الدول المغاربية - ما الغرض من دعوات لتطبيق حكم الإعدام؟
١٢ أكتوبر ٢٠٢٠سيطرت جرائم الاغتصاب والاختطاف والقتل بحق الأطفال والنساء خلال الآونة الأخيرة على أخبار البلدان المغاربية الثلاثة؛ الجزائر وتونس والمغرب، الأمر الذي أجج فئات من الناس ودفعها للمطالبة بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام. وفيما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بنقاش حاد بين المؤيدين والمعارضين، فإن هذا الجدال وصل إلى الساحة السياسية، لاسيما بعد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد تأييده لهذه العقوبة.
لكن القانون الدولي لحقوق الإنسان يعتبر الحق في الحياة هو من الحقوق الأساسية، وعليه تبنى باقي الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، ولهذا فإن العديد من المواثيق أيدت وقف عقوبة الإعدام، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وبناء على ذلك فإن تطبيق هذه العقوبة، أو عدم تطبيقها مرهون بالاتفاقيات التي وقعت عليها هذه الدول الثلاث، وحجم تفاعلها مع هذه المواثيق.
جرائم متزايدة
شهدت دول عربية ومن بينها الدول المغاربية، تزايدا في عدد حالات التحرش والاغتصاب وجرائم القتل بحق النساء والأطفال، وتذكر المعالجة النفسية واستشارية الصحة النفسية رانيا سليمان في لقاء مع DW عربية أن هذه الجرائم كانت موجودة، لكن بسبب تطور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من السهل تسليط الضوء عليها بشكل أكبر، "وتمكن بذلك الجمهور من الحديث عنها بشكل أوسع".
وتضيف سليمان أن "انهيار المنظومات الأخلاقية والقيم الإنسانية القائمة على ضرورة احترام الآخر" من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى تزايد العنف المجتمعي، بالإضافة إلى أساليب التربية غير الصحية، التي تبث في الفرد "عدم تقبل جسده وجسد الآخرين"، وغياب التعليم الحقيقي والتوعية المجتمعية فيما يتعلق بالصحة الجنسية.
وتتفق مع وجهة النظر هذه، الخبيرة والباحثة في القانون التونسي إيمان قلالي-أرنت، إذ ترى، في حديثها مع DW عربية، أن "وجود مساحة للحديث عن هذه الجرائم عبر العالم الافتراضي، جعل من السهل الكشف عنها"، فيما تؤكد أن هناك ضرورة لوجود توعية مجتمعية لردع المغتصبين والقتلة.
مطالب بتطيق حكم الإعدام
تشترك الدول المغاربية الثلاث في تجميدها عقوبة الإعدام في بداية التسعينيات، إذ اتخذت كل من الجزائر والمغرب هذا القرار عام 1993، وتم تعليقها في تونس منذ العام 1991، ومع ذلك لم يتم إلغاؤها بشكل تام من القوانين الخاصة في كل بلد.
إلا أن تزايد حالات خطف الأطفال واغتصاب النساء، دفع فئات من الناس في البلدان المغاربية الثلاثة للمطالبة بإعادة النظر في تطبيق العقوبة كمحاولة لردع لهذه الجرائم، وترى الخبيرة قلالي-أرنت أن رد الفعل هذا طبيعي ومتوقع، "خاصة بعد أن شهدوا جرائم بشعة ومشينة كهذه"، وإيمانهم أن الممارسات القانونية الحالية لا تستطيع ردع المجرمين.
إلا أن مطالب بعض الفئات من المجتمع قد تترجم إلى قرارات سياسية، بعد أن لمح الرئيس التونسي قيس سعيد خلال اجتماعه مع مجلس الأمن القومي إلى أن عقوبة الإعدام "هي العقاب المناسب لمن قتل نفساً بغير حق".
والذي اعتبرته الخبيرة القانونية محاولة "لكسب أصوات شعبية"، والتغطية على ما أسمته "فشل الحكومة في تحقيق انتصارات سياسية"، مضيفة أنه من المتوقع استغلال القوى السياسية الموقف لصالحها ولتحقيق مكاسب خاصة، من أجل الاستفادة من ما يحدث حاليا في محاولة لزيادة القاعدة الجماهيرية.
كما رأت بعض الأوساط الحقوقية خطورة في مواقف الرئيس سعيد، لأنها قد تفتح الباب أمام الإسلاميين ومجموعات محافظة أخرى "لإعادة الدعوة إلى تطبيق الشريعة بصورتها التقليدية التي تعني في أذهان الكثيرين تطبيق أحكام الإعدام والرجم والتعزير وقطع الأرجل كما لو أن الدين جاء فقط للانتقام بدل تبني رؤية إسلامية تقوم على المقاصد"، حسبما يرى الكاتب الصحفي التونسي مختار الدبابي في مقال له على صحيفة "العرب" اللندنية.
"حكم الإعدام لا يردع المجرمين"
ترى الخبيرة الحقوقية قلالي-أرنت إن عقوبة الإعدام لا يمكن أن تردع القاتل، معتبرة أن "الموت راحة"، وتجد أن الردع الحقيقي يكون عبر توجهين: التوجه المباشر والذي يعني اتخاذ عقوبات رادعة حقيقية تتمثل بالحبس مدى الحياة، والذي "لديه فاعلية أكبر من الإعدام"، والتوجه غير المباشر، والذي يتضمن توعية المجتمع وتثقيفه وإصلاح الأوضاع الاقتصادية والمدنية.
وقد اعتبر مهتمون إن المطالبة بعقوبة الإعدام "لا تقل وحشية عن الجريمة"، كما نشر المفكر والباحث المغربي أحمد عصيد في حسابه على فيسبوك، "إن المجتمع ليس من مهامه نصب المشانق وإصدار الاحكام، بل هي مهمة القضاء" .
وذكرت منظمة العفو الدولية، عبر موقعها، إلى أنه لا تتوفر أدلة كافية تشير إلى أن عقوبة الإعدام قد تردع ارتكاب الجريمة بشكل أكبر فاعلية من السجن، وأكدت أن أرقام الجريمة في البلدان التي حظرت عقوبة الإعدام لم ترتفع، بل انخفضت في بعض الحالات.
وأوردت أن إعدام شخص ما لأنه قتل شخصا آخر ما هو إلا انتقام وليس عدالة، وكل مجتمع يعدم المذنبين إنما يرتكب العنف ذاته الذي يدينه، واعتبرت المنظمة أن حكم الإعدام هو انتهاك العقوبة لأهم حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهو الحق في الحياة.
لا يمكن تطبيق حكم الإعدام
يرى خبراء وحقوقيون أن توقيع الدول المغاربية الثلاث على اتفاقيات ومواثيق دولية تحظر الإعدام وضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يضعها في موقف قد يجعل من الصعب عليها اتخاذ قرار إعادة تطبيق حكم الإعدام، إذ استبعد المحامي فاروق قسنطيني، في تصريحات لوسائل إعلام جزائرية محلية، أن عودة الجزائر إلى تطبيق عقوبة الإعدام، سيمس بسمعتها أمام المجتمع الدولي، كون مشروع قانون الدستور الذي يجري الاستفتاء عليه في الثاني من تشرين الثاني نوفمبر المقبل، خصص مجالا واسعا لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في الحياة.
وبينما امتنع المغرب عن التصويت في 2016 على مشروع القرار المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان، إلا أن الدستور المغربي ينص أيضا على حماية حق الإنسان في الحياة، والذي يتعارض مع حكم الإعدام.
أما تونس، ورغم توقيعها على اتفاقيات جنيف والبرتوكول الأول والثاني، واتفاقية مناهضة التعذيب، فقد أوردت في دستورها صيغة توافقية للفصل 22 مفاده أن "الحق في الحياة مقدس، ولا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون"، ما يعني أن هناك حالات قد يفرض من خلالها تطبيق حكم الإعدام.
وقد جددت منظمة العفو الدولية مناشدتها للسلطات التونسية بعدم العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام.
م.س