كيف يمكن سد فجوة الانبعاثات وإنقاذ الأرض؟
٣ نوفمبر ٢٠٢١في ظل تحذيرات الأمم المتحدة في حدوث فجوة هائلة في الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، يملك زعماء العالم المجتمعين في قمة المناخ الفرصة لوضع سياسات من شأنها وقف تفاقم التداعيات الخطيرة لظاهرة التغير المناخي والحيلولة دون انهيار النظم المناخية أكثر وأكثر.
وحذر تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن الفجوة في الانبعاثات بين ما تقوم به دول العالم لإبطاء الاحتباس الحراري وما يجب عليهم القيام به سوف تصل إلى حوالي 28 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا بحلول عام 2030.
وأضاف التقرير الذي صدر الأسبوع الماضي من أن هذه الفجوة الكبيرة في الانبعاثات كفيلة لزيادة متوسط درجة الاحترار العالمي بمعدل 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.
تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة
ومن شأن ذلك أن يخالف الوعد الذي قطعه قادة العالم على أنفسهم خلال مؤتمر باريس للمناخ عام 2015 بالحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة في محاولة لإنقاذ كوكب الأرض من ظواهر الطقس المتطرفة غير المسبوقة مثل موجات الحرارة والأعاصير.
بيد أن الواقع جاء متناقضا لمثل هذه التعهدات إذ لا تزال حكومات الدول المبرمة لاتفاقية باريس تمضي قدما في حرق المزيد من الفحم والنفط والغاز فيما يتوقع أن يتجاوز العالم هذا المعدل في وقت مبكر من العقد المقبل.
وفي ذلك، قالت إنغر أندرسن المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه من أجل إيجاد فرصة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية "لدينا ثماني سنوات لوضع الخطط ووضع السياسات موضع التنفيذ وتنفيذ التخفيضات في نهاية المطاف. إن الساعة تدق بصوت عال."
كيف يمكن الحد من الاحترار العالمي؟
شددت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التي تُعرف اختصارا بـ (IPCC) على ضرورة خفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة 45٪ تقريبا عن مستويات عام 2010 بحلول عام 2030. وأضافت الهيئة أنه بحلول عام 2050 يتعين أن نصل إلى الحياد الكربوني.
وقد يمكن الوفاء بهذا الأمر مع الحفاظ على وتيرة التنمية الاقتصادية واستقرار أسواق الطاقة بأسعار مقبولة وذلك وفقا لخارطة طريق نشرتها وكالة الطاقة الدولية في مايو / أيار تتألف من 400 نقطة.
وقال الخبراء الذين قاموا بوضع هذه الخارطة إن بلوغ الحياد الكربوني بحلول عام 2050 لا يتطلب سوى "التحول الكامل في نظام الطاقة العالمي"، لكن كيف يمكن تحقيق هذا؟
مصادر الطاقة البديلة
أشار التقرير إلى أن التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة يعد بمثابة حجر الأساس في هذا الأمر، مضيفا أن يعني ذلك عدم المواقفة على إنشاء المزيد من حقول النفط والغاز ومناجم الفحم.
وقال التقرير إنه سيتم التخلص التدريجي من جميع محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم والنفط بحلول عام 2040 بما يشمل ذلك المحطات التي لا يمكن التقاط انبعاثاتها بشكل مباشر.
وبدلا من ذلك، ستصبح الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مصدرين رئيسيين لإنتاج الطاقة الكهربائية بحلول عام 2030 إذ ستوفران ما يقرب من 70 بالمائة من احتياجات البشر من الكهرباء بحلول عام 2050.
وسوف يتضاعف استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء بحلول عام 2050 لتوفر قرابة 10٪ من إجمالي احتياجات البشر من الطاقة الكهربائية. وسوف يمهد هذا التحول الطريق أمام الدول الغنية لإنتاج إجمالي احتياجاتها من الكهرباء من مصادر منخفضة الكربون بحلول عام 2035 مع توقعات بانضمام باقي دول العالم بعد خمس سنوات.
وسيعني هذا وقف استخدام الفحم الملوث للبيئة كمصدر للطاقة في الهند التي تعد ثاني أكبر سوق للفحم في العالم وثالث أكبر مستهلك للكهرباء.
أما في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى فسوف يعني هذا وقف الاستثمار في البنية التحتية المسببة لتلوث المناخ. وفي ذلك، قال عاموس مانيا - الباحث في مجال الطاقة في مركز أبحاث المناخ والطاقة Power Shift Africa ومقره كينا – إن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة قد يمثل الحل للمجتمعات الريفية المحرومة من الكهرباء في إفريقيا. وأضاف أن أهداف التنمية المتمثلة في خفض الانبعاثات سوف تسير جنبا إلى جنب مع جعل هذه الدول أكثر قدرة على مواجهة الأحوال الجوية القاسية.
وسائل النقل
لا تزال وسائل النقل المختلفة تلوث المناخ بشكل مرتفع رغم أن بعض بلدان العالم تمكنت من خفض إجمالي انبعاثاتها بشكل أساسي عن طريق تقليل اعتمادها على الفحم.
وفقا لخارطة الطريق التي وضعتها وكالة الطاقة الدولية، فإنه يتعين على العالم وضع نهاية لبيع السيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل بحلول عام 2035 فيما سوف تستخدم الشاحنات الثقيلة الوقود الحيوي على المدى القصير قبل أن يتم تشغيلها عن طريق الكهرباء والهيدروجين بحلول عام 2030.
وبحلول منتصف القرن، فإن معظم السيارات ستعمل عن طريق الكهرباء أو خلايا الوقود.
وفيما يتعلق بالنقل الجوي، تعد الطائرات أيضا مصدرا لتلوث المناخ ونظرا لعدم وجود بديل للنقل الجوي يكون صديقا للبيئة فإن البديل قد يكمن في ضخ المزيد من الاستثمارات في تطوير قطاع السكك الحديدية وتقليل الضرائب على الرحلات التجارية للحد من الطلب على النقل الجوي سواء للنقل او للسفر.
يشار إلى أنه بحلول عام 2050، سوف تعتمد الطائرات على الوقود الحيوي منخفض الكربون والوقود الاصطناعي للسفر لمسافات طويلة دون تلويث الغلاف الجوي.
أما النقل البحري، فقد ذكر التقرير أن السفن وغيرها ستكون من بين وسائل النقل الوحيدة التي لا يُتوقع أن تصل إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن.
ورغم ذلك، يمكن التقليل من حدة التلوث الناجم عن السفن وغيرها من وسائل النقل البحري عن طريق تعزيز قدرتها على استهلاك الوقود بشكل أقل إذا تم بناؤها وتشغيلها بكفاءة أكبر فيما قد يتم استخدام مادة الأمونيا في تشغيل السفن العابرة للمحيطات.
تقليل الانبعاثات الصادرة من المباني
يتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الأبنية وغيرها من أماكن العيش بنسبة 75 بالمائة بحلول عام 2050 ما يعني تزايد الطلب على شراء واستخدام أجهزة التكييف خاصة مع توقعات بارتفاع درجات الحرارة كإحدى تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري.
ورغم ذلك، يوجد طريق يمكن من خلالها تقليل الانبعاثات الصادرة من المباني بنسبة 95 بالمائة خلال الفترة الزمنية ذاتها لا سيما عن طريق ترشيد استخدام الطاقة والاعتماد على التكنولوجيا الحالية مثل المضخات الحرارية الصديقة للبيئة وأيضا تصميم مباني تحافظ على البرودة داخلها دون الحاجة إلى الاعتماد على أجهزة تكييف وغيرها.
وقد أشارت خارطة الطريق التي وضعتها وكالة الطاقة الدولية إلى تطبيق هذا المسار على أرض الواقع قد بدأ فعليا إذ يُجرى تركيب 1.5 مليون مضخة حرارية شهريا، لكن يتعين ارتفاع هذا العدد إلى خمسة ملايين بحلول عام 2030 وعشرة ملايين بحلول عام 2050.
وبحلول عام 2050، ستوفر المضخات الحرارية أكثر من نصف الطلب العالمي على أجهزة التدفئة فيما سيتعين وقف بيع الغلايات التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2025.
خفض الانبعاثات الناجمة عن الصناعات
أما فيما يتعلق بالمصانع، فسوف تستخدم المئات من المصانع الهيدروجين لصنع منتجات خالية من الانبعاثات مثل الفولاذ فيما قد تساهم التكنولوجيا الحديثة التي توفر الحرارة الشديدة المطلوبة في التصنيع في خفض الانبعاثات الناجمة عن الصناعات الثقيلة إلى النصف بحلول عام 2050.
وفي الوقت الذي توفر خارطة الطريق التي وضعتها وكالة الطاقة الدولية كافة الطرق لخفض وتيرة الانبعاثات، إلا أن هذا لا يمثل الحل الأمثل لخفض الانبعاثات إذ أن هناك طرق أخرى يتعين المضي قدما في تطبقيها، وفقا لما أشار إليه جويري روغيل - عالم المناخ في مركز السياسة البيئية في إمبريال كوليدج في لندن.
وفي ذلك، قال روغيل إن أي خطة لإزالة الكربون من الاقتصاد تتطلب تغييرات كبيرة ورئيسية على سبيل المثال التوسع السريع في استخدام الطاقة المتجددة والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بشكل حاسم ووضع نهاية للقطع الجائر لأشجار الغابات وخفض الانبعاثات من النظام الغذائي.
وأيا كانت الطرق أو السبل لخفض الانبعاثات، فإن من الواضح أنه كلما تسارعت وتيرة خفض الانبعاثات، كلما كان من السهل التحكم في درجات الحرارة والحد من الاحترار العالمي.
وفي هذا السياق، أكد عاموس ويمانيا على أن تحقيق هدف الحد من الاحترار بحدود 1.5 درجة مئوية ليس بالأمر السهل، لكن لا يزال ممكنا، بيد أن الأمر "يتطلب قرارات ملموسة وشجاعة".
أجيت نيرانجان / م ع