الاتحاد الأوروبي بحث عن دور مفقود
٢٦ أكتوبر ٢٠٠٦تأتي زيارة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، خافير سولانا، إلى الشرق الأوسط في إطار الدور الذي يريد أن يلعبه الاتحاد الأوروبي في تنشيط عملية السلام المتجمدة في الشرق الأوسط. وهذه الزيارة تكتسي أهمية خاصة قي الوقت الذي تشهد فيه الأراضي الفلسطينية أزمة داخلية حول تشكيل حكومة وحدة وطنية وبرنامج عملها الذي يتزامن أيضا مع تصعيد إسرائيلي عسكري أدى إلى مقتل العديد من الفلسطينيين في بحر هذا الأسبوع. كما تأتي في توقيت انضم فيه حزب" إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف إلى الحكومة الإسرائيلية، الذي قد يغير من توجهات الحكومة الإسرائيلية التي قد تميل إلى اليمينية بشكل أكبر.
وفي معرض زيارة سولانا لإسرائيل سيلتقي مع كبار المسئولين الإسرائيليين للبحث في آخر المستجدات السياسية والتطورات الأمنية في المنطقة سواء على الصعيد الفلسطيني أو اللبناني بالإضافة إلى قضايا إقليمية أخرى. كما اجتمع اليوم سولانا اليوم مع رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتشدد، ليبرمان، في محاولة منه لاستجلاء مواقفه السياسية. ومن المنتظر أن يجتمع سولانا أيضا برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ويناقش معه آخر المستجدات على الساحة الفلسطينية. وكذلك سيلتقي بالمسئولين اللبنانيين والأردنيين والمصريين أثناء جولته الشرق أوسطية.
لقاء استكشافي مع ليبرمان
اعتبر سولانا أن لقاءه مع ليبرمان هو محاولة لمعرفة "الموقف السياسي" الذي يريد أن يتبناه. وعلق سولانا بعد لقائه مع ليبرمان الذي استغرق 30 دقيقة قائلاً: "اللقاء كان فرصة لتبادل الأفكار والآراء" وأضاف بأنه "لا يتفق مع الآراء التي يحملها ليبرمان." وكان سولانا قد قال قبيل لقائه ليبرمان:"سألتقي شخصا طالما اختلف معه سياسيا، ولكن ينبغي أن أتحدث مع الجميع ". كما أعرب سولانا عن أمله بالا يحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت "تغييرا في سياسته" جراء توسيع الائتلاف الحكومي. أما ليبرمان فقد قال بعد انتهاء محادثاته مع سولانا: "حاولت أن أوضح خطتي لسولانا وللأوروبيين".
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ان ليبرمان قد عرف بمواقفه المتشددة مع الفلسطينيين ومعارضته إجراء مفاوضات سياسية معهم قد تفضي إلى دولة فلسطينية مستقلة. كما بلغ به الأمر بالمطالبة ذات مرة بإنزال عقوبة الإعدام بحق من يلتقي بممثلين عن حماس من أعضاء الكنيست الإسرائيلي.
دور أوروبي متزن
لاشك أن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى المساهمة في الجهود الدولية لتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع في الشرق الأوسط، خاصة في ضوء الحرب الأخيرة على لبنان وتدهور الأوضاع الأمنية في العراق. ويضطلع الاتحاد الأوروبي بدور إيجابي في النزاع الشرق الأوسطي، سواء من خلال الجهود الدبلوماسية أو المساعدات الاقتصادية، فهو يعد المتبرع الأكبر للفلسطينيين. وللدور الأوروبي خصوصية معينة في التعاطي مع الملف العربي الإسرائيلي، إذ ليس ثمة خلاف في أن تمايزا واضحا بين الموقف الأمريكي والأوروبي، الذي يتبنى نهجا أكثر موضوعية وحيادية منه من الموقف الأمريكي. وقد ينبع هذا الموقف الأكثر اتزانا بحكم الجوار الجغرافي والتاريخي والمصالح المشتركة التي تحكم العالم العربي وأوروبا.
ولذا لطالما أن اصطدم الدور الأوروبي بالموقف الإسرائيلي الرافض لحضوره القوي في المنطقة والانخراط المباشر في عملية السلام، إذ ينظر إلى مواقف الاتحاد الأوروبي عند الإسرائيليين بأنها غير نزيهة وأنها أكثر انحيازاً إلى الجانب العربي. كما أن الولايات المتحدة بدورها تحاول "تهميش" الدور الأوروبي بحيث لا يشكل الاتحاد الأوروبي منافسا للدور الأمريكي في المنطقة، وهو ما قد يعيد خلط الأوراق الجيوسياسية في هذه المنطقة الهامة إستراتيجيا.
تباين المواقف الأوروبية
على الرغم من كل المواقف التي تسمع من الاتحاد الأوروبي والتي قد توصف في كثير من الأحيان بالخجولة، خاصة في توجيه النقد للسياسة الإسرائيلية، إلا أن هذا العملاق الاقتصادي لم يستطع أن يسبح في فضاء سياسي خاص به بعيدا عن المدار الأمريكي، فهو يقترب تارة من هذا المدار ليبتعد عنه تارة أخرى. ولعل أكثر المواقف تمثيلا لذلك طبيعة تعامله مع الحكومة الفلسطينية المنتخبة ديمقراطيا والتي تقودها حماس، وتعليقه المساعدات المباشرة لتلك الحكومة. كما كانت الأزمة اللبنانية الأخيرة محكا آخر لسياسة الاتحاد الأوروبي، لأنه فشل في بلورة موقف مستقل بناء تجاهها.
ورغم أن خمسا وعشرين دولة تندرج تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك فوارق واضحة في مواقفها السياسية، الأمر الذي ينعكس على تأثيرها في رسم مجرى الأحداث الدولية. فمثلا الحرب على العراق وانقسام الأوروبيين حولها جعل بعض الناس من يتحدث عن "أوروبا العجوز"، نظرا لقيادة المحور الفرنسي- الألماني للموقف الرافض لها. كما أن التباينات بين دول الاتحاد الأوروبي من الصراع الشرق أوسطي تبدو جلية، فمثلا ألمانيا وبحكم ماضيها التاريخي مازالت تعتبر الحفاظ على وجود إسرائيل وأمنها أولوية في سياستها الخارجية، في حين فإن الموقف الفرنسي يتسم بنوع أكثر من الاقتراب الموضوعي لأطراف النزاع كافة.
الموقف الأوروبي في الميزان
ترى الباحثة موريل أسيبورغ، من مؤسسة العلم والسياسة SWP في برلين، بأن اختلاف الرؤى وتباين المواقف بين دول الاتحاد الأوروبي يقف حائلا أمام تحقيق رؤية أوروبية مشتركة، تجعل من الثقل الاقتصادي أن يجد له صدى وترجمة سياسية حقيقية. كما أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع أن يكون محركا حقيقيا لعملية السلام رغم تلك الجهود الكبيرة التي يبذلها والزيارات المكوكية لمسئوليه، بل يظل قاصرا عن إحداث اختراق حقيقي في المسار السياسي دون الغطاء الأمريكي. ولكن من ناحية أخرى، فإن اختلاف المواقف العربية وغياب استراتيجية واضحة المعالم في التعاطي مع قضية السلام والقضايا الإقليمية وملف الإرهاب الإقليمي والعالمي وتعقيداته تعمل أيضا على الحد من حركة نشاط الاتحاد الأوروبي بشكل فاعل والعمل على إطلاق يده في إطار عملية سلام شاملة.