التوعية والقوانين تنجح في مكافحة ختان النساء في ألمانيا!
٨ مارس ٢٠١٧دخلنا مقر ناد عربي في حي "نوي كولن" في العاصمة الألمانية برلين، لنلتقي هنالك بشابتين مصريتين، سامية وسارة (إسمان مستعاران) اللتين ولدتا وترعرعتا هنا في برلين؛ لكن ذلك لم يحمهما من التعرض لعملية ختان في مصر قبل بضع سنوات. وتقول سامية متذكرة تلك اللحظات المؤلمة، وكانت حينها طفلة "كنت أشعر بالرعب حينما كانت خالتي وأمي تضغطان على رجلي والجزء العلوي من جسمي، كل واحدة من جهة". إنها صورة مرعبة لا تزال عالقة في ذهنها "لن أنسى ما حييت ذلك اليوم المشؤوم. قبل أن يشرع الطبيب في ختاني، قامت ممرضة بتخديري بحقنة مخدرة". ولم تشعر سامية (16 عاما الآن) بحالها إلا حينما انتهى مفعول المخدر واستيقظت من نومها العميق. وتضيف بأنها خضعت لتشويه جسدها وهي في التاسعة من عمرها، حينما قرر أهلها قضاء العطلة الصيفية في الصعيد المصري بدون التلميح لا من قريب ولا من بعيد إلى ختانها.
سارة كانت هي الأخرى ضحية تشويه جنسي، حسب تصنيف القانون الألماني لختان النساء الذي يمنعه منعا باتا. وتقول الشابة سارة (17 عاما الآن) لـ DW عربية وهي منكمشة على نفسها "كنت في العاشرة حينما جاء طبيب يحمل حقيبة صغيرة بها معداته الطبية. لقد كنت مثبتة على الأرض وكانت والدتي وجدتي تمسكان جسدي بقوة حتى يتمكن الطبيب من حقني بإبرة مخدرة جعلتني أغرق في نوم عميق". وعلى غرار سامية لم تشعر سارة بما حل بها إلا حينما استيقظت والآلام تمزق جسدها.
فصل الصيف كابوس مرعب
فصل الصيف، يبدو أنه الفصل المفضل لدى الأهل لختان ابنتهم وهي لا تزال في مرحلة الطفولة، حيث العطلة الصيفية والوقت الكافي لتعافى الضحية قبل عودتها إلى المدرسة. وفي الوقت الذي تدخل العطلة الفرحة إلى قلوب الأطفال واللعب والمرح والسرور بعيدا عن قاعات الدراسة والواجبات المدرسية، فإن فتيات مثل سارة وسامية يصارعن الألم الجسدي والنفسي بسبب عملية الختان. وأثناء الحديث معهما كان الحزن باديا على ميحاهما، وأشارتا في حديثهما لـ DW عربية إلى أن أعمار الفتيات اللواتي يخضعن للختان تتراوح بين التاسعة والثانية عشرة عاما.
إلى جانب المؤسسات الرسمية التي تقوم بتوعية الأهالي بخطورة الختان على حياة بناتهم، هنالك ناشطون وناشطات في نواد وجمعيات ثقافية واجتماعية عربية تقوم بتوعية الفتيات وأولياء الأمور حتى يتجنبوا أذى بناتهم.
النادي السوداني في حي فيدينغ في العاصمة برلين، يمنح ظاهرة الختان جزء هاما من برنامج عمله السنوي، حيث يقوم بحملة توعية لدى الأولياء. ويقول أمير أسعد، الناشط في النادي السوداني لـ DW عربية "نقوم باستدعاء أخصائيين وأخصائيات من الأطباء والطبيبات ومدرسات وناشطات يدافعن عن حقوق المرأة... للحديث عن عيوب ومخاطر الختان والتداعيات الجسدية والجنسية والنفسية على الفتاة". وفيما إذا كان هنالك إقبال على الختان هنا في ألمانيا من قبل الجالية العربية، تقول أميرة إسماعيل إنها لا تعتقد "أن عمليات الختان تتم هنا في برلين، فهي ممنوعة منعا باتا. لكن حسب معلوماتنا، فإن عددا قليلا من الفتيات السودانيات والمصريات والصوماليات يخضع لعملية التشويه (الختان)".
نجاح حملات التوعية
ليس بإمكان أميرة ومجموعة من الناشطين والناشطات من السودانيين والمصريين، سوى توعية ومواجهة الأولياء بالتداعيات السلبية على بناتهم. ومكافحة هذه الظاهرة تتم أيضا من قبل مؤسسات نسوية غير حكومية مثل مؤسسة إيفا النسائية في برلين. وحول العمل الذي تقوم به المؤسسة تقول دانا بولد " لقد أخذنا على عاتقنا تحمّل هذه المعضلة. نقوم بزيارة المدارس لنتحدث مع الفتيات المهددات بالتشويه. ونعلمهن بمخاطر هذه العادة السيئة على حياتهن الجسدية والنفسية. كما نطلب منهن الاتصال بالمدرسة فور العلم بمخطط يحاك ضدهن أو ضد أي فتيات أخريات لحمايتهن من الجريمة التي قد تقترف ضدهن". وتضيف بولد لـ DW عربية بأن حملاتهن التوعوية في بعض مدارس برلين تتم بالتعاون مع المدرسات والمرشدات الاجتماعيات في المدرسة.
هذه الجهود والحملات التوعوية للناشطين والجمعيات المناهضة لعملية الختان نجحت في الحد من انتشار الختان بين الجاليات العربية في ألمانيا، وقد أكد ذلك الطبيب علي عسكري لـ DW عربية "هنا يجب علي التأكيد بأن ظاهرة بتر العضو التناسلي (الختان) تراجعت كثيرا. وليست كما كان عليه الحال قبل عشر سنوات"، هكذا استهل الطبيب المصري حديثه معنا وأضاف بأنه لم يعالج مثل هذه الحالات منذ سنين عديدة، ويعتقد أن عدد الضحايا في ألمانيا شهد تراجعا ملحوظا جراء حملات التوعية والاستشارة التي تقدم للفتيات في المدارس، ناهيك عن دور المجتمع في محاربة هذه العادة والقوانين الألمانية الرادعة التي يؤكد فعاليتها الطبيب المصري "لا شك أن القانون الألماني الصارم ساهم في الكف عن هذه العادة الشنيعة التي يجرّمها". إلا أنه يعتقد أن هناك عائلات لا تزال تقوم بختان بناتها في وطنها الأصلي سرا.
شكري الشابي - برلين