"الجزيرة" – قناة عالمية لخدمة المصالح القطرية؟
٦ ديسمبر ٢٠١٠كشفت مذكرات دبلوماسية أمريكية سربها موقع ويكيليكس ونشرتها صحيفة "ذي غارديان" البريطانية يوم الاثنين أن قطر تستخدم قناة الجزيرة الفضائية "كأداة مساومة في مفاوضاتها مع بعض الدول". ورأى دبلوماسي أمريكي في إحدى المذكرات السرية المسربة أنه بالرغم من تشديد القناة على استقلاليتها، إلا أنها "من أهم الأدوات السياسية والدبلوماسية التي تملكها قطر". وللوقوف على علاقة العائلة الحاكمة القطرية بقناة "الجزيرة" أجرت دويتشه فيله حوارا مع الخبير المصري في الشؤون الإعلامية والسياسة الدكتور نبيل عبد الفتاح، مدير مركز الأهرام للدراسات التاريخية والاجتماعية في القاهرة.
نص المقابلة:
دويتشه فيله: هل تعتقد أن قناة الجزيرة، قناة مستقلة فعلا وفق ما تروج له القناة نفسها ودولة قطر؟
الدكتور نبيل عبد الفتاح: لا أعتقد أنه يمكن الحديث عن استقلالية كاملة لبعض القنوات الفضائية وبعض الصحف ووسائل الإعلام في العالم العربي عن الدولة أو عن الأنظمة السياسية القائمة فيها، لأن غالبية هذه الأنظمة، سواء كانت جمهورية أو ملكية، تمثل نمطا من أنماط الشمولية. بيد أن هذه الأنظمة تختلف فيما بينها في درجة التسامح المحدودة بين الحين والآخر مع بعض أصوات المعارضة.أعتقد أن ما يميز قناة الجزيرة عن غيرها من القنوات الفضائية الإخبارية في العالم العربي أنها تتسم بقدر ما من المهنية. لكن منذ نشأة قناة الجزيرة ومتابعة تغطيتها الإعلامية وسياستها التحريرية يمكنني القول إنها تتأثر إلى حد ما بالعلاقات الدولية والإقليمية لدولة قطر. وأحيانا تستخدم بشكل ما من أشكال التوازن ما بين العلاقات الوثيقة، التي تربط دولة قطر، وهي دولة صغيرة على الصعيدين الخليجي والعربي، وما بين ارتباطاتها وعلاقاتها الدولية. وعلى سبيل المثال: فقد كسرت الجزيرة ما يمكن تسميته بالتابوهات، على غرار التابو الإسرائيلي في التغطية الإعلامية، وذلك من خلال وجود مكتب القدس. وكذلك في استدعائها واستضافتها لخبراء إسرائيليين وإيرانيين وأتراك. الجزيرة فتحت هنا المجال المهني وكسرت بعض التابوهات، التي كانت سائدة في الإعلام العربي منذ سنوات طويلة. ويمكن القول إن الجزيرة تشكل أداة من أدوات السياسة الخارجية القطرية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
موقع ويكيليكس سرب وثائق أمريكية مفادها أن قطر تستخدم قناة الجزيرة الفضائية كأداة مساومة في مفاوضاتها مع بعض الدول؟
هذا تقدير صحيح وقد سبق لي وأن وصفت الجزيرة في إحدى التقارير بأنها "الدولة القناة". وأعتقد أن ذلك يشكل قدرا من البراعة السياسية من قبل العائلة الحاكمة في استخدام القناة كقوة ناعمة وكإحدى ورقات القوة في تعاملها الإقليمي وفي تعظيم مكانتها الإقليمية من مجرد دولة صغيرة إلى دولة صغيرة مؤثرة إلى حد ما في بعض القضايا الإقليمية.
هل تستخدم دولة قطر قناة الجزيرة بالفعل "كأداة مساومة" في سياسيتها الخارجية، وفق الوثائق الأمريكية، التي سربها موقع ويكيليكس؟
أنا قلت ذلك مرارا وتكرارا من قبل تسريب موقع ويكيلكس للوثائق الأمريكية بهذا الشأن وذلك في ورقة إستراتيجية صدرت عن مركز الأهرامات للسياسات الإستراتيجية والإقليمية عن دور الإعلام في إطار التنوع الثقافي.
إلى أي مدى يمكن الحديث عن الجزيرة كأداة تستخدمها قطر في سياستها الخارجية؟ هل يمكنك أن تحدد ذلك من خلال أمثلة ملموسة؟
على سبيل المثال عندما كان هناك توتر في العلاقات مع السعودية كان هناك تركيز كبير على استضافة نشطاء ونقاد وحقوقيين لنقد السياسة السعودية الداخلية والإقليمية. وكذلك يمكن أن نذكر العلاقة بين الفلسطينيين، بحيث كانت تميز ما بين جناح الحكومة المقالة، أي حركة حماس، وما بين السلطة الفلسطينية وحركة فتح على وجه التحديد سواء في الاختلافات والنزاعات الداخلية. كذلك في السياسة القطرية إزاء مصر، فعندما كانت هناك توترات في العلاقات المصرية القطرية كنتاج لاختلاف وجهات النظر في بعض الملفات الإقليمية وعلى رأسها الملف الفلسطيني والموقف من حزب الله، يمكنني القول إن قناة الجزيرة كانت تركز على الانتهاكات الداخلية، ذات طابع حقوقي من قبل المنظمات الحقوقية أو استدعاء عناصر تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين أو قوى المعارضة أو الجماعات الإسلامية السياسية الأخرى. ولكن ألاحظ هناك تغير وتوازن نسبي في التغطية الصحفية للانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر بعد التحسن النسبي في العلاقات بين قيادتي البلدين في الآونة الأخيرة.
هل أفهم من كلامك أن قناة الجزيرة تؤيد الحركات الإسلامية المتشددة نوعا ما؟
هناك تعاطف وهناك إبراز لصوت الجماعات الإسلامية الراديكالية، ابتداء من تنظيم القاعدة، والحركات السلفية الجهادية.
الوثائق الأمريكية، التي سربها موقع ويكيليكس تقول إن قطر تتدخل لتعديل تغطية الجزيرة لإرضاء بعض القادة الأجانب كما يمكن ملاحظة أن الجزيرة أعطت مساحة من خلال مقابلات مثلا مع الزعيم الليبي معمر القذافي، فهل يؤكد ذلك الانتقادات بعدم استقلالية الجزيرة فعلا؟
أعتقد أن القيادة القطرية لا تريد إغضاب الزعيم الليبي معمر القذافي لاعتبارات مختلفة، من بينها خشية من أن يؤدي ذلك إلى إغلاق مكتب الجزيرة في ليبيا. الجزيرة مثلا لا تغطي الواقع الليبي إلا من خلال بعض التقارير، التي تتسم بالحيادية الشديدة جدا الإيجابية أيضا والتي تتناول بعض الأنشطة، التي تقوم بها الدولة الليبية في المجالين الإقليمي والدولي. أو كذلك أيضا نظر لأن ليبيا تشكل في بعض الأحيان طرفا رئيسيا في بعض القضايا، على غرار ملف درافور والمحاولة الليبية في التنسيق ما بين الفصائل المتعددة أو ما يسمى بمنتدى الدوحة.
هل من شأن التسريبات الجديدة لويكيليكس حول الجزيرة أن تؤثر على سمعة قطر سلبا، خاصة وأنه قد تم اختيارها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022؟
ليس كثيرا، ولكن على الصعيد السياسي بات واضحا للإعلاميين العرب أن القول بحيادية كاملة لقناة الجزيرة وغيرها من القنوات العربية الأخرى على غرار "العربية" عن السياسات الخارجية للدول، التي أنشأت هذه القنوات بات أمرا نسبيا.
أجرت الحوار شمس العياري
مراجعة: طارق أنكاي