البحرين وقطر - معاناة أجانب بسبب منعهم من السفر
٨ يناير ٢٠١٤أمله الكبيرمنذ حوالي عامين هو العودة إلى بلاده ولقاء أسرته وأهله وأصدقائه. المتحدث هو رجل الأعمال الألماني يورغين تسيبل، البالغ من العمر 48 عاما. منذ مايو/ أيار عام 2012 وجد نفسه "ممنوعا من مغادرة البحرين دون حكم قضائي في حقه ودون الامتثال للقضاء البحريني". ومنذ ذلك التاريخ وهو يعيش في غرفة مستأجرة في ضواحي مدينة المنامة من المساعدات الاجتماعية التي تقدمها السفارة الألمانية له هناك. في حوار مع DW /عربية يصف السيد تسيبل عبر الهاتف وضعه الصحي والمعنوي ب "سيء جدا". ويقول: "أعاني من حالة اكتئاب إلى درجة أنه يتعين علي أحيانا تناول أدوية. كما أني فقدت الرغبة في فعل أي شيء بعد أن تملّكتني حالة من الحزن الشديد. وعندما أسترجع بعضا من الأمل، فأنني أشغل نفسي بالكتابة في مدونتي الخاصة أو في مطالعة ما أحصل عليه من كتب ومجلات وغيرها. وأحيانا أحاول البحث عن عمل حتى أتمكن من الخروج من حالة الفراغ من جهة، وكسب قوتي، من جهة أخرى."
"سجين في جزيرة دون حكم قضائي"
أما عن حظر السفر عليه فقد تم ذلك بعد أن تقدمت شركة كويتية بقضية ضد شركة يوجد مقرها في البحرين وعجزت عن الإيفاء بالتزاماتها. وكان يورغين تسيبل يعمل فيها كمدير تنفيذي. ويوضح تسيبل أن استصدار قرار حظر السفر عليه جاء بعد تركه العمل في تلك الشركة. "لقد عملت لمدة أربعة أشهر كمدير تنفيذي للشركة التي يملكها مواطن ألماني أيضا متهم بإصدار شيكات بدون رصيد وهو أيضا ممنوع من السفر بصفته صاحب الشركة. غادرت الشركة في نهاية عام 2011 وسافرت إلى ألمانيا للعمل في مشروع آخر. وعندما عدت إلى البحرين في مايو/ أيار 2012 صدر ضدي قرار منع سفري لأن مالك الشركة لم يقم بمحو اسمي كمدير تنفيذي من السجل التجاري للشركة لدى السلطات البحرينية."
ويأمل تسيبل في أن "تتمكن العدالة في البحرين من توضيح الأمور في القريب العاجل "، مؤكدا على أنه "بريء من كل ما نُسب إليه من اتهامات وأن لا علاقة له بما فعله مالك الشركة" ويضيف أن محاميه البحريني قدم جميع الحجج والبراهين التي تثبت ذلك. "فالمحاكمات هناك تدوم طويلا جدا. وأنا هنا منذ نحو سنتين ولم يتم بعد تقديمي لأية محكمة. وأخشى أن أظل عالقا هنا لفترات أطول". ويلاحظ المتحدث أن الأمر يتعلق بقضية ضد أجنبي، وقد يطول الأمر إلى 15 عاما قبل البت فيها وبالتالي السماح له بمغادرة البلاد.
"أخشى أن أبقى عالقا دون محاكمة لسنوات أخرى"
بصرف النظر عن أنه لم يتمكن من رؤية أهله منذ سنتين تقريبا، فإنه لم يتمكن من الحصول على وظيفة بعد أن "قدم أكثر من مائة طلب للعمل لدى شركات مختلف ". ويضيف أن مجال تخصصه العملي هو "تطوير مسار الأعمال" وهذا الأمر "يقتضي أن يسافر ويربط علاقات مع شركات وعملاء تجاريين في مناطق مختلفة من العالم، بيد أن حظر السفر المفروض عليه يحول دون الحصول على وظيفة ما في مجال تخصصه". ويؤكد يورغين تسيبل على أن قدومه إلى البحرين لم يكن بدافع مادي بالدرجة الأولى وإنما لأن الثقافة العربية استهوته وأثارت اهتماهه. "التحديات هناك كبيرة جدا"، كما يعرب عن أمله في أن يجد مطلبه الخاص بالبت سريعا في قضيته آذانا صاغية لدى السلطات البحرينية. ولم يتسنى لـ DW/عربية الحصول على موقف السلطات البحرينية من قضية يوغين تسيبل، رغم محاولات الاتصال بها في هذا الموضوع.
ليس وضع يورغن تسيبل وضعا استثنائيا في دول الخليج بصفة عامة، علما أن البحرين تعد من أكثر الدول انفتاحا في المنطقة. فقوانينها ملائمة للقانون الدولي بشكل أكبر، مقارنة بجيرانها، وهي، وفق حقوقيين، الدولة الخليجية الوحيدة التي ألغت نظام الكفالة وحظرت نظام الاحتفاظ بجوازات سفر المستخدمين. قبل أربع سنوات عاشت الصحفية الألمانية هايدي تيمان حالة مماثلة في قطر.
سنوات التعاسة
"كانت الثلاث سنوات ونصف السنة هناك أتعس وأسوأ سنوات عشتها في حياتي!"، هكذا تصف هايدي تيمان، فترة حياتها وإقامتها في قطر. تيمان، ذات الستين عاما، عاشت هناك على مدى سنتين "كرهينة". وتضيف أنها " فقدت خلال إقامتها في قطر كل ما ادخرته من مال وتأمينات لمعاشها بعد التقاعد. وعادت إلى ألمانيا بعد أن فقدت كل ما تملكه، وهي تحاول كسب قوتها في الستين من العمر.
عن معاناتها تقول تيمان،"كانت البداية عندما التحقت في أبريل/ نيسان عام 2006 بقناة الجزيرة الفضائية بهدف التحضير لإطلاق القناة الناطقة باللغة الانجليزية" وفي جيبها سنوات طويلة من الخبرة في المجال الإعلامي ومعرفة كبيرة بالثقافة العربية ، حيث إنها عاشت لفترات طويلة في المغرب ومصر.
"في البداية لاحظت اختفاء بعض الزملاء بين عشية وضحاها، حيث ظلت أماكنهم شاغرة ولم أكن أعرف السبب." "بعدها علمت أن بعضهم أجبر على مغادرة البلاد في غضون أسبوعين، رغم أن لديهم عقود عمل صالحة. وفي أحيان أخرى سمعت أن البعض تعرض للاعتقال. ولم أكن أفهم شيئا عن الأسباب والدوافع ولا عن ظروف ترحيلهم أو اعتقالهم." وتضيف هايدي تيمان: "وفي السادس من شباط/ فبراير عام 2007 جاء دوري وطُلب مني مغادرة مكان عملي على الفور دون تبرير أو إعطائي حقوقي كما يضمنها عقد العمل الذي وقعته مع القناة لمدة سنتين وبموجبه يتعين دفع راتبي لمدة 14 شهرا."
"نظام الكفالة سلب حريتي واستعبدني"
وتوضح أن رفض رب العمل القيام بذلك دفع بها للجوء إلى القضاء القطري. وإلى حين البت في قضيتها بحثت هايدي تيمان عن عمل جديد حتى تتمكن من سداد تكاليف العيش الباهظة في قطر، خاصة وأن "كفيلها" قناة الجزيرة لم تسمح لها بمغادرة البلاد. وتروي أنه بمساعدة السفارة الألمانية وبمساعدة المستشار القانوني للشيخة موزه، والدة أمير قطر الحالي، تمكنت من الحصول على راتبها لمدة ثلاثة شهور فقط وعلى رسالة تسمح لها بالعمل لدى "كفيل آخر" في قطر.
وهو ما فعلته هايدي تيمان على حد قولها وانتقلت للعمل في مصلحة الإعلام لدى الرابطة القطرية لكرة القدم. ولكن وبعد ثلاثة أشهر تغير رئيس الرابطة ومعه توقف راتبها لتلجأ إلى القضاء مرة أخرى وتبدأ معاناة طويلة تمثلت في تجميد حسابها البنكي ومنعها من مغادرة البلاد لسنتين. وبعد عناء وجهد كبيرين وبمساعدة السفير الألماني آنذاك تمكنت أخيرا من الحصول على تصريح بمغادرة البلاد من كفيلها لتعود نهاية الأمر إلى ألمانيا في 22 من سبتمبر/ أيلول عام 2009، منهكة ومثقلة بديون وخسائر قدّرتها ب150 ألف يورو. وتقول تيمان إن الأكثر مرارة أن "تعيش لفترة طويلة تحت نيران نظام الكفالة الذي سلبها حريتها واستعبدها دون الحصول على أدنى حقوقها."
مع الإعلان عما تعرض له لاعب كرة القدم الفرنسي ذو الأصل الجزائري زاهير بلونيس، الذي عجز طوال سنة عن مغادرة قطر بسبب عدم حصوله على إذن بالخروج، لم تعد قصة الصحفية الألمانية هايدي تيمان بالأمر الفريد. وتقول إنها تسعى جاهدة لكشف النقاب عن "نظام الكفالة الذي ينتهك حقوق العامل الوافد مهما كانت جنسيته ويضعه تحت رحمة كفيله." وتشير إلى أن هناك الكثيرين في قطر وغيرها من دول الخليج، التي تعتمد نظام الكفالة وحظر السفر، لا زالوا يعانون في صمت.
"شكل من أشكال العبودية الحديثة"
وبالفعل فقد أثارت تقارير إعلامية أوروبية في الفترة الأخيرة حول وضعية العمال الأجانب القادمين من دول آسيوية، مثل نيبال والهند في قطر جدلا على الصعيد الدولي حول نظام الكفالة المعتمد في هذه الإمارة الخليجية. ووصفته المنظمات الحقوقية على غرار العفو الدولية بأنه شكل من "أشكال العبودية الحديثة" وأنه "يحفز على التجاوزات والاستغلال".
وفي رده على الانتقادات اللاذعة التي وجهتها المنظمات الحقوقية لقطر حول نظام الكفالة قال حسن الذوادي، رئيس اللجنة القطرية المشرفة على الاستعدادات لكأس العالم 2022، في تصريح للقناة الألمانية الثانية منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول المنصرم اعتبر الأخير أن "نظام الكفالة في قطر يضاهي قانون الإقامة في دول أخرى وهناك قوانين تحدده".
وكانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية القطرية قد أعلنت عن تكليف شركة محاماة عالمية مستقلة للتحقيق في "الادعاءات" التي لحقتها بشأن سوء أوضاع العمال الوافدين الذين يشتغلون في مشاريع بطولة كأس العالم التي ستستضيفها قطر عام 2022.