وصفات لنجاح شركات نسائية خليجية
٢٩ مايو ٢٠١٦رغم رفض وتحفظ فئات واسعة من مجتمعاتهن لفكرة انخراط المرأة في عالم الأعمال، تمكن عدد لا بأس به النساء في دول الخليج من إقامة مشاريع وتأسيس شركات تخطى نجاحها الحدود المحلية. ففي الإمارات لوحدها على سبيل المثال يوجد 13 ألف شركة تديرها أو تملكها نساء غالبيتها تنشط بشكل خاص في المجال الاستهلاكي كمجالات الألبسة والأطعمة والأثاث والزينة والاستشارة والخدمات وغيرها. وهو الأمر الذي عكسته المشاركة النسائية الملموسة في المتلقى الاقتصادي العربي الألماني التاسع عشر الذي شهدته برلين بين 25 و 27 مايو/ أيار الجاري 2016 بحضور أكثر من 600 من رجال الأعمال وصناع القرار في الدول العربية وألمانيا. وقد خصص الملتقى الذي نظمته الغرفة - غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية - ندوة بالشركات النسائية ودورها على ضوء الخطط الطموحة لتنويع مصادر الدخل في الاقتصاديات التي تعتمد على النفط ومصادر دخل محدودة.
مشاريع تحتاج للجرأة
سيدة الأعمال السعودية لينا خالد المعينا، التي تهوى كرة السلة وتلعبها، على سبيل المثال تمكنت بعد سنوات من الجهود المتعبة من تأسيس شركة "جدة يونايتد" في مجال الخدمات وإدارة الأنشطة الرياضية التي كانت تعد من التابوهات بالنسبة للمرأة السعودية. "بعد سنوات من البحث بإرادة صلبة تمكنت من تأسيس الشركة في عام 2006 لتكون فريدة من نوعها في بلدي الذي يمنع حتى الآن إقامة ملاعب ومرافق رياضية في مدارس البنات التابعة للدولة". تقول لينا في لقاء مع DW عربية معتبرة أن "القيود العائلية والاجتماعية لايمكن أن تقتل إرادة امرأة واثقة من نفسها ومصممة على إقامة مشروعها من تحقيق ما تريد". وعن كيفية تجاوز هذه القيود ترى لينا أن القضية ترتبط "بالصبر ومدى القدرة على إقناع رب العائلة أو الوالدين والاعتماد على الذات ومراعاة التقاليد عند عرض المنتج وتقديمه للزبون". لينا التي دخلت عالم الأعمال بشكل متواضع للغاية أضحت اليوم مشهورة على الصعيد العالمي، إذ صنفتها مجلة فوربس في عام 2014 في المرتبة 71 لأقوى السيدات تأثيرا في العالم العربي.
القيود الاجتماعية ليست المشكلة الوحيدة
غير أن القيود والتقاليد الاجتماعية أو العائلية المحافظة والمتزمتة ليست الوحيدة التي قد تعرقل شركات سيدات الأعمال وحسب، فهناك أيضا عوائق ناتجة عن عدم توفر الكفاءات النسائية في بلد كالسعودية. وهو ما تفتقده لينا المعينا التي تجد صعوبة كبيرة في إيجاد معلمات ومدربات في مجال الرياضة، لأن المدارس والجامعات السعودية الحكومية لا تدرس الرياضة. أما المدارس الخاصة فهي محدودة ولا تستطيع سد الثغرة. ويزيد المشكلة حدة منع الرجال من تدريب النساء والاختلاط بهن في الأماكن العامة. وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالحصول على القاعات والأمكنة اللازمة لإقامة الأنشطة الرياضية الخاصة بالنساء، لأن مثل هذه الأمكنة خارج اهتمام الجهات الحكومية المختصة.
استباحة حقوق الملكية الفكرية
غير أن الكفاءات والأمكنة والتقاليد الاجتماعية المحافظة لا تبدو مشكلة بالنسبة لسيدة الأعمال الإماراتية سارة عبد الوهاب المدني. بدأت سارة العمل في سن الخامسة عشرة بتشجيع والدها الذي أراد لها الاعتماد على نفسها وهو ما بدأته في تلك السن ببيع الكعك سرا بعد دوام المدرسة. أما اليوم فتملك سارة شركة في مجال الأزياء والموضة انطلاقا من إمارتي الشارقة ودبي. أما مشكلتها الأساسية فتكمن في التقليد وغياب تكافؤ الفرص.
"هناك الكثير من الناس يخيطون وينتجون الملابس في بيوتهم ويضعون عليها علامات مزورة للماركات ثم يبيعونها عن طريق شبكات معارفهم"، تقول سارة في لقاء مع DW عربية وتضيف: "هؤلاء ينافسوننا في السوق بميزات منها عدم تحملهم تكاليف أجور العمال والمكاتب وخدمات الطاقة والهاتف والنظافة الخ.". ومن هنا تأتي ضرورة التأكيد مرة أخرى على أهمية تعزيز آليات مراقبة وردع أولئك الذين يتعدون على حقول الملكية الفكرية ضاربين بعرض الحائط القوانين التي تنص على حمايتها كما هو عليه الحال في الإمارات وغالبية الدول العربية الأخرى. وهذا ما أكدت عليه سيدات أعمال من الأردن ومصر والسعودية والعراق وسوريا خلال مشاركتهن في ندوات الملتقى المذكور أعلاه.
رفض العائلة والبدائل الممكنة
وإذا كانت لينا وسارة محظوظتان بتفهم العائلة ودعمها لهما، فإن الكثير من أقرانهما محظوظات بانتمائهن إلى عائلات غنية وصاحبة نفوذ كالسعودية لبنى العليان، والأردنية دينا شومان، والكويتية مها الغنيم، والإماراتية والقطرية الشيخة آمنة بنت محمد آل ثاني. هؤلاء يتمكن عموما بفضل النفوذ ورأس المال من إطلاق أعمالهن والحضور في السوق بشكل قوي وسريع، لكن ماذا لو أرادت سيدة دخول مجال الأعمال ولا تتمتع بدعم العائلة ولا يتوفر لديها رأس المال؟
سارة ولينا تريان بهذا الخصوص أن التمسك والإصرار والإرادة الصلبة تساعدان على تجاوز جميع المصاعب المتعلقة بالعائلة أو بالمال. وهذا ما تؤكد عليه غابي كراتوشفيل الخبيرة في التبادل الثقافي ومؤلفة كتاب "نساء عربيات معاصرات"في لقاء مع DW عربية إذ تقول: "هناك العديد من الغرف واتحادات الأعمال تدعم النساء اللواتي لا يحظين بتشجيع العائلة في مجالات التراخيص وتوفير الخدمات والتمويل، وهناك دول مثل مصر لديها تقاليد عريقة في هذا المجال، كما أن السعودية والأردن ودول أخرى تقدم الكثير من البرامج للنساء في أكثر من مجال. "عادة ما تعارض العائلة قيام بناتها بتأسيس شركة، غير أن نجاحها لاحقا يجعل العائلة نفسها تفتخر بما أنجزته ابنتها، وهو الأمر الذي شهدته خلال زيارتي لقطر ودول أخرى عندما ألفت كتابي عن نساء عربيات ناجحات وفاعلات في مجتمعهن".
وعن دور المرأة مستقبلا تنظر كراتوشفيل بتفاؤل "لأن تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل يتطلب حضور المرأة إلى جانب الرجل في فرق عمل وإبداع مشتركة، إنها وصفة المستقبل لاقتصاديات الدول العربية وغيرها، وعلى ضوء ذلك أشارك حاليا في مشروع لتنظيم "ملتقى نسائي اقتصادي عربي ألماني على مستوى القيادات في عام 2018، لتشجيع التبادل الاقتصادي بين سيدات الأعمال في الدول العربية وألمانيا".