الربيع العربي ومصادرة الديمقراطية
١٠ أغسطس ٢٠١٣الحواجز والأسلاك الشائكة تؤمن حماية مؤقتة من الفوضى. على جانب يقف المتظاهرون المطالبون بنظام سياسي علماني، وعلى الطرف الآخر يقف الإسلاميون. حتى قبل فترة قريبة كانت حركة تمرد تكافح ضد حكومة الإخوان المسلمين. وفي تونس تطالب الجماهير الغاضبة باستقالة الحكومة التي يقودها الإسلاميون. لقد بدأ في مصر كما في تونس ما كان يخشاه الكثيرون منذ فترة طويلة، وهو التصعيد في "الحرب الأهلية الباردة" التي أوقفها الجيش بوسائل تثير الريبة، وفيما إذا كان يمكن إيقافها في تونس أيضاً، فإن الأمور تبدو إلى ألان غير واضحة.
هناك تراجع في مصر كما في تونس على كافة الأصعدة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالعنف والمواجهات الراهنة تعيد مصر وتونس سنوات إلى الوراء. فهي تعيق الاستثمارات وعودة الحياة الطبيعية إلى البلاد. لكن التأثير الأسوأ لذلك هو على الديمقراطية، فالأمل الذي بدأ نهاية عام 2010 في تونس بات مهدداً بأن يتبخر. فالمطالب القوية بالتحول الديمقراطي بقيت بالنسبة للكثير من المصريين مجرد وعود جوفاء، فهي لم تجلب لهم لا العدالة ولا حياة أفضل. بل على العكس، جلبت لهم إسلاميين لا يتمتعون بالخبرة السياسية للحكم.
خطر يهدد كل المنطقة
وهكذا ظهرت الهوة للعلن، بين الريف والمدينة وبين الفقراء والأغنياء، و وبات الخلاف والصراع بين العلمانيين والإسلاميين أمرا مكشوفا، وهو ما كان يخبأه ويستر عليه الديكتاتوريون. وتحت الضغط الهائل للتغيير والانفتاح السياسي انهار المجتمع. فبعد ثلاث سنوات من التغيير لم يبق سوى القليل مما يربط ويجمع الأفراد ويساهم في نهاية المطاف في تماسك المجتمع. وهذا أمر خطير يهدد كامل المنطقة والدول الأوروبية المجاورة لها. فتونس تقع مباشرة قرب بوابة أوروبا، ومصر تعتبر دولة محورية هامة في الشرقين الأدنى والأوسط. والوجهة السياسية التي يسير فيها البلدان تؤثر وتحدد مستقبل المنطقة.
لكن كيف ينظر ويتصرف العالم تجاه التحول الديمقراطي المهدد بالفشل؟ بإهمال وعدم اهتمام؟ ربما، ولكن لاشك أنه يقف عاجزاً. وفقط للتذكير، قتل الجيش المصري نهاية شهر يوليو / تموز ثمانين من أنصار مرسي، والرد الجلي للغرب على حمام الدم ذلك، هو عدم فعل أي شيء. كما يتجاهل الغرب توسع التطرف الديني في البلدين، إذ تحول فيهما من كانوا يحمون الثورة، إلى شبان مستعدين لاستخدام العنف وفرض اللباس ونمط الحياة الإسلامية على المواطنين. ونمو التيار السلفي في البلدين واضح تماماً، ويشتبه باغتيال إسلاميين متطرفين لسياسيين علمانيين في تونس هذا العام.
لا يوجد ديكتاتور جيد
الفوضى الحالية تدفع إلى المطالبة بـ "قبضة حديدية"، حيث يقول البعض في تونس ومصر: إن الوضع في ظل الديكتاتورية السابقة كان أفضل من هذه الفوضى. وربما لأن الجنرالات قمعوا الاضطرابات بحجة تأمين الاستقرار، واعتقلوا الرئيس وعادوا إلى السلطة، فقط القليلون يسمون ما قام به الجنرالات، انقلاباً.
لكن لا توجد ديكتاتورية جيدة. ومن الخطأ الاعتقاد بأن المستبدين يؤمنون الاستقرار والأمن أكثر، إنهم يحققون مؤقتاً شعوراً زائفاً بالأمن. وهذا ما أظهرته الثورات العربية، وفوضى اليوم هي إرث ديكتاتورية الأمس. فالديكتاتوريون يقمعون المعارضة والأمور الخلافية ويحولون دون التوازن بين المصالح المختلفة. ويستمر الضغط حتى ينفجر الوضع.
الغرب من الخاسرين أيضا
ويبدو الأمر هكذا: إن الإطاحة بديكتاتور تختلف عن بناء الديمقراطية، و لكن، وللأسف، يبدو أن ذلك لن يتحقق قريباً. فالديمقراطية هي بحث دائم عن حلول وسط وقواسم مشتركة. إنها تتطلب مؤسسات قوية يعتمد عليها وقواعد واضحة والتسامح ومفاوضات دائمة. والوضع في تونس ومصر يبدو أكثر بعداً عن الديمقراطية مما كان عليه بعيد الثورة. والهوة بين العلمانيين والإسلاميين أكبر مما كان عليه حتى الآن.
الغرب كان أول الخاسرين، فالولايات المتحدة وفرنسا وأوروبا دعمت لعقود الديكتاتوريات السابقة. وتعتبر البلدان العربية المجاورة اليوم كدول يمكن الثقة بها واستشارتها، بالرغم من تدخلها الكبير في الفوضى وتحقيق مصالحها الذاتية. وعلى أوروبا أن تأخذ في الحسبان أنها تقف على حافة حريق سياسي في المنطقة. لكن على الغرب ألا يكرر خطأ ارتكبه سابقاً، وهو الاعتقاد بوجود "ديكتاتور جيد" والثقة به ودعمه.