الدستور الموحد في صدارة أجندة ميركل الأوروبية
١٢ مايو ٢٠٠٦حذر رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو يوم الأربعاء الماضي من عواقب إهمال مشروع الدستور الأوروبي، وطالب بإعادة إحياءه معتبرا أن إنجازه سيعطي دفعة كبيرة للاتحاد على طريق تكوين هويته المشتركة. وجاءت تصريحات باروزو لتعيد مشروع الدستور الأوروبي إلى بؤرة الضوء وتؤكد على أهميته لمستقبل القارة الأوروبية. وبإيقاع متناغم ألقت المستشارة الألمانية ميركل أمس خطابها الأول حول السياسة الأوروبية، وسلطت فيه الضوء على الخطوط العريضة لسياسة حكومتها حيال القضايا الأوروبية. وفي خطابها وضعت ميركل، التي ستتولى رئاسة الاتحاد الدورية في النصف الأول من 2007، مشروع الدستور الأوروبي على رأس أجندتها الأوروبية، واعتبرت أن أوروبا بحاجة على دستور موحد لمواجهات التحديات المعاصرة. كما رأت ميركل أن الصياغة الحالية للدستور تثبت القيم الأساسية للاتحاد وتوضح الاختصاصات المختلفة لأجهزته.
من المعروف أن مشروع الدستور الأوروبي تعرض لانتكاسة حادة في العام الماضي بعد الرفض الشعبي له في فرنسا وهولندا. حيث أظهرت نتائج الاستفتاءات الرسمية التي عقدت في البلدين رفض المواطنين لمشروع الدستور بصيغته الحالية، وهو الأمر الذي أدخل الاتحاد الأوروبي في حالة من الجمود إذ يتحتم أن يوافق على مشروع الدستور كافة الدول الأعضاء. وتركزت الانتقادات آنذاك حول مفهوم الوحدة وخطط توسيع الاتحاد، إضافة إلى المخاوف الشعبية من السياسة الاقتصادية المقترحة والتشكك من قدرتها على تأمين ضمانات اجتماعية كافية.
مواطن قوة أوروبا
"علينا أن نضع هموم مواطني أوروبا في بؤرة اهتماماتنا." كانت نصيحة المستشارة ميركل في خطابها أمام البرلمان الألماني من أجل استعادة ثقة الأوروبيين في مشروعهم المشترك، وأوضحت أنه لابد من أن يؤمن الأوروبيون بقدرة أوروبا على التطور والنمو. وأقرت المستشارة بأن "الأوروبيين لا يقدرون المشروع الأوروبي بالشكل الكافي حتى الآن." لذلك طالبت بأن تبرهن القارة الأوروبية على قدرتها على لعب دور محوري على الساحة السياسية الدولية.
وأبرزت ميركل في خطابها موقع ألمانيا باعتبارها أحد المحركات الاقتصادية الأساسية في الاتحاد، لكنها لم تتحرج من توجيه نقد ذاتي لحكومتها قائلة إنها لا ترى من المناسب أن تفشل ألمانيا مجددا في البقاء تحت السقف المقرر في اتفاقية الاستقرار النقدي، إذ ينبغي الوفاء بالتزامات قبل مطالبة الغير بها.
كما اعتبرت ميركل أن على الاتحاد الأوروبي أن يسجل نجاحا واضحا للعيان في أربعة مجالات حيوية: الحراك الاقتصادي، الأمن الداخلي والخارجي، والقدرة على اتخاذ قرارات. كما سلطت ميركل الضوء على مواطن القوة في أوروبا فقالت: "أوروبا تمتلك طاقة هائلة في مجالات التعليم والابتكارات الحديثة والبحث العلمي." وطالبت ميركل بدفع هذه الطاقات عن طريق هيكلة الاتحاد هيكلةً تركز على رفع الأداء وليس على اهتمامات سياسية محلية.
محاربة البيروقراطية
إضافة إلى أهمية الدستور الأوروبي، شددت المستشارة ميركل على ضرورة محاربة البيروقراطية في الوقت الراهن، واعتبرت من وجهة نظرها أن 25 بالمائة من قوانين الاتحاد الأوروبي زائدة عن الحاجة ويمكن الاستغناء عنها. ولعل فترة رئاسة ألمانيا للاتحاد ستكون فرصة طيبة لإرسال إشارات واضحة في هذا المجال، فحتى الآن لم تعترف المفوضية الأوروبية سوى بخمسين قانونا، من بين 80 ألف قانون، اعتبرتهم زائدين عن الحاجة.
من ناحية أخرى أبرزت المستشارة أهمية السياسة الأمنية للاتحاد سواءً على الصعيد الداخلي أو الخارجي. واعتبرت أن الإرهاب والتطرف هما من الأخطار الجديدة في حقبة ما بعد الحرب الباردة. وأضافت أن أوروبا ارتكبت خطءا في منطقة البلقان عندما أبطأت في التحرك، لكنها تعلمت من خطئها. والدرس المستفاد من وجهة نظر ميركل هو: على أوروبا أن تتحمل مسؤولياتها وتتدخل قبل فوات الأوان. وهذا هو السبب في رغبة الاتحاد في التدخل لحفظ الأمن أثناء الانتخابات في دولة الكونغو.
انتقادات لاذعة
يرى عدد من المراقبين أن المستشارة ميركل صاغت العديد من الأسئلة المهمة للاتحاد الأوروبي، لكنها لم تقدم إجابات شافية عليها. فقد أبرزت ميركل الأهمية البالغة لتمرير الدستور الأوروبي الموحد، لكنها لم توضح كيف يمكن الوصول إلى ذلك. إذ من غير الواضح كيف يمكن استعادة ثقة الفرنسيين والهولنديين بعد رفضهم الحاسم العام الماضي. وبالرغم من الدور الايجابي الذي يمكن للمستشارة أن تلعبه باعتبارها الرئيسة القادمة للاتحاد، لا يُتوقع حلحلة أزمة الدستور قبل الانتخابات الفرنسية والهولندية مطلع العام القادم.
كما لاحظ المراقبون تحاشي المستشارة تقديم جواب نهائي بخصوص طلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. من المعروف أن ميركل تتبنى موقفا مناقضا لموقف أغلبية القادة الأوروبيين الداعم للطلب التركي. أما بخصوص الطلب الأوكراني فتبقى فرصه شبه معدومة، مع احتمال عرض شراكة خاصة عوضا عن انضمام كامل. كما أن من المتوقع أن تزداد مفاوضات انضمام دول البلقان تعقيدا.
المعارضة الألمانية من ناحيتها هاجمت خطاب المستشارة واعتبرته غير كاف لمواجهة التحديات الأوروبية الراهنة. ريناتا كونست رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب الخضر وصفت خطاب ميركل بأنه يشبه "الرسم التجريدي"، كناية عن افتقاده للوضوح وعدم تقديمه إجابات شافية. وأضافت أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى سياسة واضحة في كثير من المجالات مثل الطاقة، وهو ما أهملته المستشارة على حد قول كونست. أما جيورج جيزي، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب اليسار انتقد خطط الاتحاد الأوروبي العسكرية، وقال أن الأوروبيين بحاجة إلى سياسة مسالمة وداعية إلى نزع السلاح، عندها فقط سيمكن الإجابة بنعم على مشروع الدستور الأوروبي.