الخليج يحبس أنفاسه: هل يرقص ترامب في السعودية من جديد؟
٢٠ أكتوبر ٢٠٢٠مع رقصة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنغام الموسيقى السعودية التقليدية متسلحاً بسيف فضي، خلال زيارته الأولى إلى السعودية رئيساً قبل أكثر من ثلاث سنوات، دشّن ترامب مسار تغيير سياسي جوهري في المنطقة عبر إرساء تحالف قوي بين إدارته ودول خليجية في مواجهة إيران.
وقبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، يقدّم قادة في المنطقة الدعم لشريكهم في واشنطن الساعي إلى الفوز بولاية ثانية يُتوقع أن تواصل حرق الجسور مع إيران، ومن تجليات هذا الدعم توفير موطئ قدم غير مسبوق لإسرائيل في الخليج الثري.
وتتناقض علاقات ترامب الوثيقة مع دول الخليج مع العلاقة الفاترة التي ربطت هذه الدول الغنية بالنفط بسلفه باراك اوباما الذي أثار بإبرامه الاتفاق مع إيران حول ملفها النووي، مخاوف السعودية وجيرانها. وبحسب الباحثة في "معهد الشرق الأوسط" في واشنطن رندا سليم، فإنّ إدارة ترامب جعلت العلاقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي "تتمحور حول الأشخاص بشكل أكبر (...) وبدرجة أقل حول المؤسسات".
الخليج واستطلاعات الرأي
ومع تخلّف ترامب في استطلاعات الرأي خلف جو بايدن الذي شغل منصب نائب الرئيس في إدارة اوباما، قد تكون المنطقة مرة أخرى على أعتاب تغييرات جديدة، خصوصا أنّه من المرجح أن يعيد بايدن في حال فوزه، اعتماد مواقف أكثر تقليدية بشأن حقوق الإنسان التي تتعرض لانتهاكات عدة في دول الخليج بحسب منظمات غير حكومية، وصفقات الأسلحة.
ويقول مسؤول خليجي لوكالة فرانس برس طلب عدم الكشف عن هويته "الزيارة التاريخية في أيار/ مايو 2017 كانت بداية لعلاقة استثنائية مع رئيس أميركي. لقد فتحت أبواباً كثيرة". ويضيف بالقول: "صنّاع القرار هنا يريدون منطقياً أن تظل تلك الأبواب مفتوحة، لكنهم ليسوا مغمضي الأعين. هم يستعدون للسيناريو الآخر".
في أول رحلة خارجية له كرئيس للولايات المتحدة في أيار/ مايو 2017، حظي ترامب باستقبال حار في السعودية. تقلّد ميدالية ذهبية وخاطب زعماء مسلمين، مطلقاً العنان لمواجهة مع إيران ومتجنباً موضوع حقوق الإنسان في المملكة وشقيقاتها الخليجيات.
في السنوات التي تلت، ولّدت استراتيجيته الاندفاعية وغير التقليدية سلسلة من الأحداث المتسارعة التي أعادت رسم المشهد الإقليمي. كما أنّها جعلت الإيرانيين أكثر تشدداً، إذ رسّخت لديهم قناعة بأن "المفاوضات مع جيرانهم في دول مجلس التعاون الخليجي تعمل على إضعاف إيران وليس تقويتها"، بحسب سليم.
ووجدت هذه السياسات صدى جيداً بشكل عام في الخليج، رغم عدم اتخاذ ترامب إجراءات حاسمة بشأن أحداث كبرى بينها الهجمات ضد "أرامكو" في 2019 التي ألقي باللوم فيها على إيران. وتقول كبيرة محللي الخليج في معهد "مجموعة الأزمات الدولية" إلهام فخرو "السعودية والإمارات تشتركان في تصوّر أن إدارة أوباما تخلّت عن حلفائها التقليديين في الخليج". وتضيف "لقد حسّنت السعودية علاقاتها مع إدارة ترامب بشكل كبير، ويرجع ذلك جزئياً إلى قرار واشنطن فرض ضغوط قصوى" على إيران وقطاعها النفطي.
إسرائيل والخليج
ومع اقتراب موعد الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، حقّق ترامب انتصاراً خارجياً كبيراً من خلال رعايته لاتفاق تطبيع علاقات بين الإمارات وإسرائيل. كما وقّعت مملكة البحرين المتأثرة بالسياسات السعودية، اتفاقاً مماثلاً لتطبيع العلاقات.
ورأى محلّلون أن توقيت الاتفاقين دون مباركة الفلسطينيين، محاولة لتزويد ترامب بنصر ثمين في السياسة الخارجية قبل الانتخابات، رغم محدودية تأثير ذلك على العملية الانتخابية بحد ذاتها. وترى فخرو أنّه مع تقدّم بايدن في استطلاعات الرأي، تشعر الإمارات والسعودية بالقلق من إمكانية "العودة عن العقوبات المفروضة على إيران" في ظل إدارة ديموقراطية. كما أنّ ترامب "أكثر استعداداً لضمان أن تمضي مبيعات الأسلحة إلى هذه الدول قدماً وبسرعة"، بحسب الخبيرة. ويستبعد أن تبذل إدارة بايدن مثل هذه الجهود لإيصال الأسلحة إلى دول الخليج.
وتظهر أرقام معهد "استوكهولم الدولي لأبحاث السلام" أنّ مبيعات الأسلحة الأميركية إلى السعودية بين 2017 و2019 كانت ثاني أعلى مبيعات لإدارة واحدة بعد بيل كلينتون بين عامي 1993 و2000، ما يشير إلى أن ولاية ترامب الأولى قد تحقّق مبيعات قياسية مع احتساب مبيعات 2020. إلى جانب ذلك، عارض البيت الأبيض القرارات المناهضة للسعودية في الكونغرس على خلفية حربها المثيرة للجدل في اليمن وجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في 2018.
ومع ذلك، تستعد منطقة الخليج وخصوصا السعودية، لاحتمال العودة إلى التعامل مع إدارة ديموقراطية.
في هذا السياق تقول رندا سليم: "طالما أن محمد بن سلمان هو ولي العهد، وإذا كان سيتولى العرش في السنوات الأربع المقبلة، فإن العلاقات الأميركية السعودية ستدخل في أحسن الأحوال في حالة جمود عميق وستستمر في المعاناة من عواقب مقتل جمال خاشقجي".
وستحاول إدارة بايدن على الأرجح جرّ إيران مجدداً إلى طاولة المفاوضات. ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي أنّ "الأمر سيكون صعباً بالنسبة للسعوديين، لكن في نهاية المطاف سيكون عليهم التعايش معه". وتابع: "ستكون رقصة صعبة".
ع.خ/ ع.غ (ا ف ب)