الجزائر عقدة الاتحاد المغاربي أم مفتاح الحل؟
١٧ فبراير ٢٠١٢"مغرب عربي بلا حدود" شعار يردده شبان من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، على صفحات الموقع الاجتماعي فيسبوك، وحول نفس العنوان يلتقي يوم 17 فيبراير/ شباط في الدار البيضاء نشطاء من المجتمع المدني من البلدان الخمس، لإحياء مرور 23 عاما على تأسيس "اتحاد المغرب العربي" وبحث سبل تحريك مبادرات أهلية لإحياء الاتحاد المجمد منذ 18 عاما.
فعاليات المجتمع المدني المغاربية، تلتقي مع أحدث مبادرة رسمية من عاصمة مغاربية، جاءت هذه المرة من تونس المنتشية بثورتها. منصف المرزوقي الرئيس التونسي، أعرب من الجزائر المحطة الأخيرة في جولته المغاربية عن أمله بأن تكون سنة 2012 "سنة اتحاد المغرب العربي" وعقد القمة المغاربية، مقترحا تحييد مشكل الصحراء الغربية عن مسار بناء الاتحاد المغاربي. كما لاحت بوادر انفراج في العلاقات المغربية الجزائرية وحديث عن فتح وشيك للحدود. لكن الكاتب الجزائري المعارض، محمد بنشيكو، مدير صحيفة "لوماتان"(ناطقة بالفرنسية) قال في حوار لـ DW إنه يخشى أن يكون قيام حكام الجزائر بذلك "فقط لمسايرة الضغوط الدولية ولكي لا تتركز الأضواء على الجزائر البلد الوحيد الذي لم تشمله رياح الديمقراطية والربيع العربي"، ومن ثم يعتقد بنشيكو أن "فتح الحدود ربما يتم ولكن كخطوة معزولة، وليس في سياق إطلاق مسار الاتحاد المغاربي".
الجزائر ورياح الربيع العربي
مبادرات المرزوقي لاقت ترحيبا في العواصم المغاربية التي زارها، لكن المتتبعين لتطورات الأوضاع في المنطقة، يدركون أن الواقع في تلك العواصم غير مطابق لأقوال صناع القرار فيها، فقد ظل الخطاب الرسمي يردد شعارات من قبيل "وحدة المغرب العربي خيار استراتيجي" بينما يسود النفور العلاقات بين دوله، وحدود أكبر دولتين فيه (المغرب والجزائر) مغلقة منذ 1994، ومازال ملف الصحراء الغربية يثير الانقسام.
ويعتقد مراقبون بأن الحلقة الأصعب في تحريك عجلة الاتحاد المغاربي المتوقفة، تكمن في الجزائر البلد الأكبر الذي تربطه حدود مع البلدان الأربعة الأخرى الأعضاء في الاتحاد، وهي الأقل تأثرا لحد الآن بمجريات الربيع العربي. وبرأي محمد بنشيكو، مدير صحيفة "لوماتان"، فإن "المبادرة الواعدة التي أطلقها المرزوقي المناضل الذي قاوم الدكتاتورية في أصعب لحظاتها، تنطلق من رؤيته للمستقبل بشكل مختلف عن نظرة الحكام الجزائريين".
وأبدى بنشيكو "خشيته من أن تظل مبادرة المرزوقي مجرد أماني" معربا عن "شكوكه القوية في قبول الحكام الجزائريين للمبادرة". وقال "حكام الجزائر لا يريدون الانخراط في مسار يمكن أن يفضي لأمور يعتبرونها متعارضة مع مصلحتهم وهاجسهم الوحيد المتمثل في الاستمرار في السلطة" مشيرا في هذا الصدد إلى ما عبر عنه المرزوقي بـ "قيام اتحاد مغاربي تنطلق فيه الحريات وتزول فيه الحدود وتسود فيه دولة الحق والقانون".
وقد أظهرت الجزائر خلال الأشهر الماضية مقاومة للربيع العربي، حيث عارضت إسقاط نظام العقيد الليبي معمر القذافي، كما ساهمت في مبادرات لمساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد على الخروج من عزلته، وهو ما يصفه الإعلامي الجزائري المعارض بـ"عزلة النظام الجزائري عن سياق التحولات الديمقراطية التي تشهدها دول المنطقة". رغم أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعرب في أحدث خطاب له، عن رغبته في تحقيق إصلاحات ديمقراطية وتعهد بتنظيم انتخابات شفافة في مايو أيار المقبل.
فتح الحدود الجزائرية كخطوة معزولة
ويرصد المراقبون في الآونة الأخيرة حراكا ملحوظا على مسرح العلاقات المغربية الجزائرية، التي طالما شكلت عقدة رئيسية في مسار بناء الاتحاد المغاربي، وتتحدث وسائل إعلام قريبة من مراكز الحكم في البلدين عن قرار وشيك بفتح الحدود المغلقة. ومن المفارقات أن مراكش التي شهدت مؤتمر تأسيس الاتحاد المغاربي سنة 1989، كانت تعرضت بعد خمس سنوات من ذلك(1994) لحادث اعتداء إرهابي راح ضحيته سائحان اسبانيان، واتهمت الرباط آنذاك المخابرات الجزائرية بالضلوع في الحادث، وفرضت التأشيرة على الرعايا الجزائريين وهو ما ردت عليه الجزائر بالمثل كما أغلقت الحدود البرية . وفي وقت لاحق تراجع البلدان عن إجراءات التأشيرة لكن الجزائر استمرت في إغلاق حدوها مع المغرب، معتبرة إياه "مصدرا للمشاكل الأمنية والتهريب وترويج المخدرات"، وهو ما ينفيه المغرب الذي عبر في مناسبات عديدة عن رغبته في فتح الحدود.
بيد أن أجواء الربيع العربي والضغوط الشعبية ومبادرات المجتمع المدني في البلدين، إضافة إلى رسائل العواصم الأوروبية والأميركية، تساهم حاليا في تحريك المياه الراكدة بين الرباط والجزائر.
وبعد تشكيل الحكومة المغربية التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب، كانت العاصمة الجزائرية أول محطة لوزير الخارجية، سعد الدين العثماني، ولقيت زيارته حفاوة وترحيبا من القادة الجزائريين، وبدأت تلوح بوادر انفراج في العلاقات وحديث عن قرب فتح الحدود. وأشار محللون سياسيون مغاربة حينها إلى أن الجزائر قد تتجاوب مع حزب العدالة والتنمية باعتباره "مخاطبا جديدا لا علاقة له بصراعات الماضي".
ورغم أن فتح الحدود يشكل مطلبا شعبيا في البلدين، فإنه على ما يبدو سيتم في الظرف الراهن فقط استجابة لضغوط أوساط الإعمال والمال، حيث يقول خبراء اقتصاديون إن استمرار إغلاق الحدود وغياب الاتحاد المغاربي يكلف الدول الأعضاء فيه سنويا ناقص نقطتين على حساب نمو ناتجها الوطني الخام، أي ما يعادل 20 مليار دولار سنويا. ويرى محللون أن ما يفسر استمرار حالة الانقسام وإغلاق الحدود، هو استفادة جهات من هذا الوضع، وبعضها مراكز نافذة سياسيا واقتصاديا في المغرب والجزائر، وقد لا تشكل في واقع الحال مصدر قلق لدى صناع القرار في الجزائر في ظل ارتفاع عائدات البترول والغاز.
ويعتقد الإعلامي الجزائري بنشيكو أن "حكام الجزائر يمكن أن يستجيبوا للضغوط الدولية ويفتحوا الحدود قبل الصيف المقبل، لكنهم يريدون القيام بهذه الخطوة في إطار علاقات ثنائية مع المغرب، وليس في إطار المغرب العربي"، موضحا أن المهم في منظور الحكم بالجزائر هو"التحكم في ملف الحدود ومراقبتها، وسياسيا يريدون أن لا يؤدي فتح الحدود إلى انطلاقة في العلاقات المغربية الجزائرية بشكل يؤثر سلبيا على موقفهم في مسألة الصحراء الغربية"، وهو ما سيجعل من فتح الحدود "خطوة معزولة" وفق ما يرى بنشيكو.
الجزائر العقدة والحل
"الجزائر توجد في وسط كل شيء، فهي البلد الأغنى، وهي البلد الذي تربطه حدود مع كل الدول المغاربية الأخرى، وهي المحور، ولكنها البلد الذي لم تطله التغييرات التي شهدتها المنطقة في إطار الربيع العربي" هكذا يلخص الإعلامي الجزائري بنشيكو، المعادلة الجزائرية في منطقة المغرب العربي. لكن المسؤولين الجزائريين يقولون إنهم "حريصون على بناء اتحاد المغرب العربي ويؤيدون جهود إحيائه"، ذلك ليس سوى مؤشر على إدراك القادة الجزائريين لحساسية الوضع الذي يوجدون فيه، يعقب بنشيكو ويضيف: "هم لا يريدون أن يظهروا كعنصر معرقل لاتحاد المغرب العربي، لكنهم في واقع الأمر يشكلون العائق في سبيل الاتحاد".
ويرى محللون بأن تغييرا ديمقراطيا في الجزائر من شأنه أن يؤدي إلى حل جوهري لعقدة المغرب العربي، لكن القراءات تختلف حول فرص قيام ذلك في المدى القصير على الأقل. وفي هذا الصدد يبدو بنشيكو متشائما وهو لا يرى أي"مؤشرات دالة على تنظيم انتخابات نزيهة ولا حُمَى ولا ربيع إسلامي"، وهو يعتقد أن الذين يحكمون البلاد منذ استقلالها سنة 1962 سيخلفون أنفسهم عبر أحزاب اختاروها بأنفسهم. بينما يعتقد بعض الساسة الجزائريين بأن بلدهم بحاجة إلى إصلاحات ولكن ليس إلى تغييرات دراماتكية، خشية تكرار مآسي العشرية السوداء التي راح ضحيتها أكثر من ربع مليون شخص، كما أن قادة البلد باتوا مدركين أكثر من أي وقت مضى لمقتضيات التغيير بـ"أقل كلفة" وهم يسعون لتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، تبدأ أولا عبر تنظيم انتخابات برلمانية شفافة، كما وعد بذلك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند