الأكاديميون العراقيون في ألمانيا بين قرار العودة ومغريات البقاء
٢٠ فبراير ٢٠١٣تباينت آراء الأكاديميين العراقيين المقيمين في ألمانيا حول قرار العودة إلى بلدهم العراق. فبينما يرى حوالي نصف هؤلاء أن الوضع لا يشجعهم على العودة بسبب الفساد وتردي الوضع الأمني ونقص الخدمات الأساسية، يعتبر آخرون أن العراق بحاجة ماسه إلى الخبرات البشرية المقيمة في الخارج، وان من واجبهم العودة للإسهام في أعادة بنائه. هذا الاختلاف في الآراء جاء مطابقاً لنتائج بحث قامت به الجمعية الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) والمركز الدولي للهجرة والتنمية بالاشتراك مع جامعة فرانكفورت.
نصف الطلبة العراقيين يرغبون بالبقاء في ألمانيا
وطبقاً لنتائج البحث فان نصف المشاركين أعربوا عن أملهم بالبقاء في ألمانيا بعد إنهاء دراستهم، بينما عبر النصف الثاني عن الرغبة بالعودة إلى العراق بعد إنهاء الدراسة على حد قول كاسندرا كراوزه، الباحثة في جامعة فرانكفورت. وجاءت النتيجة مخالفة لتوقعات كاسندرا: "توقعت بأن يكون عدم الاستقرار عاملاً أساسياً في دفع العراقيين إلى عدم العودة، ولكن نصف المشاركين في الاستبيان قالوا ان هناك عوامل اجتماعية أقوى من عدم الاستقرار تدفعهم للعودة".
وهو الأمر الذي تؤكده الطالبة العراقية هند في جامعة آخن، فقد عبرت عن رغبتها بالبقاء في ألمانيا بعد إنهاء دراستها لأسباب اجتماعية بالدرجة الأولى، إذ ترى ان هناك هوة ثقافية بين البلدين، مضيفة: "أعتقد انه من الصعب علي كفتاة العيش في العراق بعد السنين التي قضيتها في ألمانيا". أما حيدر الذي جاء إلى ألمانيا لدراسة الحقوق فيود على العكس من هند العودة إلى بلده لأن العراق بحاجة ماسة لأبنائه في عملية البناء والتنمية.
إلا ان كاسندرا أشارات فيما يتعلق بالعودة إلى أن الكثير من الطلبة العراقيين يتمتعون بمنح الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي (DAAD) بالتعاون مع الحكومة العراقية، ووفقاً لشروط المنحة يلتزم الطالب بعد دراسته بالعودة إلى بلده من اجل المساهمة في تعزيز الحركة العلمية هناك. تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 784 طالبا عراقيا يدرسون في جامعات ومعاهد علمية ألمانية، اغلبهم يتمتعون بمنح دراسية مقابل ضمانات بالعودة إلى العراق والعمل في المؤسسات العلمية هناك.
دور بارز للفساد وتردي الوضع الأمني
غير أن الأسباب الاجتماعية لا تقف وحدها وراء عزوف العراقيين عن العودة إلى بلدهم، فقسم كبير منهم يرى أن أسباب العزوف تعود إلى تدهور الوضع الأمني خلال عهد النظام السابق وبعد سقوطه عام 2003. وفي هذا السياق يقول الدكتور فليجة الذي جاء الى ألمانيا عام 1978 للتخصص في جراحة العظام والمفاصل: "فكرت دوماً بالعودة ولكن عدم توفر الاستقرار الأمني في العراق كان أحد الأسباب التي منعتني من الرجوع". ويضيف فليجه: " الاطلاع على آخر البحوث الطبية والعلمية متوفر في ألمانيا أكثر من العراق، وهذا سبب آخر لبقائي هنا". وإلى جاء تدهور الوضع الأمني يلعب انتشار الفساد دورا هاما في الامتناع عن العودة. فقد جاء في بحث قام به مينديرس جاندان الباحث في جامعة مونستر والمهتم بشؤون الجالية العراقية في ألمانيا أن انتشار الفساد في أغلب مؤسسات الدولة يأتي في مقدمة أسباب امتناع العراقيين عن العودة.
تأثيرات إيجابية لهجرة الأكاديميين في الاتجاهين
غير أن جاندان يقلل من أهمية التأثيرات السلبية للعزوف عن العودة إذ يرى بأن لهجرة الأدمغة من العراق إلى ألمانيا تأثيرات إيجابية أيضا ليس فقط على البلد المستضيف، بل على البلد الأصلي كذلك، ويعود السبب برأيه إلى أن هذه الفئة من المهاجرين تمد جسور التواصل بين البلدين على جميع المستويات العلمية والاقتصادية والثقافية. ويقول منديرس في هذا السياق : "على عكس ما نسمعه من وسائل الأعلام عن العراق، فأن الأكاديميين العراقيين في ألمانيا يقدمون صورة مختلفة عن بلدهم من خلال المؤتمرات العلمية والثقافية". ويضيف الباحث: "علاوة على توجيه أنظار المنظمات الألمانية والدولية إلى العراق، فأن لهذه الصورة دور مهم في جلب المستثمرين الأجانب للبلد".
تجدر الإشارة إلى وجود ما يقارب 110 آلاف شخص من أصل عراقي في ألمانيا، وصلوا خلال فترات زمنية مختلفة اعتبارا من أوائل ستينات القرن الماضي، وقد حصل حوالي ثلاثون ألف منهم على الجنسية الألمانية.