من له الحق في تحديد الزي الرياضي المناسب للاعبات؟
٧ أغسطس ٢٠٢١لم يكن الأمر سهلا على لاعبات منتخب النرويج للكرة الشاطئية، برفض ارتداء البكيني خلال بطولة أوروبا واستبداله بسراويل طويلة وسط خوف اللاعبات من تداعيات القرار، واستعدادهن للمخاطرة بالتعرض للغرامة أو ما هو أسوأ جراء خرق قواعد اللعبة.
لم يدم هذا التردد طويلا وقبل مباراة تحديد الفائز بالميدالية البرونزية ضد إسبانيا في البطولة الأوروبية مطلع الشهر الماضي، قررت لاعبات منتخب النرويج المضي قدما في قرارهن وارتداء سراويل طويلة. وتقول تونيه لاشته، حارسة مرمى الفريق النرويجي، "كنا نخاف من أن يتم طردنا من المسابقة".
وتضيف لاشته في مقابلة مع DW "لكن في المباراة الأخيرة، كنا على استعداد لدفع أي غرامة تفرض علينا. وقلنا: لا يمكن طردنا الآن. ماذا هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث؟"
وتصف ما حدث بعد ذلك "بالجنوني" إذ حظيت أزمة الفريق باهتمام كبير على مستوى العالم حتى أن المغنية الأمريكية الشهيرة بينك عرضت دفع الغرامة إذا ما تم تغريم الفريق.
وقالت لاشته إن أهم شيء نجم عن الخطوة أنها أثارت مجددا الجدل حول قواعد الزي الرياضي الذي يتعين على اللاعبات ارتداءه خلال المسابقات، مضيفة "يحدوني الأمل في أن يستمر الأمر الذي بدأناه. في الماضي، كانت اللاعبات تعتقدن أنه يجب التعامل مع قضية الزي باعتبارها أمرا مسلما به. لكن الآن يمكننا التحكم في الملابس، وهذا أمر عظيم".
وفي السابق، اشتكت العديد من اللاعبات في عدد من الرياضات مما يرونه "سمات جنسية" للقواعد وازدواجية في المعايير مقارنة باللاعبين الذكور.
وفي خضم منافسات دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، بدأ الجدل يطفو مرة أخرى على السطح. وفي ذلك، تقول ماري هارفي، المديرة التنفيذية لمركز الرياضة وحقوق الإنسان، إن النساء يتعين عليهن التوازن بين صناعة أسمائهن وكيف يمكن أن يشعرن بالارتياح، وهذا ما قد يؤثر على أدائهن. وتضيف "بادئ ذي بدء، إذا كنت لاعبا رياضيا سوف ترغب في أن يكون الأمر يتعلق بالأداء الرياضي" وتشير إلى أن "البعد الأول يتعلق بوظيفة الملابس التي يرتديها الرياضيون وكيف يمكن أن تساعدهم من الناحية الفيزيولوجية، أما البعد الثاني فيتعلق بالحالة الذهنية، فإذا شعر اللاعب بالرضا، فسيكون أداؤه جيدا".
قواعد مختلفة لكل رياضة
لم يكن ما أقدمت عليه لاعبات منتخب النرويج الواقعة الوحيدة في الشهور الأخيرة التي تسلط الضوء على ثياب النساء خلال المنافسات الرياضية. فخلال أولمبياد طوكيو، اتخذت لاعبات الجمباز الألمانيات موقفا ضد إضفاء طابع جنسي على الرياضة التي يمارسنها، إذ ظهرن وهن يرتدين بدلات كاملة.
وكانت اللاعبات قد ارتدين هذه البدلات لأول مرة خلال منافسة جرت في أبريل/ نيسان الماضي وفي ذلك الوقت، قالت إحدى اللاعبات لـ DW إنها تريد أن تتاح الفرصة لكل لاعبة "لتقرر بنفسها الزي الرياضي الذي ترغب في ارتدائه".
لكن يبدو أن مسار تحقيق هذا الهدف يختلف من رياضة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال يٌسمح في رياضة الجمباز بارتداء ملابس تغطي الجسم بالكامل، أما في رياضة كرة اليد الشاطئية فإن الأمور أكثر تقييدا حيث تنص القواعد على أنه يجب على اللاعبات ارتداء "البكيني" بمقاس محدد.
وفي أعقاب الخطوة الاحتجاجية التي قامت بها لاعبات النرويج، فإنه من المرجح أن يضطر الاتحاد الدولي لكرة اليد الى تغيير القواعد الخاصة بالزي الرياضي. وفي تعليقها على هذا، تقول تونيه، حارسة مرمى الفريق النرويجي "لا يمكنني التفكير في أي نتيجة غير ذلك".
ومن اللافت صعوبة تحديد السبب وراء استمرار تطبيق مثل هذه القواعد. وفي هذا السياق، تقول الباحثة الرياضية، جوانا ميليس، في بعض الحالات تكون هذه القواعد إلزامية لضمان أن تُجرى اللعبة بشكل عادل وآمن، لكن في رياضات أخرى يكون الأمر متعلقا بشكل اللاعبات وكيف يُنظر إليهن.
وفي مقابلة مع DWتقول ميليس "كشف مؤرخو الأزياء الرياضية عن أنه عندما تعلق الأمر باللاعبات، فقد خشي (صناع القرار في حينه) من أن تظهر اللاعبات في مظهر ذكوري لدرجة أنهم أرادوا التأكد من أن اللاعبات سيظهرن في شكل أنثوي جذاب للرجال".
وأعادت واقعة لاعبات منتخب النرويج إلى الذاكرة موقف السويسري جوزيف بلاتر، الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم، عندما قال في إحدى المناسبات إنه يجب أن ترتدي اللاعبات "سراويل ضيقة" لتعزيز شعبية كرة القدم النسائية. ورغم أن هذا الطرح لم يلق قبولا، إلا أن المغزى كان أكثر وضوحا.
الثقافة الذكورية
ولا ينحصر الأمر على كونه يحمل في طياته استغلالا جنسيا، إذ تقول ميليس إن هناك قضايا أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان، مضيفة أن واقعة منتخب النرويج حققت "نتيجة إيجابية"، لكن لا يجب النظر إليها باعتبارها نقطة تحول، لأن "الاستغلال الجنسي جزء من قضية كبيرة". وتتابع "تكره هذه المنظمات إحداث أي تغيير كما لو كان الأمر أن هذا سوف يقلل من نفوذها. يدير الرجال هذه المنظمات. وهذه الأشياء متجذرة في ثقافة الذكور الغربيين البيض."
وتشير ميليس إلى واقعة أليس ديرينغ، وهي أول سباحة من أصول أفريقية تمثل بريطانيا في الألعاب الأولمبية حيث تم منعها من ارتداء قبعةمصممة خصيصا لتلائم وتحمى شعرها ذي اللون الأسود.
وعزا الاتحاد الدولى للسباحة رفضه إلى أن القبعة لا تتناسب مع "الشكل الطبيعي للرأس"، إذ زعم أن السباحين الدوليين لم يطلبوا من قبل ارتداء "قبعات بهذا الحجم وهذه المواصفات".
وألمحت ميليس إلى أن الأمر يحمل في طياته "نغمة عنصرية". وأضافت أن "السباحة تعد مصدر قلق حقيقي. فإذا كان الناس لا لم يتعلموا السباحة بسبب عنصرية منهجية أو غيرها من أشكال التمييز، يمكن أن يؤدي ذلك إلى حوادث غرق مروعة، وفي الواقع يحدث هذا".
ورغم رفع بعض القيود في بعض الرياضات مثل الملاكمة، إلا أنه المقابل يتم تغريم اللاعبات المسلمات أو يتم حظر مشاركتهن بسبب ارتداء الحجاب. وفي هذا السياق تقول ماري هارفي، المديرة التنفيذية لمركز الرياضة وحقوق الإنسان، "في بعض المجتمعات، الثقافة تحدد ما يمكن للمرء أن يرتديه"، على سبيل المثال الحجاب. وإذا تم حظر الحجاب في المنافسات الرياضية، فإن هذا سيعني أن "النساء المسلمات لن يتمكن من المشاركة. الملابس تعد إحدى الطرق للوصول إلى بعض الثقافات".
مشاركة النساء في صناعة القرار
وترى هارفي وميليس أنه يجب أن تشارك النساء في صناعة القرار داخل المنظمات الرياضية من أجل معالجة القضية المتعلقة بالزي الرياضي الخاص باللاعبات. وتقول هارفي "وجود صوت (نسائي) رياضي سيكون أمرا أساسيا لحل مثل هذه الأمور. العملية يجب أن تكون شاملة للجميع. لا يمكن أن تتحدث إلى رياضي فقط، عليك التحدث إلى جميع الرياضيين خاصة النساء حول العالم. هناك اعتبارات تتعلق بالمجتمعات المحافظة يجب أن تؤخذ في الحسبان. لا يمكن استبعاد مجموعة من الناس عن عمد".
وأتضيف "يتم إبلاغ النساء بالقرارات، لكنهن لا يتخذن هذه القرارات. كلما باتت عملية صنع القرار متنوعة وشاملة، كلما كانت القرارات أفضل. إذ كان هناك عشرة رجال سويسريين يتخذون قرارات بشأن ما يمكن وما لا يمكن للمرأة أن ترتديه، فهل هذا ما نصبوا إليه؟".
أما بالنسبة إلى تونيه لاشته، حارسة مرمى الفريق النرويجي، فلا سبيل للندم على ما أقدمت عليه وزميلاتها. وتقول"لقد أثبتنا أن هناك دعم كبير لما قمنا بفعله. سيحصل أي فريق آخر أو أي لاعبة على نفس الدعم. لقد أخرجنا هذه القضية إلى النور، وحاليا هناك الكثير من الاهتمام حيالها. هذا هو الوقت المناسب لإجراء تغيير".
يوناثان كرين / م ع