الحكام العرب عاجزون عن استيعاب دروس الثورة التونسية
١٩ يناير ٢٠١١ما أن نجحت الثورة الشعبية التونسية في الإطاحة بدكتاتور تونس السابق زين العابدين بن على حتى بادرت حكومات عربية عديدة إلى الإعلان عن إجراءات لتخفيض أسعار المواد الغذائية الأساسية وتخفيف معاناة الناس من نار الغلاء المستعرة. ففي سوريا تم الإعلان عن تأسيس صندوق للمعونة الاجتماعية من أجل مساعدة الأسر الفقيرة. وفي الأردن وموريتانيا تم الإعلان عن خطط جديدة لخفض أسعار مواد أساسية كالسكر والأرز. وبدورها أعلنت الجزائر عن إجراءات لإلغاء الزيادة في أسعار سلع أساسية، لاسيما بعد اندلاع احتجاجات شعبية في الجزائر العاصمة. وفيما عدا الإجراءات لتخفيض أسعار المواد الاستهلاكية، فإن الصمت هيمن على رد الفعل العربي الرسمي إزاء سقوط بن علي. ووحده شذ الرئيس الليبي كعادته في رد فعله، إذ عبر عن حزنه على رحيل دكتاتور تونس السابق بن علي مادحا إياه ومعتبرا أن التونسيين تسرّعوا في إطاحته.
طعم الخبز لا يكتمل دون حرية
ردود الأفعال العربية الرسمية على ما جرى في تونس إن دلت على شيء فعلى عجز النخب العربية الحاكمة حاليا عن استيعاب الدرس التونسي الذي يشكل أحد أهم الأمثلة الحية للحرية في العالم العربي منذ ثورات الاستقلال الوطنية ضد المستعمرين. والدليل على عدم الاستيعاب هذا أن الحكام العرب يحاولون اختزال التحديات السياسية والاجتماعية التي تواجههم من قبل شعوبهم في مشكلة أسعار المواد الغذائية الأساسية. غير أن ثورة تونس، التي لم تجف دماء شهدائها بعد أوضحت بشكل جلي للعيان أن المشكلة ليست مشكلة أسعار بقدر ما هي مشكلة غياب مريع للحريات والعدالة الاجتماعية. إنها أيضا مشكلة تفشي الفساد والتوزيع غير المتكافئ للثروات وفرص العمل والاستثمار على مختلف الأصعدة الاجتماعية والجهوية. وقد أظهر الدرس التونسي أيضا أن النجاح التنموي الذي وصفه الغرب في حالة تونس بأنه "معجزة اقتصادية" لا يضمن سوى الاستقرار السياسي الوهمي في ظل القمع والدكتاتورية. فالمواطنون في العالم العربي لا يستطيعون التمتع بطعم الخبز والرفاهية الاقتصادية في ظل غياب الحريات الأساسية والعدالة الاجتماعية. وهو أمر برهنت عليه أيضا تجربة انهيار جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة.
دول بوليسية بدلا من دول القانون
يسترجع المرء هذه الأيام على ضوء ما جرى في تونس بداية وصول عدد من الحكام العرب إلى السلطة ومن بينهم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي نفسه. فقد صعد هؤلاء إلى الحكم بشعارات رنانة مثل مكافحة الفساد والسماح بالتعددية السياسية وحرية التعبير عن الرأي. غير أنهم انقلبوا بعد فترة قصيرة من الانفتاح على وعودهم وحولوا بلدانهم إلى دول قمعية وبوليسية تطارد المعارضين وأصحاب الرأي إرضاء لمصالحهم الخاصة ومصالح حلفائهم في الغرب.
صحيح أن الانفتاح المؤقت لمعظم الدول العربية حقق معدلات نمو جيدة بالمقاييس العالمية، غير أن فئة قليلة فقط من أقرباء وأعوان الحكام استفادت منها على حساب الغالبية الساحقة. اجتماعيا حصرت الحكومات العربية أنشطة منظمات المجتمع المدني في مجالات خدمية محدودة كالتعليم المهني والرعاية الصحية وحماية البيئة. كما لم تسمح بوسائل الإعلام التي تتناول قضايا سياسية أو اجتماعية ساخنة. وبالمجمل فإن ما تحقق بقي بعيدا جدا عن ضمان وتوفير الحريات الأساسية والحد الأدنى من العدالة الاجتماعية. وهكذا استمر سيناريو الاعتقالات بحق أصحاب الرأي المعارض، وبقيت التعددية الحزبية مجرد وعود كاذبة، وتُرك الفاسدون من الأٌقرباء والمقربين ينهبون البلاد ويهينون كرامة الناس.
يضيّع الحكام العرب بتجاهلهم لأهمية الحريات فرصة تاريخية للإصلاح السياسي في بلدانهم التي تئن تحت وطأة دكتاتورياتهم. وإذا بدت هذه الفرصة بعيدة قبل سقوط بن علي في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، فإن هذا السقوط جعلها أقرب من كل التوقعات والتخيلات عن مستقبل العالم العربي. ومن يدري فقد تأتي ثورات عربية مشابهة لما حدث في تونس بشكل قد لا يفسح المجال أمام الحكام حتى للهروب بطائراتهم من بلدانهم التي ينهبونها وكأنها مزارع خاصة بعائلاتهم.
تعليق: ابراهيم محمد
مراجعة: عبده جميل المخلافي