الحزب الإشتراكي الديمقراطي: بين الاستجابة لمنطق التغيير والحفاظ على الهوية
١٥ مايو ٢٠٠٦انتخب الحزب الإشتراكي الديموقراطي الألماني أمس الأحد (14.5.2006) كورت بيك رئيسا جديدا له، وذلك خلفا لماتياس بلاتسيك، الذي استقال من هذا المنصب "لأسباب صحية"، حسبما ذكرت مصادر الحزب. وكان الحزب قد عقد مؤتمرا استثنائيا في برلين لانتخاب زعيم جديد له هو كورت بيك الذي حاز على أكثر من 95 بالمائة من الأصوات. هذا وقد أعرب بلاتسيك عن "عميق آسفة" لأنه لم يعد بوسعه الوفاء بالمسئولية التي ألقيت على عاتقة، و أضاف قائلا " أنا واحد من أولئك الذين إما يتقنون ما يفعلونه وإما لا يفعلونه على الإطلاق". هذا وكان الزعيم الإشتراكي الديمقراطي ماتياس بلاتسيك المنحدر من شرق ألمانيا قد ادخل المستشفى العام الماضي بعد ان تعرض لمشكلة سمعية مفاجئة.
تغيرات مفاجئة في قمة الهرم التنظيمي
ورغم أن استقالة ماتياس بلاتسيك كانت غير متوقعة وفاجاءت الكثير من المراقبين وقبل ذلك أعضاء الحزب أنفسهم، إلا أن الشخص الذي خلفه في هذا المنصب والذي كان الأكثر حظا، إن لم يكن أصلا المرشح الوحيد، لقيادة دفة الحزب كان تقريبا معروف سلفا. فكورت بيك هو الرجل الذي يتمتع بشعبية كبيرة داخل حزبه كما إنه من القيادات السياسية المعروفة في ألمانيا، أضف إلى ذلك كان يتولى منصب النائب الأول لزعيم الحزب المستقيل لمتياس بلاتسيك إلى جانب منصبه كرئيس وزراء لولاية راين لاند فالز. يذكر أن بيك كان قد تخلى عن ترشيح نفسه لرئاسة الحزب مفسحا المجال لبلاتسيك لتبوء هذا المنصب عقب استقالة رئيس الحزب الأسبق فرانس منوتفيرينج في نوفمبر الماضي.
ويعتقد المحلل السياسي الألماني والخبير في شئون الأحزاب، بيتر لووشه، ان مشكلة بلاتسيك تمثلت في انه لم يستطع فهم ما يريده حزبه، مشيرا في هذا الصدد إلى ان بنية الحزب المكون من ستمائة ألف عضو على درجة عالية من التعقيد. ويرى لووشه ان نقطة ضعف الزعيم الجديد للحزب تتمثل في انه لا يمتلك الخبرة الكافية في شئون السياسة الخارجية وهو ما لن يمكنه من مد جسور التواصل مع الأحزاب الاشتراكية الأخرى في أوروبا، التي شهدت هي الأخرى تحولات بنيوية وفكرية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، كما يعتقد الخبير الألماني.
أزمة بنيوية أم استجابة طبيعية لديناميكية التطور؟
ما ان يخرج الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني من أزمة حتى يدخل في أخرى، ولاسيما على صعيد تغيير القيادات في قمة الهرم التنظيمي للحزب، وإن كان هذا الحزب يتجاوز أزماته الداخلية هذه بسرعة ومرونة كبيرتين. ويأتي إعلان ماتياس بلاتسيك عن استقالته من رئاسة الحزب بعد اشهر قليلة من توليه هذا المنصب، وانتخاب كورت بيك خلفا له، ضمن سلسلة من التغيرات المفاجئة التي شهدها الحزب خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تداول على هذا المنصب أربعة زعماء قدموا استقالاتهم. ويعتقد بعض المراقبين ان هذه التغيرات المفاجئة في قمة هرم الحزب تلقي الضوء على المشكلات التي يواجهها الحزب الذي يسعى جاهدا للتوفيق بين جذوره في الطبقة العاملة وبين الضغوط المتنامية للإصلاح الاقتصادي. غير أن البعض الأخر من المراقبين يعتبر هذه التغيرات داخل الحزب ظاهرة صحية تعكس حيوية وديناميكية الحزب الذي يستجيب لصيرورة التغيير والتحول بمرونه كبيرة.
مستقبل التحالف الحكومي
يؤكد زعيم الاشتراكيين الديمقراطيين الجديد على إستمرار الإئتلاف مع الحزب الديمقراطي المسيحي والالتزام بمقتضيات عقد الإتلاف بين الحزبين الحاكمين، لكنه يريد ان يبرز هوية حزبه في إطار التحالف الحكومي ويعيد له هويته كحزب اشتركي يساري شعبي يناضل في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية، حسب تعبيره. وقال بيك ان "الحزب الاشتراكي الديمقراطي يجب ان يعود إلى جذوره الاشتراكية"، مشددا في الوقت نفسه على عدم التساهل في القضايا المصيرية التي تهم المجتمع الألماني. من جانبها سارعت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، التي قالت انها تلقت نبأ استقالة بلاتسيك "بكل احترام ولكن بأسف أيضا"، سارعت إلى تهنئة بيك على انتخابه لزعامة حزبه. ويؤكد الطرفان على أنهما اتفقا على مواصلة التعاون الوثيق، حسب ما جاء في تصريح المتحدث بإسم الحكومة الألمانية، اولريش فيلهيلم، الذي أعرب عن أمله ان يكون بيك قادرا على قيادة الحزب نحو أفاق مستقبلية رحبة. يذكران ما يمكن اعتبارها بوادر أزمة بين طرفي التحالف الحاكم قد بدأت تلوح في الأفق مؤخرا وذلك على خلفية برنامج الإصلاح الاقتصادي للحكومة الحالية، حيث تبادل طرفي التحالف الاتهامات والنقد علنا لأول مرة منذ تشكيل الحكومة الإئتلافية في نهاية العام الماضي.
عبده جميل المخلافي