السياحة التونسية ـ أكثر من حالة طوارئ لإنقاذ الموسم
٢ أبريل ٢٠١٥في مثل هذه الفترة من موسم الربيع كانت قوافل السياح تأتي تباعا إلى المتحف التاريخي المجاور للكاتدرائية. بيد أن الحال تغيّر بعد الهجوم الإرهابي الذي هز متحف باردو بالعاصمة في 18 آذار/ مارس الماضي وهزّ معه تونس كلها. فقد خفت الحركة بشكل ملحوظ لتحل محلها حالة من الإحباط والقلق، ليس لدى العاملين في هذه المنطقة الأثرية فحسب، ولكن أيضا لدى قطاع واسع من المستثمرين في المجال السياحي بتونس الذين ينتظرون كيف ستكون ردود فعل الأسواق العالمية تجاه الوجهة التونسية.
كان هناك نزر قليل من السياح داخل المتحف الأثري حيث تطل بقايا مدينة قرطاج التاريخية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. وكان من بين الزائرين جوانا براون، وهي طالبة ألمانية تدرس العلاقات الدولية بكلية الحقوق بتونس منذ شهر سبتمبر/ أيلول. جوانا براون تتجول في المتحف مع والديها الذين قدما لزيارتها والاستمتاع بعطلة سياحية في تونس.
شبح باردو يخيم على كل شيء
لم يكن من الممكن أن تتجاهل براون ما حدث في متحف باردو مؤخرا؛ ولدى حديثها مع DW عربية أوضحت "من الواضح أن الهجمات الإرهابية ستحدث ضررا بشأن قدوم السياح الذين يرغبون في الذهاب إلى الشواطئ. وهؤلاء مطلعون على الأحداث وما يجري في تونس لكنهم لا يملكون الكثير من المعلومات".
وتضيف براون "هناك أيضا جزء من السياح الذين لهم متابعة واسعة ومعمقة حول ما يجري. هؤلاء يدركون أنه من المهم القدوم إلى تونس حتى وإن كان هناك إرهاب لأن هذا الخطر موجود أيضا في أوروبا. ولهذا السبب قدم والداها لزيارة تونس".
بدورها لا تخفي لوشانتي ماريا التي قدمت من إيطاليا مع رفاقها إلى تونس ووصلت بصحبتهم إلى المتحف التاريخي، صدمتها لما وقع في متحف باردو. ماريا توضح في حديثها مع DW عربية قائلة "صدمت مثل كل العالم لما حدث. لكن الحياة عادت الآن إلى طبيعتها وكان على الإعلام الأوروبي ألاّ يركز على الجوانب السلبية فقط. فتونس لا يزال بلدا جميلا".
خطة طوارئ لمواجهة تراجع السياحة في تونس
ولم يتأخر رد الأسواق العالمية على ما حدث في تونس. إذ اعترفت وزارة السياحة بإلغاء جزئي للحجوزات بعد أحداث باردو وتوقف عدد من الرحلات البحرية عند تونس لكن الأمر حتى الآن لم يصل إلى حد النتائج الكارثية. ومنذ أحداث باردو التي أوقعت 24 قتيلا بينهم 21 من السياح من جنسيات عالمية أحدثت وزارة السياحة التونسية ما يشبه غرفة الطوارئ لتلافي نتائج مدمرة على القطاع السياحي الحيوي لاقتصاد البلاد.
وبدأت بمعية المؤسسات الفاعلة في القطاع وهي اتحاد النزل واتحاد وكالات الأسفار على إيجاد إستراتيجية عمل تضمن تجنب الأسوأ للسياحة التونسية. كما بدأت السلطات بحشد دعم عالمي للتضامن مع تونس ودعم جهودها لإنقاذ السياحة.
وعلى العكس من حالة الخوف السائدة يبدي عبد الكريم التواتي، الذي يعمل مرشدا سياحيا، تفاؤلا بالموسم السياحي. التواتي يوضح لـDW عربية أن نسبة قدوم السياح لا تزال محترمة ومشجعة وتعكس عن حالة من التعاطف والتضامن مع تونس برزت بعد ما جد من أحداث إرهابية.
لا بد من استعادة المبادرة
ويعتقد لوكا بالماس، وهو باحث جامعي في علم الاجتماع جاء لزيارة قرطاج التاريخية مع عائلته أن استعادة السياحة التونسية لنسقها العادي يحتاج إلى علاقات أوسع وأسواق جديدة في العالم. ويضيف بالماس أنه "يجب العمل على أن تكون هناك صناعة سياحية قوية وأن تحدد تونس السياحة التي تريدها".
وبدأ بالفعل أرباب السياحة بوضع خطط عملية للحد من إلغاء الحجوزات إذ أوضح رضوان بن صالح رئيس اتحاد النزل لـ DW عربية أنه تم الدفع بإجراءات مثل "اقتسام المخاطر" مع وكالات الأسفار حتى لا يتم إلغاء الرحلات وتغطية الحجوزات الناقصة إذا ما حصلت، مشيرا إلى أن جل الوكالات قبلت بالمقترح وأعلنت عن الموافقة في تثبيت الرحلات.
وأضاف بن صالح قائلا: "سنبدأ في الدعاية المشتركة مع وكالات الأسفار في الخارج وخاصة في ألمانيا التي تضم الوكالات الأهم سيسمح ذلك باستعادة الثقة في الأسواق التقليدية وتأكيد صورة تونس البلد الآمن والذي يطيب فيه العيش". وأعلنت وزارة السياحة من جهتها عن الاتجاه نحو تنظيم مهرجات عالمية على مدار السنة وبصفة شهرية لاستقطاب سياح من أسواق عالمية جديدة إلى جانب الاتفاق مع المنظمة العالمية للسياحة على تنظيم مؤتمر دولي للإعلام والسياحة بتونس في أواخر العام الجاري.
موسم الصيف اختبار حقيقي للسياحة التونسية
وبغض النظر عن التعاطف الدولي المعلن مع تونس، فإن هناك اتفاقا لدى أغلب الناشطين في القطاع السياحي بأن موسم الصيف الذي يمثل ذروة النشاط السياحي في البلاد سيكون المحك الحقيقي لاختبار مدى تعافي القطاع وقدرته على النهوض بسرعة.
وقد أوضح محمد علي التومي، رئيس وكالات الأسفار والسياحة في حديثه معDW بأن التعاطي السياسي للحكومات الغربية مع أحداث باردو ومواقف التضامن والدعم مع تونس تمهد بشكل ايجابي لحماية القطاع السياحي من الانهيار. بيد أن التومي يعتقد أن ذلك لن يكون كافيا. وحسب رأيه "يتعين على المهنيين في القطاع اتخاذ إجراءات تحفيزية لمتعهدي الرحلات ووكالات الأسفار حتى يبقوا على برمجة الرحلات باتجاه تونس من ذلك استقدام ممثلين لهذه المؤسسات السياحية للاطلاع على الوضع الأمني والاجتماعي في البلاد".
تونس بحاجة إلى أكثر من تضامن غربي
لكن مع ذلك تواجه تونس معضلة مزدوجة إذ علاوة على تأثيرات المتوقعة لهجمات باردو فإن الأسواق التقليدية للسياحة التونسية مثل فرنسا وألمانيا بالأساس إلى جانب السوق الروسية تشكو أصلا من تراجع حتى قبل الهجمات. ومقارنة بسنة 2010 التي سبقت أحداث الثورة في تونس فإن عدد السياح الفرنسيين الذين يتصدرون قائمة السياح الغربيين في تونس سجل تراجعا إلى النصف عام 2014.
ويرى محمد علي التومي أن "هناك أزمة اقتصادية في السوق الفرنسية إلى جانب التعاطي الإعلامي الفرنسي مع ما يحصل في تونس. نبحث الآن عن مخزون جديد في السوق الفرنسية لم يقع استغلاله من قبل ونسعى لاستقطاب نوعية جديدة مع السياح الفرنسيين".
أما بالنسبة للسوق الألمانية فيشير التومي إلى المنافسة الشرسة التي تواجهها تونس من قبل تركيا التي توجهت بكامل ثقلها الى السوق الألمانية لتعويض النقص في السوق الروسية وهو ما أحدث تراجعا حتى الآن في عام 2015 في عدد السياح الألمان.
وفي كل الأحوال فإن خطط الفاعلين في القطاع السياحي بتونس لا تتركز الآن على استعادة المعدلات العادية للقطاع والمسجلة قبل الثورة في 2010 والمقدرة بنحو سبعة ملايين سائح بقدر ما تتركز على انقاذ الموسم السياحي برمته من خسائر فادحة مقارنة بما تم تحقيقه العام الماضي.
ويأمل المستثمرون ان يمثل السياح القادمون من دول الجوار الجزائر وليبيا خير تعويض لأي انتكاسة محتملة في الأسواق الأوروبية والغربية، اذ يمثل المغاربة وحدهم قرابة نصف عدد السياح الذي يفدون على تونس سنويا.