الأقباط بين العزلة والمشاركة في الحياة السياسية
٢٤ مارس ٢٠١٠لا تكاد الصدامات الطائفية بين المسلمين والأقباط في مصر تهدأ حتى تندلع من جديد. وفي كل مرة تتشابه "المعالجة" الحكومية لتلك الصدامات، وعادة ما تنحصر في ترديد عبارات معينة، مثل التأكيد على "الوحدة الوطنية" و"النسيج الوطني الواحد" و"وحدة عنصري الأمة" و"تعانق الهلال مع الصليب". بعيداً عن هذه الشعارات لا يتم البحث عن أسباب المشكلة الحقيقية وبالتالي علاجها إلا في النادر. في حوار خاص مع "دويتشه فيله" في القاهرة أرجع الكاتب المصري رؤوف مُسعد ذلك الموقف إلى أن الثقافة المصرية عموماً لا تعترف بالمشاكل أو بخطأ الشخص، بل تحاول الالتفاف عليها وتجاهلها وإلقاء الذنب دائماً على الآخرين.
هل بدأ التمييز مع "الفتح الإسلامي"؟
كما يرى مُسعد أن جزءاً من الأزمة الطائفية في مصر يرجع إلى الأقباط أنفسهم، وتحديداً إلى سلبيتهم السياسية. في لقائه مع موقعنا أرجع مسعد - الذي ولد في السودان عام 1937 - جذور هذه العزلة إلى عهد الفتح العربي لمصر، ويشرح ذلك قائلاً: "عزلة المسيحي في مصر جاءت – وهذا ما نقرأه في الكتب التي تتعرض لفترة ما يُسمى بـ"الغزو الإسلامي" أو "الفتح الإسلامي"، سمها ما شئت – جاءت مع الاتفاقات التي وقعها عمرو بن العاص مع بطريرك الإسكندرية بنيامين كانت تُقيد حركة الأقباط، هذا واضح، يعني ألا يبنوا كنيسة تعلو على جامع وألا يدقوا النواقيس؛ أي أن المسيحي عُزل عن المشاركة في الحياة السياسية."
ويشير مُسعد إلى أن المسيحيين كانوا في البداية بعد دخول الإسلام إلى مصر يعملون كُجباة ضرائب وكَتَبة في الديوان الإسلامي، ثم تخلى جزء من الأقباط تدريجياً عن دينهم عندما تم اشتراط إجادة اللغة العربية للعمل في الديون، وهذا ما دفع المصريين إلى التخلي عن لغتهم، على عكس الأتراك والإندونيسيين الذين لم يتخلوا عن لغتهم عندما دخلوا الإسلام. ويضيف مُسعد شارحاً فكرته: "كان على مَن يعمل في الديوان أن يكون مسلماً. وهذا ما أدى – حسب تحليل الباحثة سيدة إسماعيل كاشف في كتابها عن الفتح العربي – إلى حدوث هوجة من الدخول في الإسلام. أما المسيحي الآخر الذي احتفظ بديانته وبلغته فقد انعزل، والعزلة أدت به إلى أن يحتمي بالكنيسة التي أصبحت ممثلة للجماعة القبطية."
ولكن إذا صدق هذا على ما حدث في القرن السابع الميلادي، فكيف يمكن تفسير سلبية الأقباط السياسية اليوم، لا سيما أن فترة العشرينات والثلاثينات والأربعينيات شهدت نشاطاً سياسياً ملحوظاً من جانب الأقباط أدى إلى وصول بعضهم إلى مناصب سياسية مثل بطرس غالي ومكرم عبيد؟ لماذا عاد المسيحيون المصريون وتقوقعوا على أنفسهم؟ يُرجع مؤلف رواية "بيضة النعامة" ذلك إلى موقف ثورة يوليو من الأقباط، ويرى أنها عمّقت عزلة الأقباط سياسياً. يقول مُسعد: "ابتداء من ثورة يوليو لم يعد الأقباط يتولون مناصب قيادية. عبد الناصر تنبه إلى هذه المسألة في النهاية وعيّن بعض الأشخاص الأقباط في مجلس الشعب. غير أن الأقباط تم استبعادهم من كافة المناصب القيادية السياسية والعلمية والثقافية."
الدولة المدنية هي الحل
ويرى الكاتب القبطي أن الحل على المدى البعيد يكمن في تقوية المجتمع المدني بحيث تكون الدولة، لا المؤسسة الدينية، مظلةً للجميع، ويضيف قائلاً: "أنا شخصياً أرى أن العلاج سيأخذ فترة طويلة جداً. لا بد في البداية أن نعترف أن التعصب، أو مظاهر التعصب قد زادت لدى الطرفين. ولكي نحل مشكلة التعصب لا بد من أن نقوي المجتمع المدني بشكل عام، وأن نقيم مجتمعاً لا تحكمه الشريعة، بل القوانين المدنية. على الدولة أن تقدم النموذج أو المثال؛ أي أن على الدولة أن تخلع العباءة الدينية الوهمية التي ترتديها وتزايد بها على الجماعات الإسلامية." ويعتقد مُسعد أن اعتماد نظام النسبة أو "الكوتا" لتمثيل الأقباط سياسياً، مثلما هو الحال في لبنان، قد يكون طريقاً للخروج من المشكلة الطائفية في مصر.
الكاتب: سمير جريس
مراجعة: منى صالح