اعتداء آنسي واليمين المتطرف.. تصريحات خاطئة واستغلال سياسي
١٧ يونيو ٢٠٢٣منذ وقوع الجريمة المروعة في مدينة أنسي شرق فرنسا، تتصدر وسائل الإعلام أخبارا عن هوية الجاني الذي اعتدى بسكين على أطفال صغار يوم الخميس الماضي 6 حزيران/يونيو، وأدى إلى إصابة أربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين وثلاثة أعوام وشخصين بالغين.
الجاني يدعى عبد المسيح، سوري الجنسية، حاصل على حق اللجوء في السويد، وانتقل إلى فرنسا العام الماضي حيث قدم طلب لجوء جديد لكنه رُفض من قبل مكتب حماية اللاجئين "أوفبرا".
لم تمر ساعات قليلة على الصدمة حتى بدأ مسؤولون وأعضاء من أحزاب فرنسية، تنتمي لليمين المتطرف وحتى اليمين، بربط الهجرة بالجريمة وتوجيه انتقادات للسياسة الفرنسية، إضافة إلى دعوات لا تخل من خطاب الكراهية وبث معلومات خاطئة.
×× هجرة "غير منضبطة" ××
على قناة "بي أف أم" الفرنسية، تحدثت نائبة رئيس حزب "الاسترداد" ماريون ماريشال لوبان، عن "مناخ من العنف العام في بلدنا والذي يرجع أساسا إلى سياسة الهجرة غير المنضبطة"، وأضافت في تصريحات تبث الخوف قائلة إن الفرنسيين "لم يعدوا محميين".
واعتبر رئيس الحزب والمرشح السابق للرئاسيات الفرنسية إريك زيمور أن "الفرنسيين في خطر بسبب الهجرة المجنونة تماما".
وحتى حزب "الجمهوريين" اليميني تبنى وجهة نظر متشددة جاءت على لسان رئيس الحزب إيريك سيوتي، الذي قال في لقاء على قناة فرانس 2" إنه يشعر بالقلق من "فوضى الهجرة التي تزعج أوروبا وتضرب فرنسا".
فيما اعتبر رئيس "التجمع الوطني" اليميني المتطرف جوردان بارديلا، في لقاء على قناة "سي نيوز" أن فرنسا منحت حق اللجوء منذ عقود لكنه "ليس حقا يمنح بشكل غير مشروط من أجل الترحيب بالجميع".
لكن هذه التصريحات تفتقر إلى الدقة وتخالف الواقع، لهذه الأسباب:
تنتهج فرنسا سياسة لجوء تتوافق مع اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين لعام 1951، والتي تلزم الدولة بمنح الحماية الدولية لكل شخص معرض للتهديد ويتخوف من التعرض للاضطهاد بسبب انتمائه لجماعة معينة أو بسبب الدين أو القومية، وغيرها من الأسباب.
لا تمنح فرنسا كل مهاجر حق اللجوء، بل يتوجب على الشخص، كما في جميع الدول الأوروبية، تقديم ملفه أمام المكتب المختص بحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (أوفبرا)، وإظهار أدلة تدعم الأسباب التي تدفعه لطلب اللجوء.
لذلك فإن فرنسا لا تستقبل جميع المهاجرين "بشكل غير مشروط"، وتمنح حق اللجوء بناء على قرار يتخذه محققون من مكتب حماية اللاجئين.
×× البلاد "غارقة" بطالبي اللجوء ××
النائبة عن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان أعربت عن أسفها لما حدث قائلة إن الدولة "غارقة" في طلبات اللجوء.
لكن الأرقام الرسمية تظهر عكس ذلك:
في عام 2022، عالج المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين حوالي 134 ألف ملف لطلبات اللجوء، وحصل حوالي 38 ألف منهم على رد إيجابي، أي حصل طالبو اللجوء على رد إيجابي بمعدل بلغ 28,8%.
أما الحاصلين على رفض، فيحق لهم استئناف قرار مكتب اللاجئين عبر تقديم طلب أمام المحكمة الوطنية لحق اللجوء (CNDA). والتي منحت حق اللجوء لحوالي 14 ألف ملف من أصل 67 ألف، أي بمعدل بلغ 21,5%.
من الصحيح أن عدد ملفات طلب اللجوء لدى مكتب اللاجئين ازداد العام الماضي بالمقارنة مع 2021، إلا أن ذلك يعود إلى جائحة كوفيد 19 التي فرضت قيودا على التنقل والحركة.
بالمقارنة مع ألمانيا مثلا، تلقت ألمانيا، التي لا تزال واحدة من الدول الأوروبية التي تستقبل أكبر عدد من طالبي اللجوء، العام الماضي 245 ألف طلب - أي ضعف ما عالجته فرنسا. وارتفع معدل القبول في عام 2022 إلى 56%، ومثل السوريون الجنسية الأولى لطالبي اللجوء في ألمانيا (مع 70 ألف طلب).
في فرنسا، تصدر طالبو اللجوء الأفغان القائمة في عام 2022 مع تسجيل حوالي 17 ألف طلب، وتلا ذلك طالبو اللجوء المتحدرين من بنغلاديش (8600 طلب).
×× طرد بموجب اتفاقية "دبلن" ××
تدعي ماريون ماريشال لوبان أن السلطات الفرنسية كان عليها طرد الشخص بشكل تلقائي لأنه حاصل على حق اللجوء في السويد، وذلك بناء على "اتفاقية دبلن".
لكن هذا الادعاء خاطئ تماما:
ما أغفلته السياسية الفرنسية هو أن اتفاقية دبلن تخص طالبي اللجوء وليس الحاصلين على حق اللجوء. أي أن الشخص الذي حصل على الحماية في دولة أوروبية لا يمكن أن تنطبق عليه إجراءات "دبلن" في دولة أخرى.
بموجب اتفاقية دبلن، يحب على الشخص تقديم اللجوء في أول دولة أوروبية يدخل إليها، وتكون بصماته مسجلة فيها، وبالتالي تكون هذه الدولة هي المسؤولة عن طلب لجوئه. مثلا: إذا كان للشخص بصمات مسجلة في إيطاليا، وأتى إلى فرنسا لتقديم اللجوء، يحق للأخيرة إعادته إلى إيطاليا.
لكن هذه الحالة مختلفة بشكل كامل، لأنها متعلقة بشخص حصل أساسا على حق اللجوء في السويد، وبالتالي يحق له التنقل بحرية بين الدول الأوروبية والبقاء فيها لمدة ثلاثة أشهر دون الحاجة إلى طلب تأشيرة دخول.
إضافة إلى ذلك، يحق للاجئ الذي حصل على حق اللجوء في دولة أوروبية أخرى نقل ملفه وطلب اللجوء مرة جديدة في فرنسا، وذلك ضمن شروط محددة.
من الصحيح أن مكتب اللجوء الفرنسي رفض طلب اللجوء الجاني السوري، إلا أنه يحق له وفقا للقانون استئناف القرار أمام المحكمة الوطنية لحق اللجوء.
×× تقديم اللجوء خارج الأراضي الفرنسية ××
جوردان بارديلا أعاد النقاش حول إلزام طالبي اللجوء بتقديم ملفاتهم في القنصليات خارج الأراضي الفرنسية.
وذهب إلى أبعد من ذلك قائلا إن على السوريين تقديم ملفات لجوءهم في القنصلية الفرنسية في بلادهم. إلا أن ذلك لا يمكن تحقيقه بأي شكل من الأشكال، فالسفارة الفرنسية علّقت عملها في دمشق منذ أكثر من 12 عاما، والحكومة جمّدت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري.
إضافة إلى ذلك، طلب اللجوء خارج حدود البلد المضيف مخالف للقانون الدولي، ووفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، فإن البلد المضيف ملزم بتزويد طالبي اللجوء على أراضيه "إمكانية الوصول إلى إجراءات لجوء عادلة وفعالة، ورعاية صحية وتوظيف وتعليم وتأمين اجتماعي، بالإضافة إلى حق حرية الحركة".
كما تحظر اتفاقية جنيف لعام 1951 على الدول إعادة الأشخاص الموجودين على أراضيها، أو على حدودها، إلى دولة قد يتعرضون فيها للاضطهاد. بمعنى آخر، فإن إعادة طالب اللجوء إلى دولة يواجه فيها خطرا على حياته، أمر غير قانوني، وهذا بالضبط ما سيؤدي إليه اقتراح اليمين المتطرف.
"استغلال الخوف والعواطف"
الجالية السورية في فرنسا أصدرت بيانا أدانت فيه بشدة العمل الإجرامي، وقالت إنها تؤكد على "قيم السلام والمحبة والأخوة، والعمل الدؤوب لمنع أي حادث عنف أو جريمة"، مضيفة "نبذل قصارى جهدنا لنكون جزءا لا يتجزأ من بلدنا الجديد".
وانتقدت النائبة عن حزب "فرنسا الأبية" كليمنتين أوتين أمس الاثنين 12 حزيران/يونيو، "تسييس" اليمين المتطرف هجوم آنسي، واستنكرت "مقترحات اليمين واليمين المتطرف التي تهدف إلى مطاردة المزيد من المهاجرين".
السياسي بونوا هامون مدير جمعية "سينغا" والذي كان ترشح لرئاسيات العام 2017 عن الحزب الجمهوري، حذر من "استغلال الخوف والعواطف" التي يثيرها هذا الحدث، واستخلاص "استنتاجات تعمم شكلاً من أشكال الوصم التي يمكن أن توضع على سياسات الهجرة واللجوء في أوروبا".