الروائي مارتين موزيباخ يفوز بأهم الجوائز الأدبية في ألمانيا
١٢ يونيو ٢٠٠٧كانت بلا شك مفاجأة للعديدين عندما أعلنت الأكاديمية الألمانية للغة والأدب اسم الفائز بجائزة بوشنر، أهم الأوسمة الأدبية في المنطقة الألمانية. حتى مارتين موزيباخ، الفائز بالجائزة، كان من الذين فوجئوا بسماع اسمه. "لم أكن أعتقد أبداً أنني سأنال جائزة بوشنر"، هكذا صرح لوكالات الأنباء، أما السبب فهو أن أعماله "لا تصيب نجاحاً جماهيرياً"، كما أن هناك "عدداً كبيراً من الكتاب الذين يستحقون الجائزة".
اسم الروائي مارتين موزيباخ ليس مجهولاً بالطبع في الحياة الأدبية الألمانية، إلا أن أعماله كانت حتى الآن مقصورة على النخبة. كانت روايات موزيباخ الضخمة تحصد مديحاً كبيراً من النقاد، ولكن دون أن يعبأ بها القراء كثيراً – ربما لضخامتها وصعوبتها اللغوية والأسلوبية. غير أن الأكاديمية الألمانية أشادت تحديداً بأسلوب الروائي البالغ من العمر خمسة وخمسين عاماً، وقالت الأكاديمية في حيثيات منحها الجائزة إن مارتين موزيباخ يجمع في أعماله بين "الأسلوب الراقي الفخم والمتعة القصصية وحس الفكاهة".
أهم أعماله الفنية
ولد موزيباخ في فرانكفورت عام 1951 ابنا لطبيب كان يحيا، كما قال ابنه لاحقاً، "في الشعر وللشعر وحده". درس مارتين موزيباخ الحقوق في جامعتي فرانكفورت وبون. وفي عام 1980 تفرغ للكتابة واستقر في مسقط رأسه. وتتنوع أعماله بين المقالة (في الأدب والفن)، والرواية والقصة والشعر. كما ألف مسرحية شعرية عُرضت عام 1992 على خشبة أحد مسارح فرانكفورت تحت عنوان "ذات الرداء الأحمر والذئب"، ولاقت استحساناً كبيراً.
إلا أن الإنجاز الأكبر والأهم لموزيباخ هو في حقل الرواية. كتب موزيباخ حتى الآن سبع روايات، كان آخرها رواية "الزلزال" التي أحدثت بالفعل هزة كبيرة في الحياة الأدبية في ألمانيا، وعقب صدروها انهال النقاد على الروائي الفرانكفورتي مديحاً وتقريظاً. لكن الرواية لم تحقق نجاحاً لدى القراء، إذ لم يتجاوز عدد النسخ المبيعة ستة آلاف نسخة، وهو رقم هزيل للغاية بالنسبة لمبيعات الكتاب الكبار في ألمانيا. فأعمال غونتر غراس، مثلاً، أو إلفريده يلينك تبيع أكثر من مئة ألف نسخة. أما روايات "البست سلر" فتسجل أرقام مبيعات تفوق النصف مليون في المنطقة الألمانية وحدها (مثلاً رواية "العطر" لباتريك زوسكيند أو رواية الكاتب الشاب دانيل كيلمان "قياس العالم").
مارتين موزيباخ كاتب النخبة إذن. كتب أولى رواياته عام 1983 بعنوان "الفِراش"، واحتفى بها النقاد على الفور، روايةً تُذكّر بروايات روبرت موزيل وتوماس مان، وهو انطباع تأكد في روايته اللاحقة "حديقة روبرت". في روايته الثالثة "حي فست إند" (800 صفحة) تناول الروائي قصة انهيار عائلة تعيش في أحد أحياء مدينة فرانكفورت. أثارت رواية موزيباخ الرابعة "التركية" (1999) قدراً أكبر من اهتمام النقاد الذين اعتبروا أن الكاتب وصل بها نهائيا "إلى لغته الخاصة التي تتميز بالدقة والسخرية والهادئة من الذات، كما أنه نجح في العثور على شكل قصصي مقنع". بل لقد اعتبر أحد النقاد روايته "حكاية ممتعة من حكايات ألف ليلة وليلة". أما روايته "ليلة طويلة" (2000) فكانت العمل الذي رسخ اسمه روائياً كبيراً، وعنها قال النقاد: "إنها رواية الحاضر التاريخية"، و"تحفة أدبية مدهشة" و"تذكرة دخول موزيباخ إلى عالم الأدب الرفيع" وأن ألمانيا "ربحت بهذه الرواية قاصاً كبيراً". في عام 2001 نشر موزيباخ روايته "أمير الضباب" التي اعتبرها بعض النقاد "متعة ذهنية"، وهي رواية تجري أحداثها في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
موزيباخ والخراط في "الديوان"
وكان الروائي مارتين موزيباخ قد زار مصر عام 2003 في إطار مشروع "ديوان الشرق والغرب"، وهو مشروع يرعاه عدد من الجهات الثقافية الألمانية ويهدف إلى تبادل الزيارات بين الكتّاب من ألمانيا والعالم العربي وتركيا وإيران. في إطار "الديوان" تبادل موزيباخ الزيارة مع كاتب نخبوي آخر هو الروائي الكبير إدوار الخراط، رائد تيار "الحساسية الجديدة" في مصر. ويبدو أن لقاء موزيباخ مع الثقافة المصرية العربية قد أثار خياله، فمدد إقامته في القاهرة عدة أسابيع بعد انتهاء فعاليات "ديوان الشرق والغرب". وفي حديث للقسم العربي لإذاعة "دويتشه فيله" قال الروائي الألماني إنه يريد أن يواصل الكتابة في القاهرة، "فأفضل وسيلة للتعرف إلى مدينة هي العمل بها". وخلال الندوات الأدبية التي أقامها في مصر كان مارتين موزيباخ يشيد كثيراً بمكانة "ألف ليلة وليلة" في الأدب العالمي، معتبراً هذا العمل من أهم الأعمال التي أثرت عليه روائياً. كما أعرب عن دهشته من أن الكتّاب المصريين يقابلون حماسته الشديدة تجاه "ألف ليلة وليلة" بالاستخفاف، مما ولد لديه شعوراً بأنهم لا يقدرون هذا العمل حق قدره.
جائزة بوشنر
وجائزة بوشنر هي بلا شك أهم الأوسمة الأدبية التي تمنح في ألمانيا. وتبلغ قيمة الجائزة أربعين ألف يورو. غير أن الأهم من ذلك هو قيمتها المعنوية. مَن يحصل على جائزة بوشنر، يضمن الخلود الأدبي ويسجل أرقام مبيعات عالية، كما أنه يلفت أنظار النقاد في الخارج، وبذا قد تفتح له الجائزة الألمانية باب الجوائز العالمية مثل جائزة نوبل. نظرة على قائمة الحاصلين على أهم الأوسمة الأدبية تبين مكانة هذه الجائزة، فمن بين الفائزين بها هاينريش بُل وغونتر غراس وإلفريده يلينك وبيتر هاندكه وهانز ماغنوس إنتسنسبرغر.
وتمنح الأكاديمية الألمانية للغة والأدب جائزة بوشنر للأدباء الذين يكتبون باللغة الألمانية ويساهمون بأعمالهم مساهمة جوهرية في تشكيل الحياة الثقافية الألمانية المعاصرة. وتُسلم الجائزة سنوياً في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وهو الشهر الذي ولد فيه الكاتب المسرحي غيورغ بوشنر في عام 1813. وقد توفي بوشنر في زهرة الشباب عام 1837 بعد إصابته بالحمى الشوكية. معظم مسرحيات بوشنر نُشرت بعد وفاته، ومنها "موت دانتون" و"لنس" و"فويتسك". والقارئ العربي يدين لأستاذ الفلسفة المصري عبد الغفار مكاوي بفضل التعرف إلى أعمال هذا الكاتب الثوري، إذ نقل مكاوي كل مسرحيات بوشنر إلى العربية في ستينيات القرن الفائت.