الإغراء الموسيقي في الحملات الانتخابية الألمانية
١٩ سبتمبر ٢٠١٣يلوح آلاف المشجعين بأعلامهم وأوشحتهم ذات اللونين الأبيض والأحمر في الهواء. البعض الآخر يتوجه إلى الملاعب للاحتفال بالنصر، فيما تصدح مكبرات الصوت بمقاطع أغان ألمانية مشهورة مثل "أيام كهذه"، التي يرددها كل من في الملعب بابتهاج. وتعود الأغنية هذه إلى فرقة البانك روك الشهيرة "Die Toten Hosen" من مدينة دوسلدورف، ويتغنى بها مشجعو كرة القدم في نادي فورتونا دوسلدورف، الذي هبط إلى الدرجة الثانية مرة أخرى.
وقد احتلت هذه الأغنية في صيف 2012 صدارة قائمة الأغاني الأكثر استماعاً في ألمانيا لمدة خمسة أسابيع. لذلك، يحاول السياسيون الاستفادة من الأغاني واسعة الانتشار كهذه والتي تلقى مثل هذا الاهتمام وتوظيفها في حملاتهم الانتخابية، إذ يتم عزفها بين جمهورهم والعمل على خلق أجواء بهيجة لجذب الناس وكسبهم كناخبين محتملين. إلا أن هذا السلوك أغضب أصحاب فرقة "Die Toten Hosen"، الذين رفضوا أن يتم استغلال موسيقاهم لأغراض سياسية.
وقد علقت الفرقة على هذا الأمر في صفحتها على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، قائلة: "يسعدنا دائماً أن تكون موسيقانا حاضرة في المناسبات والمهرجانات وأن تصنع السعادة لمختلف الناس. لكن نرى أنه من الإجحاف وعدم الإنصاف أن تعزف موسيقانا في الحملات الانتخابية من أجل أهداف سياسية". وتتجلى مخاوف الفرقة من اعتقاد الناس بأن هناك رابطاً أو صلة بين موسيقاهم ومحتويات برامج الأحزاب السياسية التي تعزف موسيقاهم في حملاتها.
وعلى الرغم من هذا، لا تستطيع الفرقة ـ بحسب جمعية حقوق النشر والنسخ الموسيقية في ألمانيا GEMA ـ وقف هذه الأحزاب من استخدام موسيقاها، ذلك أن الاعتداء على حقوق الملكية يسري فقط إذا تم استخدام الموسيقى من قبل الأحزاب بشكل يجعلها كلحن تعريفي لحملتها الانتخابية. وتقول متحدثة باسم الجمعية: "لكن إذا كان استخدامها لا يعدو كونه موسيقى خلفية، لا نستطيع عندها القيام بأي إجراء قانوني".
ومن الأحزاب التي تستخدم أغاني هذه الفرقة في حملاتها الحزب الديمقراطي الاشتراكي SPD. وقد بررت ذلك الأمينة العامة للحزب، أندريا ناليس، على حساب الفرقة في "فيسبوك" بقولها: "نحن لم نشأ استغلالكم. لكننا نرى أن موسيقاكم رائعة جداً". وقد وعدت ناليس الفرقة بعدم استخدام موسيقاها في حملات الحزب الانتخابية، "لكن على الصعيد الشخصي سأستمر بسماعها".
مشاكل مع "رولينج ستونز"
حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي CDU أيضاً تم ذكره في الرسالة المفتوحة الموجهة من قبل فرقة "Die Toten Hosen". وقد دافع الحزب عن موقفه على لسان مكتبه الاتحادي بقوله: "إن البرنامج المنوع المخصص للحملة الانتخابية والذي يشمل أيضاً عرضاً لفرقة Coverband لم يتم به اختيار الموسيقى التي ستعزف في الحفل من قبل الحزب، وإنما من قبل الفرقة الموسيقية نفسها". لكن، ألا يملك الحزب فعلاً أي تأثير في اختيار الموسيقى التي ستعزف في حملته الانتخابية؟ لا يعتقد نيكو توم، الخبير الموسيقي في أكاديمية لوبيك للموسيقى، ذلك، مضيفاً: "لا أظن أن المنافسات المحترفة الحالية في حملات الانتخابات تعتمد على الصدفة فقط. لا أستطيع تخيل أن يتم اختيار موسيقى ما دون أن يكون هناك هدف واضح من استخدامها"
هذه ليست المرة الأولى التي تشتكي فيها فرق موسيقية من استخدام أغانيها في حملات الأحزاب الألمانية دون الرجوع إليها وأخذ موافقتها. فعندما فازت أنغيلا ميركل بمنصب المستشارة الألمانية سنة 2005، عزف حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي CDU أغنية "إنجي" لفرقة "رولينج ستونز"، ما أثار احتجاج فرقة الروك البريطانية. وقال متحدث باسم الفرقة آنذاك: "فوجئنا بهذا العمل وأصبنا بخيبة أمل لأنهم لم يطلبوا ذلك منا مقدماً". ويرى مؤلف سلسلة مجلدات "رولينج ستونز ورلد وايد"، كريستوف ماوس، أن الأغنية لا تناسب الحملة الانتخابية للمستشارة ميركل، مضيفاً: أولاً هي ليست أغنية سياسية وثانياً الفرقة أصلاً ميولها يسارية. ولهذا استخدامهم لهذه الأغنية يعطي انطباعاً وكأنهم يعملون دعاية للحزب الديمقراطي الاشتراكي SPD أو لحزب الخضر".
حلول محلية الصنع
وعلى الرغم من المشاكل المحتملة مع الحقوق القانونية للموسيقى وخطر إرسال رسالة خاطئة، إلا أن الموسيقى ستبقى عنصراً هاماً في الحملات الانتخابية. ويضيف الخبير القانوني نيكو توم: "أنا لا أدعي أن الناس سيشاركون في الحملات الانتخابية فقط من أجل الموسيقى. لكنهم إذا عرفوا أن هناك فرقة موسيقية مشهورة ستعزف في بداية الحملة أو في نهايتها، فإنهم على الأغلب سيبقون فترة أطول".
وعلى الرغم من ذلك يرى توم أن اختيار نوع الموسيقى مهم كي يعرف الناس ما ينتظرهم في الحملة. وكمثال على ذلك يذكر فرقة "سكا"، التي أحيت حملة انتخابية لحزب اليسار في مدينة لايبزيغ، موضحاً: "عندما يختار المرء موسيقى من هذا النوع، فإنه يخاطب شريحة معينة من المجتمع، ألا وهي شريحة الشباب التي تحب الرقص والاستمتاع بالموسيقى الحية". وإلى جانب أغاني البوب والروك المعروفة، تسعى الأحزاب أكثر وأكثر إلى تأليف أغان خاصة بحملاتهم الانتخابية.
فعلى سبيل المثال، فإن أغنية الحملة الانتخابية لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي لهذا العام من المنتج الموسيقي ليزلي ماندوكي، الذي سبق له أن عمل مع فنانين كبار مثل فيل كولينز. لكن ليست كل الأغاني الخاصة بالحملات تشكل ضمانة للنجاح، إذ إن أغنية الصيف الانتخابية "في كل يوم جديد" لم تحصد على موقع "يوتيوب" سوى التقييمات السلبية. ويتساءل البعض: "أين GEMA عندما يحتاج المرء إليها؟"، في إشارة إلى أن هذه المنظمة تحجب مقاطع كثيرة على "يوتيوب" بسبب مخالفتها لحقوق النشر والتوزيع.