التطرف يهدد الإسلام المعتدل والصوفية التقليدية في السنغال
٢٨ مايو ٢٠١٦يدين 90% إلى 95% من سكان السنغال بالإسلام والذي يتميز بإتباع الطرق الصوفية. وقد دخل الإسلام إلى السنغال في العصور الوسطى بشكل سلمي وعلى دفعات. والسنغال من الناحية الاجتماعية الثقافية شكل امتدادا لدول المغرب ومنطقة جنوب الصحراء. والتطورات التي شهدها العالم العربي في السنوات الأخيرة ساهمت في انتشار الإسلام المتطرف وسوف تؤثر على السنغال. فكيف ستنتهي المواجهة بين الإسلام المعتدل والتيارات المتشددة في منطقة الساحل؟
أزمة مالي والتغيرات الجيوسياسية أعطت لمحة عما قد تؤول إليه الأمور في المنطقة. لذا يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن "الإسلام السنغالي" قد يتعرض لضغوط التطرف.
حتى الآن هناك أقلية تحمل أفكاراً متطرفة، لكن الجماعات المتطرفة ترى في الطرق الصوفية عقبة أمام تطبيق "المجتمع الإسلامي الحقيقي". والإسلام بالنسبة لغالبية السنغاليين هو "دين السلام والتسامح والحوار"، وهذه الغالبية ترفض الجهاد الذي تنادي به جماعة "أنصار الدين"، التي شاركت في الهجوم على تيمبكتو.
زحف التعصب الديني
لكن خطاب الدعوة للجهاد يجد مع ذلك آذانا صاغية بين أفراد من مختلف فئات المجتمع السنغالي وخاصة بين الشباب المهمشين المقيمين في أطراف المدن. ورويدا رويدا ينتشر التطرف الديني. لكن غالبية السنغاليين لا يرون ذلك ويعتقدون أنه لا يمكن مقارنة بلادهم بدولة مالي، ويأملون أن تحميهم الطرق الصوفية من التطرف. وكثيرون يرون فيها حصنا منيعا ضد تأثير المتطرفين. وحتى قيام متظاهرين بحرق أنفسهم في عهد الرئيس السابق، بات طي النسيان وكذلك أحداث العنف أثناء انتخابات عام 2012، الأمر الذي يرى فيه البعض مؤشرا على قدرة المجتمع على التعامل مع العنف ورفضه.
يوجد في السنغال تيارات إسلامية متطرفة مثل الإخوان المسلمين والوهابية السلفية منذ ثمانينات القرن الماضي، وكلاهما يرفض الطرق الصوفية ويعتبرها "تشويها للإسلام النقي"، الذي ينادون بتطبيقه. وهذا الموقف تؤمن به أيضا جماعات "التكفيريين"، الذين يعتقدون امتلاكهم للإسلام الصحيح ويعتبرون كل من ليسو مثلهم "منحرفين" و "كفار".
تتم مهاجمة سلوكيات تعتبر في نظر هذه الجماعات غير إسلامية وكذلك مهاجمة كل ما يمت إلى الغرب بصلة أو مستوحى من الغرب. والدولة العلمانية تتحول إلى هدف لهجوم الخطاب الإسلامي المتطرف. وجود القواعد العسكرية الأجنبية والممثليات الدبلوماسية في البلاد هو سبب كاف كي تجد السنغال نفسها مهددة من الحركات الجهادية.
ضغوط على التقاليد المحلية
تهمل الدراسات الحديثة عن الإسلام في السنغال التغير الذي شهده الخطاب الديني منذ السبعينات: آنذاك نشأت فكرة "الوعي الإسلامي". وقد سبق ذلك نخبة من الذين تعلموا اللغة العربية في جامعات عربية وإسلامية. هذه النخبة ناضلت ضد سيطرة الفرنسيين، وانتشرت أسطورة الوعي الإسلامي في جميع شرائح المجتمع وحتى في الطرق الصوفية. وكان الهدف هو تقوية شعور التضامن بين المسلمين بأن جميع المسلمين هم أمة واحدة عابرة للانتماءات القومية. وهذا الشعور يقتضي وجود تضامن تلقائي.
وفي الأثناء تحولت فكرة "الوعي الإسلامي" إلى تيار سياسي يشمل إيديولوجيا غريبة مثل السلفية والوهابية وحتى الجهادية أحيانا. وبعض الذين أصيبوا بخيبة أمل من الصوفية، لأن بعض الطرق وجدت نفسها أحيانا في علاقات سياسية معقدة، التفوا حول إسلام يطرح نفسه على أنه "حديث وعقلاني"، لكنه رجعي تماما. وهذا التيار يجد أتباعا له حتى بين النخبة المثقفة، وهو تيار قابل للتأثر بمتطلبات الإسلام العالمي. وهو يأتي بتسميات عن مؤمنين لا يتبعون أي دولة يمكن على أساسها استقطاب وتجنيد أشخاص للجهاد العالمي بما في ذلك تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بذكاء لتحسين صورتها.
حاليا لا تزال الصوفية تلعب دور الحصن ضد أشكال التطرف الإسلامي، لكن الجهات الإسلامية الفاعلة وإيديولوجياتها تتخطى حدود الدول أكثر فأكثر وتلعب في السنغال دورا متزايدا. ويتجلى هذا في التوترات المتزايدة بين التدين التقليدي من جهة وبين التأثيرات الراديكالية العالمية في منطقة الساحل بحدودها ذات الثغرات الكثيرة، من جهة أخرى.
*بكاري سامبي هو مدير معهد تيمبوكو ـ مركز إفريقيا لبحوث السلام، منسق في وحدة متابعة التطرف والصراعات الدينية في إفريقيا. ومؤلف كتاب حول بوكو حرام كمشكلة نيجيرية وإقليمية.