هل السجون أماكن تطرف؟
١٦ يناير ٢٠١٥بعد التحقيقات الأمنية، ثبت للأجهزة المعنية، أن إثنين من مجموع الإرهابيين الذين نفذوا اعتداءات باريس، تم التأثير عليهما وأصبحا أكثر تطرفا خلال فترة وجودهما في السجن. أحد الأخوين كواشي ـ اللذين قاما بالهجوم المسلح على الصحيفة الفرنسية شارلي إيبدو كان ناشطا في تجنيد الجهاديين المتوجهين إلى العراق وقد تم الحكم عليه بالسجن لثلاث سنوات، مكث منها 18 شهرا، إلا أنه ظل متشبثا بأفكاره المتطرفة. مهدي نموشي منفذ الاعتداء على المتحف اليهودي في بروكسل، والذي قتل أربعة أشخاص، قضى أيضا مدة في السجن، كما أن محمد مراح الذي قتل في ربيع 2012 في مواجهة مع الشرطة الفرنسية بعد اغتياله لسبعة أشخاص، منهم ثلاثة عسكريين في مدينة تولوز، كان أيضا في السجن.
في كانون أول / ديسمبر الماضي، حكمت محكمة فرانكفورت على كريشنك ب. بالحبس أربع سنوات لانضمامه إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، وذلك في أول محاكمة من نوعها في ألمانيا، ويتوقع أن تكون هنالك محاكمات لآخرين بسبب انضمامهم إلى تنظيم " الدولة الاسلامية" المتطرف، خاصة على خلفية تقارير تؤكد وجود ما لا يقل عن 600 ألماني جهادي في سوريا. ولاشك أنه سيلقى بهؤلاء في السجن مع متطرفين آخرين من تنظيم القاعدة مثل جماعة زاور لاند الإرهابية وغيرها، والذين حاولوا تنفيذ اعتداءات على الأراضي الألمانية.
شبكات إجرامية داخل السجون
هذا كله يطرح التساؤل عن كيفية منع السجناء من التطرف، وأهمية الإجراءات الواجب اتخاذها للوقاية، وهو ما يؤكده مدير دراسات الأمن الدولية للخدمات المتحدة في لندن"رافايلو بانتوتشي"الذي يرى ان "السقوط في فخ التطرف في السجن هو أمر خطير ووارد، حيث يحدث أن يسجن أناس بشكل فردي ويلتقون في السجن مع متطرفين ينقلون إليهم أفكارهم ومعتقداتهم المتطرفة، وهو أمر شاهدناه أكثر من مرة".
الآلية المتبعة ليست جديدة، كما يؤكد يواخيم كيرستين الباحث في كلية الشرطة في حديث مع DW، إذ أن العديد من المجرمين يُنشئون شبكات خاصة بهم في السجون، وهو يشير إلى الحركات اليمينية المتطرفة ويقول " خاصة في الولايات الجديدة (ألمانيا الشرقية) نكتشف بعد المراقبة الأمنية كيف تم إنشاء العديد من الشبكات الإجرامية، وكيف تم تعميق روابطها بالسجن.
ما تقوم به السلفية في السجون الآن، هو امتداد لما سبق. فعلى سبيل المثال أنشأ متطرفون صفحة الكترونية باسم "أنصار العصر" وذلك لإمداد السجناء بمعلومات عن الجهاد، ولجمع التبرعات، ونشر الأفكار المتطرفة. حتى الآن أبدى حوالي 3500 شخص إعجابهم بصفحة الفيس بوك، وهي تتضمن عادة اتهامات للسلطات الألمانية بالتعسف، وإساءة التعامل مع السجناء. كما تقوم هذه الجماعات بانتقاء معتنقي الإسلام الجدد كما حصل مع الإرهابي اليساري" بيرنهارد فالك" لضمان ولائه وعدم عزوفه عن الإسلام، كما تتبادل الجماعات الأفكار المتطرفة. ولقد ظهر فالك في عدة محاكمات ضد إسلاميين، حيث يزور السجناء بانتظام ويجمع تبرعات مالية
سجناء بعد أن رفضهم المجتمع
وطبقا لتوماس موكة رئيس وعضو مؤسس لجمعية " شبكة الوقاية من العنف"، والتي تعنى بالسجناء وكيفية ابعادهم عن التطرف والإرهاب، فان المشكلة تحدث عندما يلتقي متطرفون ذو خبرة مع سجناء صغار السن. فهؤلاء الأحداث تم سجنهم لأنهم سلكوا مسلكيات خاطئة في الحياة، غير أن هؤلاء المتطرفين يشرحون لهم أن وجودهم في السجن يعود إلى رفض المجتمع لهم، وأن المسلمين ملاحقون ومضطهدون، وهو ما يقودهم لاحقا إلى التطرف.
ولمنع تسريب مثل تلك الأفكاريقوم موكة بلقاءات دورية مع السجناء، وخاصة مع الأحداث منهم، كما يستعين بجمعيات إسلامية، من أجل عقد لقاءات دورية مع السجناء، ومن أجل تقديم شرح أفضل لمفاهيم الإسلام وقيمه، حتى لا يبقى هؤلاء الأحداث عرضة لمغريات المتطرفين.
أهمية الوقاية
عدم الانجراف لمسار التطرف هو ما يشغل أيضا حسام الدين ماير الذي يعمل منذ ستة أعوام مع سجناء مسلمين، ويقول: "عندما يدخل السجن أحد الأشخاص العدائيين المتطرفين الذي يغمره الحقد على المجتمع، ينشأ نوع من التواصل بينه وبين السجناء الآخرين ، فيغديهم بأفكاره المتطرفة. وبدلا من أن نحمي المجتمع من شخص ما من خلال سجنه، فسيظهر ستة أوسبعة أشخاص جدد متأثرين بتلك الأفكار المتطرفة.
لذلك يرى حسام الدين ماير انه من المهم اتخاذ إجراءات وقائية تحد من التطرف. وبما أنه يدين بالإسلام فهو يحظى بثقة السجناء المسلمين. ويخبرنا ماير بتفاصيل أكثر عن طريقة تفكير الجهاديين الذين يودون إثارة إعجاب المجتمع بهم من خلال متابعة آلاف عناصر الشرطة لهم وتسليط أضواء الكاميرات عليهم. ويضيف المتحدث أنه خاض نقاشات عديدة مع السجناء بهذا الصدد، وأن بعضهم يرى في أفعال أشخاص مثل مراح ونموشي أعمالا بطولية.