الجالية المسلمة في المانيا: الحاضر الغائب في الانتخابات البرلمانية
عدديا يقدر حجم الجالية العربية والإسلامية في ألمانيا بأربعة ملايين شخص. الغالبية منهم من أصول تركية ونسبة لابأس بها من أصول عربية. نسبة كبيرة منهم، وبالذات الجيل الثاني والثالث، حصل على الجنسية الألمانية وأصبح وفقا لذلك يتمتع بالحقوق السياسية الكاملة كحق الترشيح والانتخاب. لكن ليس كل من يتمتع بحق الانتخاب هو بالضرورة ناخب نشط ومشارك سياسي فاعل. فبالإضافة إلى السلبية السياسية كظاهرة موجودة في كل المجتمعات ولها أسبابها الذاتية والموضوعية التي لسنا هنا بصدد الحديث عنها، هناك أسباب أخرى تحد من أن تلعب الجالية العربية والإسلامية دوراً مهماً في الحياة السياسية الألمانية. والسؤال المهم هنا هو حول مدى اندماج الجالية العربية والإسلامية في الحياة السياسية الألمانية عموما ومدى مشاركتها الفاعلة في الانتخابات البرلمانية وهل تشكل عامل حسم في ترجيح كفة الانتخابات وبالتالي في التأثير في الحياة السياسية العامة.
"ورقة الأجانب" في أجندة الأحزاب الألمانية
تقليديا هناك أحزاب ألمانية تعطي اهتماما خاصا للأقليات المنحدرة من أصول أجنبية من حيث تبني اهتماماتهم ومشاكلهم والتعبير عنها وترجمة ذلك إلى قوانين وما إلى ذلك. وتمثل الأحزاب اليسارية الألمانية هذا الاتجاه. على الجانب الأخر تتبنى الأحزاب المحافظة موقفا متشددا تجاه الأجانب عموما. إذ تسعى للحد من الهجرة وفرض قيود قانونية تحد من حصول الأجانب على الجنسية الألمانية والتمتع بجميع فرص العمل. وتلعب الأحزاب الألمانية عموما ورقة الأجانب في الانتخابات البرلمانية. فبينما تتشدد الأحزاب اليمينية المحافظة انطلاقاً من إيديولوجيتها وإرضاء لناخبيها، تلعب الأحزاب اليسارية الورقة ذاتها لكسب ود الجاليات الأجنبية والقوى اليسارية.
في هذا السياق يعتقد السيد طارق الوزير، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الخضر في برلمان ولاية هيسن، في مقابلة مع موقع دويتشه فيله بالعربية، أن سياسات بعض الأحزاب الألمانية مسؤوله إلى حد كبير في عزوف المواطنين من أصول أجنبية عن المشاركة في العمل السياسي أو في توجيه هولاء نحو الانتماء إلى أو مساندة أحزاب بعينها. فمشكلات العمل والإقامة مثلا من المواضيع التي تحدد التوجهات السياسية والأولويات لدى هولاء المواطنين، حسب تعبيره، ويشير الوزير هنا بدرجة أساسية إلى الجالية التركية. ويؤكد النائب البرلماني على أن انتهاج حزبه، حزب الخضر، لسياسة دعم الأجانب و إعطاء اهتمام بالأقليات من حيث الحصول على الجنسية الألمانية ودعم اندماجهم بالذات أبناء المهاجرين الأوائل "وهناك مشروع لحزب الخضر لتجنيس ما يقارب مليون شخص"، على حد قوله.
مواطنون بلا إحساس بالانتماء ؟
ليس كافيا ان يكون المرء متمتعا بالحقوق السياسية والقانونية لكي يكون مشاركا مشاركة فعالة في الحياة السياسية. إذ ان الشعور بالانتماء إلى الوطن والمجتمع الذي يعيش فيه هو الأكثر أهميه والدافع للاندماج في الحياة العامة كذلك. وفي هذا الجانب فإن المواطنين الألمان الذين ينحدرون من أصول أجنبية بما فيهم أولئك المنحدرين من أصول عربية وإسلامية ينقصهم إلى حد كبير الشعور بالانتماء إلى المجتمع الألماني. ويرجع هذا إلى عدة أسباب منها ما هو متعلق بالجاليات نفسها وتقوقعها في ذاتها، ومنها ماهو نابع من طبيعة الحياة والتركيبة الاجتماعية والسياسية للمجتمع الألماني. صحيح ان هناك مواطنين من أصول أجنبية وصلوا إلى مراكز حزبية ومناصب سياسية قيادية، إلا إنهم لا يعدون بعدد أصابع اليد واقل بكثير مما هو وضع الأجانب مثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ودول أوروبية أخرى. وتسعى بعض الأحزاب والمنظمات إلى محاولة إدماج الأجانب في المجتمع وتقليل الهوة بينهم وبين مجتمعهم. في هذا الصدد يرى الوزير ان المشاركة في الحياة السياسية ومنها العملية الانتخابية تحتاج أساسا إلى الإحساس بالانتماء والشعور بالمواطنة لدى المواطنين من أصول أجنبية. ويقول الوزير: "لدينا أعضاء في الحزب من أصول أجنبية ونحاول ان ندمج الأجانب في المجتمع وفي الحياة السياسة."
غياب "اللوبي العربي الإسلامي"
لا توجد إحصائيات دقيقة حول مدى مشاركة الجاليات العربية والإسلامية في الانتخابات ، لأنه لا يتم فرز الناخبين على أساس المحاصصة الإجتماعية، وإنما توجد إحصائيات لمشاركة المواطنين الألمان عموما. وعلى الرغم من ذلك فإن النظرة العامة تشير إلى مشاركة جيدة إلى حد ما لهم. وتلعب الجاليات العربية والإسلامية، حسب رأي الوزير، دورا مهما في العملية الانتخابية مثلها مثل بقية الجاليات من أصول أخرى، على الرغم من أنه لا يمكن وصف دورها بالدور الحاسم. وهذا يرجع إلى طبيعة التركيبة السياسية والبنية الاجتماعية في ألمانيا عموما، إذ لا تشكل مجموعة بعينها عامل الحسم النهائي في الانتخابات. وإن وجدت مثل هذه المجموعة فهي، حسب تعبير السياسي الألماني، فئة كبار السن كونهم يشكلون في المجتمع الألماني نسبة كبيرة ويميلون عادة إلى تأييد الأحزاب المحافظة.
عبده جميل المخلافي ـ دويتشه فيله