الأجانب في الإعلام الألماني ـ غياب شبه كلي وتغليب للصور النمطية الجاهزة
٧ ديسمبر ٢٠٠٧تشير الإحصاءات إلى أنه يعيش في ألمانيا حوالي خمسة عشر مليون شخص ينتمون إلى أصول أجنبية أو أن احد أبويهم أجنبي؛ وهذا يعني إن خمس سكان ألمانيا لهم جذور أجنبية. لكن الواقع على صعيدي الإعلام والسياسة في البلاد لا يعكس هذه الحقيقة، فحتى وفت قريب ساد اعتقاد بأن الأجانب "ضيوف" قدموا للعمل وسيعودون إلى بلدانهم، وهو ما يعني أن وسائل الإعلام الألمانية ظلت تتعامل مع هؤلاء على هذا الأساس.
وتظهر الأبحاث أن نسبة الأجانب الذين يعملون في المؤسسات الإعلامية الألمانية، لاسيما في التلفزيون لا تتناسب نسبتهم في المجتمع، كما أن حجم تناول القضايا المتعلقة بهذه الشريحة الاجتماعية ضئيل جدا، وإن حدث وان تناولت وسائل الأعلام قضايا ذات صلة بهذه الشريحة، فإنها كانت تتم من منظور يغلب عليه طابع النمطية. هذا الموضوع "الأجانب في الإعلام الألماني" كان قضية للنقاش في مؤتمر خاص عقد مؤخرا في برلين.
أدوار ثانوية يغلب عليها الطابع النمطي
تعرض قناة التليفزيون الألمانية الأولى من حوالي 35 سنة مسلسل "موقع الجريمة" البوليسي الشهير Tatort، وهو واحد من انجح المسلسلات البوليسية في قنوات التلفزيون الألمانية قاطبة ويحظى بنسبة مشاهدة عالية. وكثيرا ما يظهر الأجانب في المسلسل، حيث أحصت الباحثة النمساوية كريستينا أورتنر أن الأجانب شكلوا نسبة 17 في المائة في من مشاهد حلقات المسلسل، وهي نسبة اعلي بكثير من مسلسلات بوليسية أخرى. لكن السؤال الأهم هو ما هي الصورة التي ظهر بها هؤلاء، بمعنى أدق ما هي الأدوار التي أسندت لهم، لاسيما وأن الحديث هنا يدور حول مسلسل بوليسي؟
تقول كريستينا اورتنر بأن الأجانب يمثلون في الغالب في أدوار نمطية يغلب عليها "الكليشيهات"؛ فالمرأة البولندية تظهر كخادمة منزلية، وكذلك هو الحال بالنسبة "للخادمة التركية" التي تتحدث اللغة الألمانية بطريقة رديئة. ويظهر "الأجنبي" في التليفزيون الألمانية في الغالب هي صورة شخص مثير للمشاكل أو شرير أو مثير للضحك، كما توكل لهم أدوار جانبية معينة. وفي هذا السياق يقول الفنان التركي عدنان مارال بأنه شارك في ثلاث حلقات في المسلسل البوليسي "موقع الجريمة"، كبائع خضروات أو طالب لجوء سياسي، كما مثل في أفلام ومسلسلات عديدة أخرى أيضا دور بائع الخضروات التركي والذي اسمه دائما محمد. و تساءل مارال عما إذا كان كتاب السيناريو والمخرجون عديمي الخيال إلى هذا الحد؟
الصورة بدأت تتغير!
لكن مؤخرا وجد عدد من ذوي "الجذور الأجنبية" طريقهم إلى شاشات التلفزيون الألماني وأخذ عدد العاملين منهم في مجال الإعلام يتزايد. من هؤلاء مثلا دنيا الهيالي الألمانية من أصل عراقي، والتي تحكي عن تجربتها كوجه تغلب عليه الملامح الشرق أوسطية على الشاشة في شاشة التلفزيون الألمانية.
ولأنه كان نادرا ما يشاهد المرء "وجها أجنبيا" لمذيعة أو مذيع على شاشة التلفزيون الألماني، فقد اثأر ظهور دنيا الهيالي قبل بضعة أشهر على القناة التليفزيونية الثانية كمقدمة أخبار بعض الاستغراب. وتقول الهيالي بأنها كانت دائما قبل كل شيء تسأل عن أصولها الأجنبية. وتضيف المذيعة الشابة "في البداية شعرت بالضيق، وأحسست أن المهم بالنسبة للآخرين هو جذوري الأجنبية، أما مؤهلاتي وخبراتي الصحفية فهذا ليس شيئا مهما وثانويا. كان المهم بالنسبة للبعض أنني لست ألمانية، لكن أنا ألمانية، حيث وُلدتُ هنا. صحيح إن والديَّ من أصل عراقي، لكن لا احد فينا يختار أبويه، هذه هي الحقيقة".
لكن بدأت المحطات التليفزيونية الألمانية في السنوات القليلة الماضية تبذل جهودا لا بأس لنقل صورة واقعية عن المجتمع، ربما انطلاقا من أدراك هذه الوسائل الإعلامية بأنه ليس من المنطقي والعملي إهمال شريحة اجتماعية قوامها خمسة عشر مليون نسمة، ولا يوجد محطة تليفزيونية تستطيع الاستغناء عن شريحة بهذا الحجم. فالقناة الأولى ARD تقدم مثلا مسلسلا جديدا يحكي قصصا عن عائلات تركية وألمانية، ويقوم الممثل عدنان مارال بدور البطولة فيه.
كما أن المسلسل البوليسي "موقع الجريمة" بدأ هو الأخر يتغير، فقريبا سيظهر الممثل التركي مهمت كورتولوس Mehmet Kurtulus في المسلسل، ليس في دور ثانوي كبائع فواكه وخضروات كما جرت العادة، وإنما في الدور الرئيسي في المسلسل؛ أي كمفتش.
مونيكا ديتريش/ إعداد: عبد الرحمن عثمان