"الإسلاموفوبيا ليست ظاهرة عامة في ألمانيا"
١٩ نوفمبر ٢٠٠٩ازداد مصطلح الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام في خضم تداعيات الاعتداءات الإرهابية الأليمة للحادي عشر من سبتمبر/ أيلول2001، خاصة وأن الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية الأخرى بعد تلك الأحداث، جعلت المسلمين يشعرون بأنهم مستهدفون، وتولد لديهم الانطباع أنه بات ينظر إلى كل واحد منهم "كإرهابي محتمل" وصارت قطاعات معينة من المجتمعات الغربية ترى في أي مسلمة محجبة علامة على انتمائها إلى توجه إسلامي متشدد، بل وصار كل شخص يحمل اسما عربيا أو إسلاميا موضوع حيطة وحذر.
وقد ساهمت العمليات الإرهابية التي تنفذها التنظيمات الإسلامية المتشددة في شتى أرجاء العالم ، في إشاعة أجواء الخوف وتقوية الانطباع لدى غير المسلمين، بأن الإسلام دين يميل إلى العنف، ولا يأبه بقتل الأبرياء، ولا يراعي حقوق الإنسان. وبذلك بات من غير الممكن لدى الكثيرين التمييز بين المسلم المتطرف وربما الإرهابي، وبين المسلم المعتدل فصارت النظرة إلى الإسلام يشوبها التعميم والأحكام النمطية.
"الإسلاموفوبيا ظاهرة جديدة على المجتمع الألماني"
الخبير فرنر شيفاور Werner Schiffauer، استاذ الانتربولوجيا الاجتماعية والباحث في شؤون الثقافات المقارنة في جامعة أوروبا فيادرينا بمدينة فرانكفورت/ أودر شرق ألمانيا، لاحظ في حديث أدلى به لموقع دويتشه فيله، تغييرا ملموسا في نظرة المجتمع الألماني للإسلام مقارنة بعقد التسعينات وذلك من خلال الحديث مع الناس و متابعة وسائل الإعلام، ورصد وجود "توجه يميل إلى جعل الإسلام مسئولا عن كل المشاكل". غير أنه أكد في الوقت ذاته على أن ظاهرة الخوف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا لا يمكن اعتبارها ظاهرة عامة في ألمانيا، ولكنها موجودة . وذهب الخبير شيفاور إلى وصف هذه الظاهرة "بالجديدة" على المجتمع الألماني، موضحا أنه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كان يُشار بالبنان إلى ما كان يسمى "طبقة العمال". وفي التسعينات كثر الحديث عن "الأتراك " دون الإشارة إلى أي دين. أما اليوم وعلى حد تعبير شيفاور فقد فصار المسلمون يقومون بهذا الدور كجماعة تُطلق عليها الأحكام المسبقة/ الكليشيهات بصورة ليس عادية على الإطلاق.
وقد زاد تواجد جالية مسلمة كبيرة في ألمانيا (خمسة في المائة من إجمالي تعداد سكان) من تفاقم مشاعر الخوف والحذر، خصوصا في ظل مشاكل الاندماج المرتبطة بهذه الجالية والتحديات التي تطرحها أحيانا على قيم المجتمع الألماني مثل قضايا الشرف و تعدد الزوجات، ووضع المحجبات في سوق العمل، ورفض بعض الأسر الإسلامية المحافظة مشاركة البنات في الحصص الرياضية كالسباحة، وأحيانا رفض حتى المشاركة في الرحلات المدرسية. إنها مواقف تعقد عملية الاندماج وتزيد من حذر فئات كثيرة من المجتمع الألماني تجاه كل ما له علاقة بالإسلام.
مقتل الشربيني أعاد الإسلاموفوبيا إلى الواجهة
حادث مقتل الصيدلانية المصرية مروة الشربيني في مدينة دريسدن على يد ألماني روسي المولد (من الأقلية الألمانية في روسيا) بدافع عنصري، سلط الضوء مجددا على موضوع الإسلاموفوبيا، خاصة وأن الحادث أثارت مشاعر الكثير من المسلمين في شتى أرجاء العالم لكون الجاني كشف عن مشاعر عداء شخصي للأجانب والمسلمين. وفي مرحلة أولى، ألقي اللوم على وسائل الإعلام الألمانية التي اتهمت بالتقاعس عن تغطية هذه الجريمة، في تجاهل تام لأهمية التداعيات التي أثارتها. وكان المجلسان المركزيان للمسلمين ولليهود في ألمانيا الجهتين الوحيدتين اللتين رفعتا صوتهما مبكرا وأدانتا العملية بوضوح.
ويرى فرنر شيفاور أن الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية المتعلقة بالنبي محمد في الدنمارك، والتي أثارت حفيظة المسلمين في العالم عام 2005، تطورت إلى أزمة كانت حكومات الدول الإسلامية طرفا في تضخيمها لخدمة مصالحها وكسب ود شعوبها، في حين كانت ردود الفعل إزاء حادث مقتل مروة الشربيني أكثر تحفظا على حد رأي شيفاور.
"التواصل مع المسلمين أفضل وسيلة لمواجهة الإسلاموفوبيا"
وردا على سؤال حول كيفية التعامل مع من يشعرون بالخوف من الإسلام قال فرنر شيفاور: "أنصح بالتزام الهدوء، فهو أفضل إستراتيجية. وإذا ما لمست، شخصيا كألماني، مثل هذا الشعور وسمعت تعليقات تتميز بالخوف من الإسلام، سأسأل هذا الشخص من أين جاءته تلك الانطباعات وإلى أي مدى تستند تعليقاته إلى معلومات وحقائق، لأدخل معه في حوار حول تلك الحقائق". وفي هذا السياق يرى شيفاور أن هناك مشكلة تتمثل في كون الأشخاص الذين تنتابهم مشاعر خوف أو عداء تجاه الإسلام، من النادر جدا أن يدخلوا في حوار مع المسلمين، لأن من مظاهر الخوف من الإسلام على حد تعبيره عدم وجود تواصل فعلي مع المسلمين مقارنا ذلك بظاهرة معاداة السامية التي تنتشر بين أفراد دون أن يكون لهم تواصل مع اليهود.
الكاتبة: هبة الله إسماعيل
مراجعة: حسن زنيند