم تعيد بتكرار مميت الصور الملتقطة الأولى للأحداث، وبينما كان الخبراء في كبريات شركات الانترنت العالمية منشغلين في فتح مزودات جديدة، ظهرت فوراً على صفحات الشبكة العنكبوتية أولى روايات شهود العيان. فقد وصف الكثير من سكان مدينة نيويورك الساكنين على مقربة من مبنى التجارة العالمي أو الذين كانوا يمرون بالقرب من المبنى في ذلك الوقت جانب من تفاصيل ذلك الحدث التي عايشوها. كما أن الكثير من سكان المدينة وصفوا مشاعرهم لحظة الانفجار. وهذا لم يمنع أن تكون هذه الصفحات مسرحاً لنداءات الاستغاثة والإشاعات. فقد تطورت منتديات الانترنت لتصبح بورصة للأخبار ولقوائم المواساة.
المدونات الشخصية دون شروط النشر
ان الانترنت كانت وما زالت تمثل ساحة نشر خصبة هذه النداءات والإشاعات والانطباعات الشخصية، ولكن الطابع الاستثنائي لأحداث 11 سبتمبر أدت إلى إقبال كبير من قبل مستخدمي الانترنت على تلك الصفحات الشخصية، التي تشبه تدوين المذكرات الشخصية. الجدير بالذكر في هذا السياق أن تلك الصفحات أصبحت مداراً للتغطية الإخبارية. ومنذ ذلك الوقت لم تكف شبكة السي أن أن مثلاً عن الحديث عن "صحافة شعبية" في الانترنت.
أما مصطلح "الويبلوغ" أو "المدونات الشخصية"، فقد ارتبط بالنشر على صفحات الانترنت من دون التقيد بالشروط العامة التي تعتمدها جميع المؤسسات الإعلامية. فصفحات الويبلوغ تتخذ شروطاً أخرى لعل أهمها الطابع الشخصي لأصحابها، رغم أن هذه الخصوصية لا تمنحها نوعاً من الجاذبية التي تشكل احد مقومات الإقبال على تصفحها، بل أنه كذلك يجعلها في أحيان كثيرة عرضة للنقد والتهجم. من جانب آخر فإن الانترنت تمنح كذلك العديد من المؤمنين "بنظرية المؤامرة" فيما يتعلق بأحداث 11 سبتمبر منبراً لطرح التساؤلات والآراء. وبعد خمس سنوات على وقوع تلك الأحداث أصبح بامكان أكثر من مليار إنسان الإبحار في صفحات الشبكة العالمية للمعلومات، محولين هذه الشبكة إلى وسيط إعلامي جديد لاستقاء الأخبار والمعلومات. وختاما يمكن القول أن لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية الفضل الجوهري في تنشيط مستخدمي هذا الوسيط الإعلامي الجديد.