السجون الألمانية تستعين بالنحل لغرض غير متوقع
٢٣ يونيو ٢٠١٩يقضي الشاب الألماني ذو الأصول المغربية، والبالغ من العمر 24 عاما، عقوبة السجن في مؤسسة ريمشايد الإصلاحية بولاية شمال الراين فيستفاليا، غرب ألمانيا، وذلك منذ أيار/ مايو 2018. يشارك محمد، الذي بدا يقظا، في برنامج تربية النحل، والذي تريد به الاصلاحية أن تسلك طريقا لم يسبقها إليه أحد حتى الآن، ألا وهو تشغيل السجناء بشكل مجد وبتأثير علاجي، مع تقديم شيء من أجل حماية البيئة، بالتعاون مع أكثر من ثلاثة ملايين "نحلة سجون".
يدعو وزير العدل بولاية شمال الراين فيستفاليا، بيتر بيزنباخ، للاقتداء بهذا النموذج خارج ولايته أيضا. فرغم وجود مناحل بشكل متفرق في سجون ألمانية أخرى، إلا أن ولاية شمال الراين فيستفاليا تتبنى فكرة جديدة، حيث تشارك العديد من المؤسسات في توزيع العمل في المشروع، وهناك تعاون مع محال ومزارعين يسمحون للسجناء في المؤسسة الاصلاحية المفتوحة، بالعمل في حدائق الفاكهة المملوكة لهم.
تعتبر تربية النحل برنامجا غير مألوف في سجن مخصص للرجال فقط، اعتاد فيه سابقا شباب غلاظ استعراض عضلاتهم. كان يورغن كريمر (62 عاما)، رئيس إدارة العمل في المؤسسة الاصلاحية، صاحب فكرة شارع إنتاج العسل. وعمل كريمر 40 سنة موظفا في المؤسسات الاصلاحية ويقول إنه كان يفكر منذ وقت طويل في كيفية إعداد السجناء بشكل مجد للحياة بعد قضاء فترة السجن، "حيث إن العمل بالخارج قد تغير.. بحيث لم يعد من الممكن استيعاب النجارين والحدادين في سوق العمل.
في ربيع عام 2016 بدأ كريمر برنامجه، عقب المشاركة في دورة تدريبية وجلب أول النحل الذي استعان به، ثم انضمت إليه عدة مؤسسات اصلاحية في مدن أخرى بالولاية. وأصبح عدد مستعمرات النحل لدى جميع هذه المؤسسات مجتمعة، 68 خلية. ويتراوح العدد السنوي للنحل بين 3 و 4 ملايين نحلة، وهو عدد قادر على إنتاج نحو طن من العسل.
وتتقاسم المؤسسات العمل فيما بينها، حيث يشمل هذا صناعة خلايا النحل وألواح شمع العسل ورعاية النحل وجني العسل، وتنظيف جميع المواد المستخدمة في الإنتاج. يعكف محمد على صنع علب من بقايا الخشب والألواح القديمة، لاستخدامها في إهداء العسل، "كنت في السابق عدوانيا مع الأسرة، انتهى ذلك منذ أن عملت مع النحل، فهذا العمل يحتاج للكثير جدا جدا من الصبر"، حسبما يحكي محمد، البالغ من العمر 48 عاما، والذي يقضي منذ آب / أغسطس 2018 عقوبة السجن في دار ريمشايد، بسبب عنفه مع زوجته السابقة.
ويرى كريمر أن "من يعمل مع النحل يضطر للالتزام بالقواعد، وإلا تعرض للعقوبة مباشرة، فالخطأ يعني لدغة، وهذا شيء مؤلم". كريمر مقتنع بتأثير المشروع، "فهو برنامج اندماج للجميع، للاجئين، للسجناء الأتراك وذوي الأصول الأفريقية والروسية والشرق أوسطية، والذين لا يستطيعون تقريبا التحدث بالألمانية، وكذلك للكثيرين الذين ليس لديهم سوى هذه الفرصة، أي الذين، لولا البرنامج، لما وجدوا ما يفعلونه سوى الإثارة والصخب في الزنازين..". ولكن لا يسمح سوى لنزلاء السجون المفتوحة بالخروج من الزنازين إلى البساتين حيث توجد خلايا النحل.
سمحت مزرعة كونرادس الجبلية بمدينة لايشلينغن للسجن في ريمشايد، بوضع خلايا النحل حول بساتينها، والسماح للسجناء بالعمل هناك. إضافة لذلك يرعى السجناء بعض خلايا النحل في حديقة النحل الخاصة بالسجن . يطير آلاف النحل في الشمس من زهرة إلى زهرة وتجلب معها بجد حبوب اللقاح إلى خلاياها، "فمع النحل يكون الإنسان في الطبيعة، ويتلقى صورة مختلفة عن العالم" حسبما قال كريمر ناظرا للمساحات الخضراء الشاسعة أمامه، مضيفا "الكثيرون لا يعرفون هذا بهذا الشكل، الكثيرون يأتون للمؤسسة الاصلاحية بكثير من العيوب، واعتادوا تحقيق ذاتهم من خلال العدوانية، ولكن ليس هنا، فالسجناء العدوانيون لا يشاركون في بدايتهم في مشروع النحل الذي يرغب فيه السجناء.. فهناك سجناء غير قابلين للعلاج، وهؤلاء يظلون في الحبس، ولا يخرجون من الزنازين".
ويأمل كريمر أن ينضم الكثير من السجناء المشاركين في برنامج تربية النحل، في فترة لاحقة إلى جمعيات تربية النحل خارج المنشأة الاصلاحية. "هناك نزلاء لا يجدي معهم أسلوب العلاج ولا ينفع معهم إلا الحبس"، ويتابع كريمر أن السجناء يستطيعون عند العمل في تربية النحل بعد السجن، الاستمرار فيما تعلموه أثناء السجن، "فهناك في الدنيا شيء آخر غير احتساء الخمر حتى الثمالة، وقضاء الوقت في الحانات ، وهذا لا يعني أن مجرد المشاركة في البرنامج يمنع وقوع جرائم".
ح.ز/ ص.ش (د.ب.أ)